الموساد يكشِف المستور: العلاقات بدول الخليج بدأت بالتسعينيات
ليفني وزيرة الخارجيّة السابقة كانت تُشارِك مع الزعماء العرب، الذين لا تربطهم علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ مع "إسرائيل" في (منتدى السلام العالميّ)
كُشِف النقاب عن أنّ جهاز (الموساد) الإسرائيليّ، الذي بدأ العلاقات مع كلٍّ من عُمان والبحرين والإمارات العربيّة المُتحدّة، ومع دولٍ خليجيّةٍ أخرى وذلك قبل حوالي ثلاثة عقودٍ من توقيع اتفاقيات التطبيع، التي باتت معروفةً باسم (اتفاقيات أبراهام) ووقعت عام 2020 في واشنطن، حيثُ عرضت هيئة البث الإسرائيليّة شبه الرسميّة (كان) فيلمًا وثائقيًا تحت اسم (أسرار الخليج) روى فيه قادة من (الموساد)، جهاز الاستخبارات الخارجيّة، عن نشاطاتهم في الدول الخليجيّة عندما كانت الاتصالات سريّةً للغاية.
وبيّن الفيلم، الذي تمّ تصويره في المنامة بالبحرين، بمُوافقة السلطات المحليّة هناك، أنّه قبل 30 عامًا بدأ رجال الموساد ووزارة الخارجيّة الإسرائيليّة بإرسال مندوبين عنهما إلى الدول الخليجيّة، وعملوا تحت أسماءٍ مستعارةٍ، وشدّدّ مُعِّد ومُقدّم الفيلم، آساف ليبرمان، على أنّ رجال الموساد الذين عملوا بسريّةٍ تامّةٍ، بعيدًا عن الأنظار، يكشفون لأوّل مرّةٍ كيف تمكّنوا منذ وصولهم إلى الدول الخليجيّة من نسج العلاقات مع كبار المسؤولين والوصول بواسطتهم إلى العائلات المالكة، كما عُرِضت شهادة أحد عملاء الموساد مع إخفاء وجهه، لأسبابٍ أمنيّةٍ، ربّما لأنّه ما زال يخدم في الجهاز، وأشار التلفزيون الإسرائيليّ إلى أنّه أقدم عميلٍ للموساد في الخليج.
وكان لافتًا للغاية إجراء مقابلةٍ مع وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة السابِقة، تسيبي ليفني، التي كان لها قسمًا لا يُستهان به في عملية إنشاء العلاقات مع دول الخليج، علمًا أنّها كانت ضابطة في الماضي في الجهاز نفسه، واتُهمت بقتل عالمٍ عراقيٍّ في العاصمة الفرنسيّة، باريس، خلال خدمتها، لكنّها آثرت عدم الردّ على القضية، لا نفيًا ولا تأكيدًا.
ليفني كشفت النقاب عن أنّه خلال تبوأها منصب وزيرة الخارجيّة كانت تُشارِك مع الزعماء العرب، الذين لا تربطهم علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ مع “إسرائيل” في (منتدى السلام العالميّ)، و”خلافًا للماضي لم يخرج النظراء العرب، بل بقوا، وصفقوا بعد كلمتي، وتبينّ ليّ أنّ الإماراتيين والبحرينيين كانوا على درجةٍ من “النُضج” لإقامة علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ مع إسرائيل”، قالت ليفني.
وكشفت ليفني النقاب عن أنّ “الإماراتيين اشتروا المُسيّرات الإسرائيليّة ودفعوا عشرات ملايين الدولارات مُقابِل ذلك، وألمحوا بأنّ هذا السلاح سيُساهِم في الهجوم العسكريّ الإسرائيليّ لتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ، إلّا أنّ وزارة الأمن في تل أبيب رفضت المصادقة على البيع، الأمر الذي مسّ بهم بشكلٍ كبيرٍ”.
ووفقًا للمُحلِّل السياسيّ الإسرائيليّ، باراك رافيد، الذي أدلى بأقواله في الفيلم الوثائقيّ، فإنّ نقطة البداية في العلاقات العربيّة مع دولة الاحتلال كانت (مؤتمر مدريد) عام 1991، إذْ لأنّه للمرّة الأولى في تاريخها باتت “إسرائيل” (شرعيّةً) من قبل الدول العربيّة التي لم تكُن تجرؤ على إقامة علاقاتٍ معها، مُضيفًا أنّه بعد المؤتمر المذكور، بدأت دولٌ عربيّةٌ بإنشاء علاقاتٍ نصف سريّةٍ ونصف رسميّةٍ مع الكيان، على حدّ وصفه.
