التطهير الثقافي… سلوك أمريكا وعصاباتها الإرهابية في سوريا
بقلم: نبيهة إبراهيم
سلكت العصابات الإرهابية التي استأجرتها أمريكا والغرب التدمير المتعمد للبنية الوطنية السورية، في محاولة لتحطيم هوية الشعب السوري واغتيال ذاكرته الحضارية، فلم تكتفي تلك العصابات ومشغليها بترهيب الناس وارتكاب الجرائم بحقهم، وتهجيرهم من ديارهم وبساتينهم، واتباع أسلوب الاغتيالات للكوادر والكفاءات العلمية والإدارية والعسكرية والطبية ممن هم من أبناء الطبقة الوسطى المتعلمة التي رفدت المجتمع السوري بهذه الكوادر.
بل دمرت المكتبات والمتاحف وكشفت الكنوز والآثار التاريخية السورية أمام اللصوص والمجرمين وخصوصاً من الإسرائيليين والأتراك لنهبها وتخريبها. هذه الكنوز التي تمثل ثروة وطنية هائلة خصّها الله بسوريا وشعبها العظيم.
إنه الأسلوب الأمريكي في الحروب الحديثة، الذي يستهدف الشعب، ويقتل المدنيين، والنساء، والأطفال، ويعمل بشكل منظم وممنهج لتحطيم الطابع الخاص للسكان الأصليين، وحرمانهم من الإندماج في وطنهم ومن ثم إفقادهم شخصيتهم الوطنية وثقافتهم وعاداتهم. سلكه الأمريكان في العراق، قتلوا ودمروا وأحرقوا المكتبات ونهبوا المتاحف وسرقوا الكنوز الأثرية. لكنهم هزموا أمام إرادة الشعب العراقي وصموده الذي أظهر صورة أمريكا الحقيقية أمام العالم كقوة شر واحتلال.
لقد ظنت أمريكا أنها بغزوها للعراق وتجييشها لأكبر حشد عسكري عرفه التاريخ – حسب تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي حينذاك – ، اعتقدت أنها بحشودها العسكرية الضخمة ولصوصها وجنودها ستدمر ذاكرة الشعب العراقي وتكسر إرادته في الحياة، وتجعله تابعاً بها وبمشروعها الاستعماري.
مدينة الرقة السورية عروس البادية، سادس أكبر مدينة سورية تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، لها أهمية اقتصادية وعسكرية ، كما شكلت مركزاً علمياً وثقافياً، وكانت المدينة تحوي عدة مواقع تاريخية منها قلعة جعبر و باب بغداد وقصر البنات وأسوار الرافقة.
في تقرير لها بتاريخ ٢٣ تشرين الأول من العام ٢٠١٧ أكدت روسيا بأن الولايات المتحدة قامت بـ”مسح مدينة الرقة من على وجه الأرض”، خلال عمليات قصف شامل على “غرار ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا في مدينة درسدن الألمانية” عام 1945.
وقالت وزارة الدفاع الروسية، : “يبدو أن الغرب يهرع الآن إلى تقديم مساعدات مالية للرقة للتستر على أي أدلة على جرائمه”، هذا وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف في بيان، إن نحو 200 ألف شخص كانوا يعيشون في الرقة قبل اندلاع الحرب على سوريا، ولم يبق هناك حاليا أكثر من 45 ألفا. وتابع كوناشينكوف: “ورثت الرقة مصير درسدن في 1945 التي محاها القصف البريطاني الأميركي من على وجه الأرض”، في إشارة إلى المدينة الألمانية التي دمرت غارات الحلفاء الجوية معظم أجزائها قبل نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة
طاحونة المزيريب الأثرية. تقع في بلدة المزيريب في ريف محافظة درعا أقيمت على بحيرة صغيرة ذات ينابيع مائية قوية، يجاورها من الشمال “بحيرة المزيريب” ومن الشرق “قلعة المزيريب”.وتتألف الطاحونة من طابقين قبو وطابق أرضي، أما القبو وهو عبارة عن قسمين مجهز بفتحات من الجهتين الشمالية والجنوبية لدخول وخروج الماء اللازم لتدوير رحى الطحن، والطابق الأرضي مستطيل الشكل ارتفاعه 5,90م، في جهته الشرقية يقوم المدخل الرئيسي للطاحونة بعرض مترين وارتفاع ثلاثة أمتار، وذلك ليسمح بدخول وخروج العربات المحملة بالحبوب المعدة للطحن. لقد انهارت هذه الطاحونة وسرقت أحجارها من قبل التنظيمات الإرهابية التي منعت خبراء الآثار من تنفيذ مشروع ترميمها المخطط منذ عام 2010
مدينة تدمر تقع وسط الجمهورية العربية السورية وقد كانت من أهم الممالك السورية القديمة التي ازدهرت بشكل خاص عهد ملكتها زنوبيا تبعد 215 كيلو متر شمال مدينة دمشق 70 كيلو متر عن مدينة السخنة وحوالي 160 كيلو متر عن مدينة حمص ونهر العاصي، وكانت حضارتها تنافس حضارة الإمبراطورية الرومانية القديمة، لقد أعجبت بها الإمبراطورة الروسية كاترينا وأحبتها كثيراً حتى أنها أطلقت عليها العاصمة الثانية بعد سان بطرسبورغ .
