ريفيرا فلسطين


أسامة خليفة*
طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرته «الرائعة» بعنوان « ريفييرا الشرق الأوسط» التي قال إن «الجميع يحبونها»، إلا المعنيين فيها، المقصود أصحاب الأرض أهل غزة، و جيرانهم الحقيقيين من شعوب الدول العربية «مصر، الأردن..» التي سيهجّرون إليها، و هو يفترض أنه يقدم عرضاً مغرياً بمنح الفلسطينيين أرضاً جديدة، و بيوتاً جديدة جميلة، بدلاً من الخيام المهترئة التي لا تحمي من برد و مطر، و لا تصمد أمام رياح بسيطة يهزها، و لا برد متوسطي يداهمها ليلاً، و هم نيام في منطقة مدمرة، و مراكز إيواء تفتقد الخدمات، بعضها أصابها التدمير الكلي و الأخرى التدمير الجزئي، و قد شهدت المنطقة «عقوداً من الموت».
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو دعا كافة الأطراف المعنية إلى التفكير فيه بجدية، و في حال تم قبول العرض، يجب أن يتم تنسيق الخطة بين عدة دول شريكة، ملمعاً فكرة ترامب قائلاً: أنه «عرض فريد من نوعه، لم تقدم مثيلاً له أي دولة أخرى في العالم».
هل يعلم ترامب و وزير خارجيته أن أكثر من 70% من سكان غزة لاجئون في قطاع غزة، أقاموا في ثمان من مخيّمات البؤس 77 عاماً متطلعين إلى العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، إنهم يريدون العودة إلى مدنهم «أسدود و المجدل «عسقلان» و بئر السبع…»، و 46 قرية مهدّمة « قرية الفالوجة، قرية بيت دَرَاس، قرية دمرة، حمامة، ياصور. سمسم، و غيرها… ». ذلك وفق القرار 194 الذي أصدرته الجمعية العامة، و يقضي بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها العام 1948، إلا أنّ الاحتلال رفض هذا القرار، و منع اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها. و لاحقهم إلى غزة ليصنع نكبة جديدة، ليس باللاجئين هناك فقط، بل بالبقية من أهل غزة الباقيين على أرضهم التي عاشوا عليها منذ آلاف السنين، و هم يشكلون 30% من سكان غزة حالياً، و يريدون أن يبقوا على أرضهم لأنهم يعشقونها و يقدسون ترابها، و لا يريدون التخلي عنها للولايات المتحدة أو لغيرها.
لا وجود لغزة دون غزيين السكان الأصليين، هم أصحاب القرار فيما يخص وطنهم، لا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة المدمر بسبب الحرب، و إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى، متوقعاً غزة أن تكون ملكية طويلة الأمد للولايات المتحدة، و يرى أن ذلك سيجلب استقراراً كبيراً لهذا الجزء من الشرق الأوسط، و ستقوم الولايات المتحدة بما يلزم في غزة، و تطور هذا المكان اقتصادياً، و يمكن أن تصبح غزة «ريفييرا الشرق الأوسط» لكن ليست لسكانها الغزيين بل لـ«أناس» سيأتون من جميع أنحاء العالم، ليعيشوا في غزة بعد «إعادة تطويرها»، و ليس «إعادة إعمارها»، الإعمار لأجل إسكان أهلها المنكوبين، و ليس للسياحة و السائحين المتنعمين. حيث صرح ترامب: إنه يتصور بناء منتجع حيث يمكن لأي شخص أن يعيش فيه، بعد أكثر من 15 شهراً من القصف الإسرائيلي الذي دمر الجيب الساحلي الصغير، فهل يرى صغرها كرأس قلم قياساً ومقارنة بـ«إسرائيل» التي ابتلعت نصف مساحة غزة واستولت على أراضيها في العام 1948.
و كيف نفهم تصريحات ترامب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، هل نأخذها على محمل الجد؟. قال النائب الديمقراطي في الكونجرس آل جرين: «التطهير العرقي ليس مزحة، خاصة عندما يصدر من رئيس الولايات المتحدة، أقوى شخص في العالم، يجب أن يكون لديه القدرة على إتقان ما يقوله.
أم نضعها في خانة المناورة و المساومة السياسية؟. أم هي فقط تصريحات غير مسؤولة من رجل عرفت عنه الصفقات التجارية دون احترام الإرادة العربية، لسياسي متغطرس لا يعبأ بإرادة الشعوب، و لا بالشرعية الدولية، و لا بحقوق الأمم؟. أم هي محاولة لجذب الانتباه و حب الأنا و الظهور؟.