أمّا نائب السفير الإسرائيليّ الأسبق في واشنطن، جيرمي إيسخاروف، فقال “إنّ العلاقات مع الدول الخليجيّة كانت سريّةً للغاية، وفقط القليل من الشخصيات كانت على علمٍ بالأمر، وفي الكثير من الأحيان كنتُ شاهد عيان على تحوّل هذه العلاقات إلى حميميّةٍ، مُقارنةً بعلاقاتنا مع دولٍ أخرى”.
علاوة على ما ذكر أعلاه، فإنّ الدبلوماسيّ الإسرائيليّ، بروس كاشدان، الذي كان مسؤولاً عن العلاقات الخارجيّة للكيان في مؤتمر مدريد، كان عمليًا الموظّف الإسرائيليّ الأبرز الذي عُيّن ليكون مسؤولاً عن العلاقات مع دول الخليج، وأقام وحدةً سريّةً داخل الخارجيّة في تل أبيب وظيفتها ترتيب وتنظيم العلاقات مع الدول الخليجيّة.
من ناحيته قال حاييم تومر، قائد شعبتيْ الاستخبارات وتيفيل (كلمة بالعريّة تعني العالم) سابقًا في (الموساد)، قال إنّ “قصة الغرام الإسرائيليّة بواسطة (الموساد) مع الدول الخليجيّة و”إسرائيل” بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقودٍ.. الباب فُتِح لنا لمحادثاتٍ سريّةٍ من قبل السلطان قابوس في عُمان، والذي آمن بالعلاقات بين الشرق والغرب، بما في ذلك إسرائيل، وأنّ سلطنة عُمان بإمكانها أنْ تكون جسرًا لهذه العلاقات”.
أمّا دافيد ميدان، القائد السابق لوحدة (تيفيل) في الموساد فقال إنّ “الدول الخليجيّة كانت تخشى من تهديديْن إستراتيجييْن اثنيْن: الأوّل إيران، إذْ أنّ الدولة (الإسلاميّة الشيعيّة) كانت بالنسبة لهم العدوّ الرئيسيّ والتاريخيّ، والثاني الإسلام المُتطرّف والراديكاليّ، وهذان التهديدان هما من ألّذ أعداء “إسرائيل”، لذا كان بيننا تساوق في المصالح، ولكننّا لم نتقدّم في توطيد العلاقات مع دول الخليج بسبب القضية الفلسطينيّة”.
وتابع زميله تومر قائلاً: “بعد ما تمّ التوقيع على اتفاقيات (أوسلو) عام 1993 في واشنطن، بين الكيان ومنظمة التحرير الفلسطينيّة فهِم الجميع أنّه في هذه النقطة الزمنيّة تغيّرت قواعد اللعبة، لأنّه عمليًا تلقّت “إسرائيل” شرعنةً بأنّها تبحث عن السلام، ولذا فإنّها تستحّق”.
وتابع تومر: “القطريون سارعوا لافتتاح ممثليةٍ إسرائيليّةٍ في الدوحة، عُمان واصلت علاقاتها شبه الرسميّة وشبه السريّة معنا، وفي المحصلة العامّة كانت “إسرائيل” على علاقةٍ مع جميع دول الخليج تقريبًا”.
وخلال الفيلم الوثائقيّ عُرِض لقاءٌ أجراه التلفزيون الإسرائيليّ في المنامة مع نائب وزير الخارجيّة البحرينيّ، الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، وهو المسؤول عن ملّف العلاقات مع “إسرائيل” حيثُ قال: “القضية الفلسطينيّة كانت وما زالت في أعماق دوائر صُنّع القرار في المنامة، فنحن ندعم الفلسطينيين ونُريد إقامة دولةٍ خاصّةٍ بهم، وأنْ تكون القدس الشرقيّة عاصمةً لها، ونحنُ نعلم أنّ هناك رؤساء وزراء في “إسرائيل” يؤمنون بغير ذلك”.
الفيلم الوثائقيّ الإسرائيليّ أوضح أنّ الأزمة في العلاقات مع الإمارات انفجرت بعد عدّة أشهر من رفض “إسرائيل” بيع الدولة الخليجيّة المُسيرّات، عندما قام (الموساد)، دون إبلاغ الإماراتيين، باغتيال القائد في حركة (حماس)، الشهيد محمود المبحوح في أحد فنادق دبي.
