وحده المثقف هو الذي يخون وعيه بوعي الوعي الخداج
د. عادل سماره
لا يمضي يوم إلا ويكتب كل من يفك الحرف كلمة عن المثقفين وغالباً باللوم أو التقريع أو الذم أو المطالبة بما ليس في وسع المثقفين أو ليس بوسعهم وحدهم انجازه.
وراء هذا الضخ المهول غالبا حُرقة مواطن وطني عروبي ولكن في أحيان كثيرة تقف وراء هذه الهجمة قوى وأجهزة أنظمة محلية ودولية تهدف أخذ الناس بعيداً عن هدفها الحقيقي والتاريخي فينحصر الاشتباك في ساحة المثقفين على ضيقها عدداً وإمكانات.
قلَّما تقرأ تحليلاً طبقياً، وفي الاقتصاد السياسي، تحليل لمواقف الأنظمة وبُناها الطبقية وارتباطاتها وسياساتها. وقلما تقرأ نقدا للإمبريالية وممارساتها بل عدوانها.
ربما لأن تناول المثقفين خفيف من جهة وغير مكلف أمنياً على من يكتب من جهة ثانية هذا لن لم نقل أن ما يكتبه يلقى الترحيب.
ولكن، هل هناك حق في نقد المثقفين أو لنقل مثقفين؟بالطبع نعم.
لن أتحدث هنا عن مصطلح المثقف المشتبك الذي صغته منذعقدين ونيِّف بل عن:
المثقف المنشبك
والطابور السادس
وخاصة طبعتهما المخفية.
فبينما لا يخرج المثقف المنشبك عن الخط او الثلْم لأنه مثابة ناطق ثقافي باسم نظام حكم أو حزب أو حركة مقاومة حيث يتزلف لها بحجة أنه يقف معها لكنه يقف على أكتافها. ذلك لأن تزلفه الممجوج حتى الغثيان لا يفيد هذه أو تلك ولكن يضيف إلى جلده بعض اللمعان.
وبالمقابل، فمثقف الطابور السادس يُطالعك بسحنة لا ماء حياء فيها فهوأشبه بالرقص العاري تماماً حيث فيه جنساً لا فنَّاً.
سُئل رائد الطابور السادس ذات يوم: لماذا لا توجد ديمقراطية في قطر؟ فأجاب: “الشعب لم يطلب”!!.
بينما في قطر كثير من السجناء على الرأي وبمطلب ديمقراطي. إنما اللافت: “فطالما أنت تفيض صحفك وإذاعاتك عن المحيط إلى الخليج، فلماذا لم “تُعلمهم المطالبة بالديمقراطية”؟ بل تنشر الأموال على كل من يلعب دور فئران نخر خشب سفينة العروبة والثورة والمقاومة بل يقف ضدها.
لعل الأخطر من المنشبك ومثقف الطابور السادس أولئك المثقفين الذين دخلوا مطهر المال في الدولة خاصة وفي كثير من إسطبلات التمويل العربي الرسمي الإماراتي مثلاً لا حصراً والأجنبي بما في ذلك في الأكاديميا الغربية حيث يكتب هؤلاء لغة لا هي كنعاية ولا لغة كنده ولا هي العربية الحالية ولا هي إحدى الأعجميات… مما يضطرك لقراءة ما كتب أكثر من مرة لتلتقط بأنه يشكل ظل الطابور السادس أو جناحه المخفي وهذا بالطبع يؤثر في الوعي الجمعي بخبثه الذي يمكنك أن تقرأ ما كتب إلى اليمين وإلى اليسار! إلى الوطنية وإلى الخيانة، إلى القُطرية وإلى العروبة…الخ.
حينما تتجه بوصلة المثقفين المشتبكين ضد التطبيع من هذا النظام أو ذاك، وحين تُسلط الأضواء على مثقف تطبيعي يجتث جذور الوعي الجمعي ويولج فيه ما يقوده إلى الاستسلام أو المتعة أو العبثية أو الكفر بالعروبة، تجدظل الطابور السادس وقد عٌقد لسانه، وأحيانا يهمس لمن حوله بأنه “أعلى من هذه الأمور”. طبعاً بوسع كل امرىءٍ أن يتخيل بأنه قمة عالية، لكن:هو الذي يتخيل.
هذه الفئة من المثقفين تغطي نفسها أحيانا بتصنيع تناقضات بقدر قامتهم وتقيسها على الوطن، فيقول لك:
أنا مع احتلال العراق وتدمير سوريا واحتلال ليبيا لأنها أنظمة غير ديمقراطية.