تدمر عروس الصحراء السورية اعتدت عليها العصابات الإرهابية وقتلت المسؤولين عن حمايتها ورعايتها وخربت الكثير من ملامحها هناك بعض الأبنية التي أزيلت من الوجود، ومن الصعب جداً إعادتها أو حتى إعادة 50 بالمئة منها، معبد بيل الضخم وهو الأضخم والأجمل في منطقة الشرق الأوسط
والذي يعود إلى القرنين الأول والثاني للميلاد والذي يزهو بمنحوتاته الجميلة والمميّزة التي تجمع زخارف الشرق وفنونه وزخارف الغرب وكلّ الفنون المحلية. هذا المعبد الضخم جداً تعرّض للإبادة. وما بقي منه شظايا وبقيت منه بعض الحجارة. حتى إذا تمّت إعادته فلا يمكن أن يعود أكثر من 30 بالمئة منه، لأنّ الكثير من حجارتها تحوّلت إلى هباء منثور، تحوّلت إلى رمال. هناك قوس النصر على سبيل المثال، أيضاً تعرّض للتهديم. هناك المدافن البرجية، كل مدفن عبارة عن أربع أو خمس طبقات أحيانا، وتوجد فيه مئات القبور التي أيضاً فيها تماثيل ومنحوتات جميلة. كلها أيضاً تعرّضت للإبادة. تعرّضت نحو ثمانية مدافن أو تسعة على ما أعتقد للتدمير الكامل. هناك أبنية عديدة تعرّضت أيضاً للهدم. هناك أيضاَ المقتنيات إضافة إلى التنقيبات غير الشرعية التي كانت تجري في كل مكان، في تدمر وفي غيرها. مساحة مدينة تدمر عشرة كيلومترات مربّعة، مساحة الآثار في تدمر عشرة كيلومترات مربّعة. وأيضاً الموجود تحت الأرض لا يقلّ قيمة عن الموجود فوق الأرض. كلها تعرّضت لأعمال تخريب وتنقيبات غير شرعية على يد هذه العصابات الإرهابية.
هذا وتمكن الجيش العربي السوري العظيم وتحت وابل الرصاص من نقل الكثير من كنوز تدمر الثمينة،إلى دمشق لحمايتها وصيانتها، ومن الجنود الأبطال العظماء من استشهد وهو يدافع عن هذه الكنوز
حدث هذا أيضاً في دير الزور في متحفها الكبير حيث تم نقل اللقى الأثرية من المتحف على طائرة الجيش العربي السوري وكان أبناء هذا الجيش الميامين ينقلون الآثار ويضعونها في صناديق لحملها إلى الطائرة ونقلها إلى دمشق لحفظها بعيداً عن أيدي اللصوص والمجرمين من العصابات الإرهابية.
ومتحف دير الزور يعتبر أحد أكبر المتاحف في سوريا، لقد تم تصمم بناؤه لكي يستوعب الآثار المكتشفة في محافظة دير الزور. يضم المتحف خمسة أجنحة أساسية هي جناح أثار ما قبل التاريخ وجناح الآثار السورية القديمة، وجناح الآثار الكلاسية، وجناح الآثار العربية الإسلامية، ثم جناح التقاليد الشعبية.
وقد تم تزويد المتحف بالقطع الأثرية المكتشفة، مع لوحات بيانية وتعريفية. ويمتاز هذا المتحف بإعادة بناء بعض المواقع، مثل المنزل القديم في بقرص العائد إلى العصر الحجري الحديث، ومدخل تل بدري من الألف الثالث ق.م وقاعة العرش في ماري، ومدخل قصر شاديكاني الذي يعود إلى الألف الأول ق.م من تل عجاجة، ثم هيكل معبد بل في دورا اوروبوس من القرن الثاني الميلادي، ثم واجهة قصر الحير الشرقي من القرن الثامن الميلادي، ثم مشهد رؤساء العشائر في مقاهي دير الزور تصور الحياة الشعبية. و يصل عدد القطع الأثرية في المتحف إلى 21740 قطعة، بالإضافة إلى آثار محافظة دير الزور هناك قطع قادمة من محافظة الحسكة.
إن أجمل اللوحات وأروعها هي التي لم تكتشف بعد ، وهي لاتزال تحتضن في باطن هذه الأرض الطيبة الطاهرة، الأرض السورية، ففي محيط بلدة عقيربات بريف حماه الشرقي وبعد تحريرها من رجس الإرهابيين تم اكتشاف لوحة فسيفسائية بالإضافة إلى ثلاثة لوحات فسيفساء أخرى وبمناسب مختلفة تفيد بوجود موقع أثري مدفون تحت التراب بمحيط بلدة عقيربات .
الذاكرة الوطنية للشعوب الحية الصامدة والمقاومة، المتجذرة بأرضها لن تموت، والإنسان العربي السوري الذي استطاع أن يصمد في وجه أعتى حرب عالمية شنت ضده من أكثر من مئة وعشرين دولة، جدير بهويته الحضارية، جدير بذاكرته التاريخية التي لايمكن أن نشاهدها إلا في هذه البلاد العظيمة، في هذه الأرض الطيبة التي فتحت كل أبوابها، بخيراتها وكنوزها الأجمل والأروع والتي لم تكتشف بعد ، فتحت ذراعيها لأبنائها تحنو عليهم وتباركهم، وتقتفي أثرهم في في معركة هم قادتها وأسيادها.
إن المنتصر هو من يكتب التاريخ، هو وحده القادر على إعادة بناء ذاكرته الوطنية، وهويته الحضارية وصيانتها، هوية الإنسان العربي السوري الذي أطلق الأبجدية من موطنه وأهداها للبشرية، هوية باقية خالدة، بقاء هذا الإنسان العظيم الذي قاوم واستشهد، وكتب بدمه تاريخ بلاده، تاريخ حضارته.