القائد السابق في (الموساد) تومير قال للتلفزيون إنّ “عملية الاغتيال خلقت أزمةً صعبةً بين الإماراتيين والإسرائيليين، أزمة ثقة خطيرة، حيثُ أبلغونا بتراجعهم عن كلّ ما تمّ التوصّل إليه، بما في ذلك التحالف والتعاون الثنائيّ وتطويره.. قالوا لنا لا تزورونا، لا تُرسلوا رجالاتكم إلينا، لا تكتبوا لنا، لا نُريد أنْ نسمع منك”.
المُحلّل رافيد قال إنّه “في أحد لقاءاتي بوزير الخارجيّة الإماراتيّ، الشيخ عبد الله بن زايد، قال لي إنّ أكثر ما أغضبهم في عملية قتل المبحوح ليس موته، إنّما ما أثار حفيظتهم هو تنفيذ عملية بهذا الشكل وعلى أراضيهم، فقد كانت بالنسبة لهم رسالةً إسرائيليّةً بأنّ لا فرق بينهم وبين (حماس). لو قلتُم لنا؟ كُنّا اعتقلناه. عملية المبحوح دفنت العلاقات السريّة التي بنتها “إسرائيل” مع الإمارات”.
في نهاية المطاف لعب السفير الإماراتيّ في واشنطن، يوسف العتيبة دورًا كبيرًا في تلطيف الأجواء، بينما قال القائد الأسبق في الموساد تومر أنّهم اعتذروا عمّا فعلوه في قضية المبحوح، لأنّه “من أجل دولة “إسرائيل” علينا العمل بكلّ الطرق والوسائل”، على حدّ تعبيره.
تومر كشف النقاب عن أنّه “في العام 2010 عُيّن تامير باردو رئيسًا للموساد، ووضع إعادة العلاقات الاستخباريّة والأمنيّة مع دول الخليج مهمّةً رئيسيّة للجهاز، وذلك في إطار الحملة الإسرائيليّة ضدّ البرنامج النوويّ الإيرانيّ، التي كانت آنذاك في أوجها.
وتابع أنّه “مع اندلاع (الربيع العربيّ) فهِم زعماء الخليج أنّ قوّة الإسلام الراديكاليّ تشهد ارتفاعًا، الأمر الذي أثار المشاعر السلبيّة لديهم، وأنّ هذا أخر أمر يريدون أنْ يصِل إليهم، كما أنّ ردّ الفعل الأمريكيّ أوضح للزعماء الخليجيين ضرورة البحث عن حلفاءٍ جددٍ، ومن هنا فُتِحت الطريق لإعادة العلاقات، وقُمنا بتزويدهم بالمعلومات السريّة، إذْ أنّ “إسرائيل” في فترة (الربيع العربيّ) كانت صخرة الاستقرار بالمنطقة”.
دافيد ميدان، القائد السابق بالموساد أوضح أنّه “مع حلول العام 2014 بدأت العلاقات الأمنيّة مع دول الخليج تعود إلى سابق عهدها، لا بلْ تتوسّع، كما أنّهم يتوصّلوا لقناعةٍ بأنّ القضية الفلسطينيّة ستأخذ زمنًا طويلاً، وأنّه يُمكِن عقد السلام مع “إسرائيل” قبل حلّها، وهذا تساوق مع رؤية إدارة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب بتحقيق إنجازٍ سياسيٍّ في منطقة الشرق الأوسط”.
وكشف أنّ “جاريد كوشنير زار القدس المُحتلّة وأبلغ نتنياهو بالعرض الإماراتيّ للتطبيع مع “إسرائيل”، لكنّه رفض وأكّد أنّه بصدد ضمّ الضفّة الغربيّة لسيادة إسرائيل، ولمنع الأزمة، دخل على الخّط السفير العتيبة، الذي كان بمثابة (إشبين اتفاقيات التطبيع)، واقترح إلغاء الضمّ مُقابِل السلام مع الإمارات والبحرين، وفعلاً هذا ما جرى، وتمّ تحييد الفلسطينيين جانبًا وتوصلنا للتوقيع على (اتفاقيات أبراهام) في العشرين من أيلول (سبتمبر) 2020”.
رأي اليوم