إسرائيل و ارتكاب مجزرة اللد الوحشية لترحيل الفلسطينيين و لتهويد المدينة ومطارها
د غازي حسين
ترأس دافيد بن غوريون , مؤسس الكيان الصهيوني اجتماعاً في بداية تموز 1948 لمجلس الوزراء الإسرائيلي الأول عرض فيه الخطة العسكرية لاحتلال مدن اللد والرملة والقدس وبئر السبع والنقب وقرية أم الرشراش (إيلات حالياً) على خليج العقبة وقال في الاجتماع : ” علينا احتلال القدس بكاملها ثم علينا الوصول إلى خليج العقبة لإعادة ميناء إيلات مفتاح دولة إسرائيل إلى البحر الأحمر وأفريقيا والهند واحتلال النقب لاستيعاب ملايين المهاجرين اليهود الجدد إلى دولة إسرائيل , وطرد جميع السكان العرب من هذه المناطق التي سيحتلها جيشنا فوافق الجميع على الخطة”.1
كانت مدينة اللد مركز القائد حسن سلامة , حيث كان يهرع لنجدة القرى العربية القريبة من تل أبيب عندما تقوم القوات الصهيونية بمهاجمتها ومنها بلدتي سلمة , ولكنه استشهد في معركة رأس العين عندما حاول استعادة المكان من القوات الإسرائيلية . واستشهد أيضاً القائد الكبير عبد القادر الحسيني في معركة القسطل . وبالتالي فقدت القوات العربية قادتها ومرجعيتها العليا وتقدّمت القوّات الإسرائيليّة واحتلت قرى المزيرعة , ودير طريف , وبيت نبالا ونجحت في محاصرة اللد من المنطقة الشرقية أي من المنطقة العربية.
وكان المجاهدون في المدينة قد ركّزوا دفاعاتهم في المنطقة الغربية والشمالية من اللد , واستبعدوا أي هجوم من الشرق .
هاجمت القوات الإسرائيلية مدينة اللد من الجهة الشرقية بتاريخ 10 تموز فواجهتها قوات المجاهدين وقوات الجيش الأردني المتواجد في عمارة الحكومة وصدّت الهجوم . وأصيب قائد الهجوم الملازم إسحق رابين بجراح طفيفة بعد أن أصيبت سيارته بقنبلة ونجا من الموت بأعجوبة .
بعد فشل الهجوم , وبناء على أمر غلوب باشا ( البريطاني ) , رئيس أركان الجيش الأردني انسحبت القوة الأردنية المتواجدة في اللد .
وفي صباح اليوم التالي الموافق 11 تموز هاجمت الدبابات الإسرائيلية مدينة اللد من الجهة الشمالية , وكانت ترفع الأعلام الأردنية ويرتدي الجنود الحطة والعقال للتمويه على سكان المدينة .
هرع أهالي اللد لاستقبالها ظناً منهم أنَّها النجدة العربية القادمة للدفاع عن المدينة . وعندما وصلت الدبابات إلى الجسرالرئيسي أطلقت النارعلى حرس الجسر وقتلتهم كما قتلت عدداً من أهالي المدينة من الأطفال والنساء فاكتشف أهالي اللد أن الدبابات ماهي إلاَّ دبابات إسرائيلية تحمل الأعلام الأردنية إمعاناً في التمويه والخداع ويرتدي جنودها اللباس العربي . لجأ بعض الأهالي إلى المساجد وتجمّع في مسجد دهمش حوالي ( 750) عربياً فلحقت بهم القوات الإسرائيلية وقتلتهم جميعاً ” باستثناء فرد واحد منهم هو شحادة خليل علي عبد الله ..والذي أفاد بأن اليهود كانوا يقومون بتصوير القتلى في الجامع فرحين ” .2
استبسل المجاهدون في الدفاع عن مدينتهم , ودارت المعارك في شوارع المدينة ومنازلها وفشل المعتدون الإسرائيليون باحتلال عمارة الحكومة (القلعة) , لذلك طلبت قوات الكتيبة الثالثة من لواء يفتاع المساعدة من اللواء الثامن وكتيبة موشي دايان . فتوجّه ديان وهاجم القلعة بدباباته ودمَّروا دبابيتين له , وعجزبدوره عن احتلالها , فتركها ودخل المدينة للاشتراك مع قوات اسحق رابين في مذبحة رهيبة بحق أهالي اللد المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وشباب .
دار القتال داخل المدينة بوحشية منقطعة النظير حيث استخدم اليهود راجمات القنابل والمدفعية لتدمير المنازل فوق سكانها من الأطفال والنساء والشيوخ وأشعلوا النيران في منازل المدينة ومحلاتها التجارية وقطعوا مياه الشرب عن الأهالي , وكان القتلى ومئات الجرحى في شوارع المدينة لم يسعفهم أحد .
ووصف كتاب البالماخ مجازر اللد بالقول إنَّه : ” لاشك في أنَّ قضيَّة اللد والرملة وهرب السكان والتمرد , والطرد , الذين جاؤوا في أعقابها , قد وصلت فيها وحشية الحرب إلى ذروتها . 3
وعند ظهر 12 تموز اخترقت فصيلة مصفحات تابعة للجيش الأردني مدينة اللد لإحضاربعض الجنود الذين نستهم المصفحات في محطة سكة الحديد , واعتقد سكان اللد أنَّ دخول المدرّعات الأردنية بعد احتلال الجيش الإسرائيلي للمدينة يعني بدء المعركة لطرد المعتدين من المدينة فأخذوا بإطلاق الرصاص على القوات الإسرائيلية ” .