وهو نفسه يكتب بأنه مع المقاومة! وتحرير فلسطين!
وهو مع المثليين في علانيتهم ومطالبهم بأن يُدرجوا في برامج الأنظمة والأحزاب قبل التنمية وقبل الطبقة وقبل التحرر والتحرير. اي وضع القفا محل الدماغ.
نعم هذه الأنظمة غير ديمقراطية، لكنها وطنية وشبه علمانية وقطعت شوطا تنمويا. والأهم أن تدميرها وإسقاطها أخذ اقطارها إلى الجوع والفقر والرشى وانقطاع النفط وهي نفطية وانقطاع الكهرباء والماء وكانتا موجودتين، واقام في العراق وليبيا خاصة أنظمة قوى الدين السياسي التي لا تمر بالوطن إلا كمطية متلفعة بالله وتقفز من غرفة نومها إلى السماء تاركة الوطن لخالقها الأرضي اي الإمبريالية التي أوصلتها إلى الحكم عبر مشروع الاستشراق الإرهابي.
لا تسأل هذه الفئة نفسها، هل يمكن لمن يشارك في تدمير اقطار عربية أن يؤمن بتحرير فلسطين؟ ولا تملك سوى أن تقول له: إن اي تيار قُطري هو مشروع خيانة ملفوف بالسوليفان. وبأن تحرير فلسطين ليس مسؤولية جامعة الدول الفلسطينية وحدها ولا تصل قامتها إلى هناك بل هو مشروع عروبي، والجمهوريات التي لا يحب دائما أقرب إلى فلسطين من الممالك والمهالك.
ضمن مشروع الاستشراق الإرهابي تجد بالضرورة “حقوق”المثليين وطبعته المحلية في “جهاد النكاح”. وسواء المثليين أو المدافعين عن إعلاء شأنهم فوق الطبقات والتحرير والتنمية…الخ هم أقل حتى من فهم: “إذا بُليتم فاستتروا” لأنهم يعتقدون بأنهم يقدمون مساهمة في الحرية لم يصلها سوى الراسخون في الشبق.
جاء صحافي إيطالي إلى كوبا فاستضافه كاسترو في بيته وأعد له معكرونه.
الصحافي: لماذا انت ضد المثليين
كاسترو: وهل أتيت من إيطاليا لى هنا ليكون هذا سؤالك الرئيسي!!!
وبعد، أمام هذه الفوضى المعممة يتمرد علينا السؤال التالي: لماذا كل هذا؟
أستطيع الإفتاء بقدرٍ من الثقة بأن وراء هذا الكثير من الداخل والخارج من الماضي والحاضر…الخ وخاصة الوعي الخداج.
فالوعي الخداج دائما وعي لا يكتمل بحده الأدنى، فهو شعاراتي، سطحي تهويشي أو هلوشة من هنا ومن هناك وبالتالي، هو حالة زلِقة تتغيرطبقاً لمؤثرات حتى من مستوى أو طراز تافه.
الوعي الخداج هو درجة من الوعي، ولكن خطورته أن يخون وعيه بوعيٍ! فهو يعرف أنه يخون، ومن هنا دنائته وإسفافه.
لا شك أن للبيئة والمرحلة اثرها في تنفيس هذا الوعي أو تخديجه. نعم للحزب دور، وللجامعة دور، وللنقابة دور، ناهيك طبعا عن قوى الثورة المضادة.
إن أوضح أمثلة على تقلبات الوعي الخداج في الحالة الفلسطينية عدد لا باس به من اليسار سواء:
يسار التحريفية السوفييتية الذي يحلم بصهيونية شيوعية
ويسار الم.ق.ا.و.م.ة الذي جرى اختراقه منذ التسعينات فانتهى ينادي بدولة واحدة وهي طبعا مع المستوطنين، وقفز على عنق سوريا فورا بداية الإرهاب ثم تراجع بخزي ولكن ظل يلدغ في الظلام. أو بعضه الذي يخطب على الفضائيات ولكن لا يؤذي أحداً!
أما عالمياً فيكفي أن نقرأ كيف تحولت معظم كوادر الحزب الشيوعي السوفييتي من نومنكلاتورا إلى راسماليين جشعين ترسملوا بالنهب.
يتسائل كثيرون: ما العمل تجاه هؤلاء؟
وهي كلمة: الصد والأحذية. فمن لا يخجل بموقفه لا تخجل منه وكما قال لينين: الخجل عاطفة ثورية. كلما تتصدى لهؤلا ء ينتقل وعيك إلى التجذير لأنك سوف تقرأ وتُحاوِر وتجهز ذخيرتك لسلاحك.