أفكار ترامب تلقى التفضيل الواسع « حسب ترامب نفسه» لكن العرض لكي يلقى القبول يجب أن يكون جذاباً بالدعاية و الاعلان المشوق لتعويض ما ينقصه من تسويق ناجح، مهمة سيقوم بها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، فهو يأخذ الفكرة على محمل الجد، و دافع عن خطة الرئيس دونالد ترامب بشأن غزة، معتبراً أنها «سخية للغاية»، و شرح المقصود منها: «لم يكن المقصود بالعرض أن يكون خطوة عدائية، بل كان، في رأيي، خطوة سخية جداً». السخاء الأميركي لا يظهر فقط في توريدات القنابل إلى “إسرائيل” و التي دمرت القطاع، و تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن هذا الدمار، بل في تصريحات ترامب نفسه، الذي قال أن الولايات المتحدة لن تدفع المليارات من أجل إعادة إعمار غزة. ألم يسمع قول ترامب إنه يعتقد أن الفلسطينيين في غزة يجب أن يُعاد توطينهم في مكان آخر، مقترحاً «قطعة أرض جديدة وجميلة» يتم تمويلها من قبل مانحين أثرياء، مستثنياً منها الولايات المتحدة و “إسرائيل”، وهما المسؤولان عن هذا الدمار، و تقتضي المسؤولية الأخلاقية و القانونية لا أن يدفعوا فقط بل أن يعاقبوا، و يُحال مسؤولوها إلى محكمة لاهاي. هو ينظر لكنه لا يسمع الانتقادات الفورية من كل أنحاء العالم، وسط رفض عربي و دولي لخطط تهجير سكان القطاع المدمر. و منها ما قاله الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا: «لا يمكن قبول أن يلتقي الرئيس الأمريكي رئيس وزراء إسرائيل ويتفقا على احتـلال غــزة و تهجير أهلها».
صحا روبيو في الصباح الباكر، فرك عينيه و نظر إلى الصور الجوية، و أقر بأن «غزة تعرضت لدمار هائل»، و تنبه روبيو أن ما حدث في غزة «يشبه إلى حد ما كارثة طبيعية»، معتبراً أن «ما عرضه الرئيس ترمب بسخاء كبير هو إمكانية دخول الولايات المتحدة و المساعدة في إزالة الأنقاض، و إزالة الذخائر، و المساعدة في إعادة الإعمار، بما في ذلك بناء المنازل و الشركات و المنشآت الأساسية، بحيث يمكن لـ«الناس» العودة لاحقاً، لكن في الوقت الحالي، سيحتاجون إلى مكان للعيش فيه».
و أعاد النظر و التمعن في الصور ليتنبأ بما يحدث: «إذا شاهدنا ما يحدث، سنجد أن هناك مليارات الدولارات ستكون مطلوبة لعملية إعادة الإعمار، و حجم الدمار ضخم جداً، كما أن بعض المناطق أصبحت غير صالحة للسكن الآن و في المستقبل المنظور». و أعمل فكره ونظره وتبين له، أن « أثناء عملية إعادة البناء، و إزالة الأنقاض، هناك ذخائر غير منفجرة، و هناك أسلحة تابعة لحماس مدفونة تحت الأرض، وكل ذلك يجب إزالته بالكامل حتى يتمكن « الناس» من العيش بأمان في تلك المنطقة».
و استنتج وزير الخارجية الأمريكي بعبقريته الفذة أن هذه المهمة «ضخمة جداً»، مكرراً بشكل ممل الإشارة إلى سخاء ترامب «الشيء الوحيد الذي فعله الرئيس ترمب بسخاء شديد، من وجهة نظري، هو عرض استعداد الولايات المتحدة للتدخل، لإزالة الأنقاض، و تنظيف المنطقة من كل الدمار الموجود على الأرض، و إزالة كل الذخائر غير المنفجرة، وفي هذه الأثناء، لن يتمكن السكان الذين «يعتبرونها موطناً» لهم من العيش هناك». الذين «يعتبرونها موطناً» هل هم الفلسطينيون فقط أم الإسرائيليون أيضاً؟. و هل تنبه وزير الخارجية أن هذه القنابل التي لم تنفجر هي قنابل أميركية تحتاج إلى عامل نظافة أميركي ليزيل هذا الوسخ والعفن والقذارة الأميركية؟.
تشبه فكرة ترامب خطة اقترحها صهره زوج إيفانكا، العام الماضي في فعالية أقيمت في 8 آذار/ مارس 2024 بجامعة هارفارد، قال: إن « ممتلكات الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة… إذا ركز «الناس» على بناء سبل العيش»، و تم نقل الفلسطينيين إلى خارج غزة و«تنظيفها» لتطوير الواجهة البحرية «القيمة للغاية» للبحر الأبيض المتوسط في المنطقة، و قال كوشنر: «إنه وضع مؤسف إلى حد ما هناك، ولكن من وجهة نظر إسرائيل سأبذل قصارى جهدي لنقل الناس ثم تنظيف الأمر». وأضاف أنه «يتعين على إسرائيل نقل المدنيين الفلسطينيين إلى صحراء النقب في الجنوب».
على الفلسطينيين ألا يفرحوا بـ«ريفييرا غزة» حتى لو نافست «الريفييرا الإنجليزية» لأنهم لن يتمتعوا بمناخها المعتدل و المشمس و لا أن يزوروا ما سيقام فيها من منتجعات و فنادق و كازينوهات و مطاعم و بارات..، من شأنها أن تطور حركة السياحة إنها مخصصة للأثرياء فقط.
*باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»