يقول العقيد احتياط موشيه كولمان عن مجزرة اللد إنه صدرت الأوامر لرجالنا بإطلاق النارعلى أي هدف , وسقط خلال المعركة ( المجزرة ) ضحايا كثر, ووصل عدد الضحايا من المدنيين من سكان المدينة إلى 250 قتيلاً .4
طلبت القوات الإسرائيلية من زعماء اللد إبلاغ أهالي المدينة بالاستسلام دون قيد أوشرط .
واتفق الطرفان على وقف القتال شريطة أن يبقى جميع أهالي اللد في مدينتهم ولايطردون منها كما طرد أهالي يافا وغيرها من القرى والمدن الفلسطينية .
توقف القتال وبدأ الأهالي يدفنون شهداءهم ويسعفون جرحاهم في شوارع المدينة ومنازلها ويسعون للحصول على الماء والغذاء .
رفعت المدينة الأعلام البيضاء . وطلبت القوات الإسرائيلية من الأهالي التجمّع في المسجد الكبير,مسجد دهمش والكنيسة المجاورة له وتسليم أسلحتهم . وفرضت القوات المعتدية حظر التجول ليلاً .
اكتشف المعتدون الإسرائيليون في الصباح أنّ الأهالي لم يضعوا قطعة سلاح واحدة أمام أبواب منازلهم فأخذوا بإطلاق القنابل والرصاص على أهالي المدينة فهرعوا إلى جامع دهمش واحتموا به , ولكن القوات الإسرائيلية دخلت الجامع وقتلت جميع من كان فيه وبلغ عددهم ( 750 ) مدنياً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ .
توجّه وفد من أهالي المدينة ومعهم راعي كنيسة اللد سيمون غيرفية إلى مقر قيادة العقيد موشي كيلمان, حيث أبلغوه عن المذبحة الرهيبة التي وقعت في جامع دهمش وذكّروه باتفاق وقف القتال والهدنة فأجابهم كيلمان قائلاً:
” نعم وافقنا لكنكم خرقتم الاتفاق , حيث قامت دبابتان أردنيتان بمهاجمة قواتنا وساعدها أبناؤكم وهنا قال : سيمون غيرفيه وبقية الوفد إنَّ القوات الأردنية انسحبت منذ الليلة الماضية ولايوجد في المدينة جندي أردني واحد , ولايوجد سلاح مع المناضلين يقاتلون به , ربما تكون هذه الدبابات هي نفس الدبابات التي دخلت على الجسر. وهنا صاح به إسحاق رابين وقال إخرس لانريد ثرثرة عليكم مغادرة المدينة فوراً هذه أوامربن غوريون , ولا نريد أن نرى عربياً هنا وإلاَّ دمرنا المدينة على رؤوسكم “.5
يصف داوود العناني من اللد مذبحة جامع دهمش ويقول :” وقفوا بباب المسجد يحملون رشاشات من نوع هوشكز , و أفرغوا رصاصهم في كل من في المسجد فسقط كل من كان في المسجد “.6
وقتل الجيش الإسرائيلي ( 350) آخرين لطرد سكان اللد و إرغامهم على مغادرة المدينة مشياً على الأقدام , ومارس الجيش الإسرائيلي عمليات القتل والسلب والنهب حيث قال داوود العناني الشاهد العيان :” وحين وصلت الحارة الشرقية من (اللد ) كان جنود صهاينة قد افترشوا بطانية على الأرض وأخذوا يأمرون من يمر من أهل البلد أن يرمي ما لديه من أشياء ثمينة كالساعات والأساور على هذه البطانية”.7
ووجد أيضاً مجموعة أخرى من الجيش الإسرائيلي عند شجرة سدرة جمزو يجبرون الأهالي التخلي عما يحملونه من مصاغ وأموال .
وقام الجيش الإسرائيلي بطرد أهالي اللد في عز حرارة يوم 12 تموز وشمسه الحارقة مشياً على الأقدام إلى قضاء رام الله .
ونهبت القوات المعتدية منازلهم وسرقت أموالهم ومجوهراتهم “حتى ساعات اليد والخواتم والحلق نهبوها من الرجال والنساء “.8
خطط المسؤولون الصهاينة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة منازلهم ومدنهم وقراهم . لذلك تصرفوا بوحشية منقطعة النظيرلتحقيق هذا المخطط اليهودي الاستعماري والعنصري والإرهابي اللعين . فارتكبت العصابات الإرهابية اليهودية المسلحة والجيش الإسرائيلي المجازرالعديدة لترحيل الشعب الفلسطيني .
نشرت يديعوت أحرنوت الصادرة في الثاني من أيار عام 1972 التفاصيل التي أوردها العقيد موشي كيلمان عن مجزرة اللد فكتبت : ” قال كيلمان : بدأ احتلال اللد بمهاجمة أطراف المدينة بلواء يفتاح واللواء الثامن , بعد ليلة من المعارك في مؤخرة اللد اقتحمنا المدينة في ساعات بعد الظهر بالتنسيق مع طابور دايان وسيطرنا على مركز المدينة قبيل المساء , ورفعت المدينة الأعلام البيضاء . و تدفق السكان إلى المسجد الكبير و الكنيسة المجاورة له . أعلنا بعد حلول الظلام منع التجول وطلبنا من السكان تسليم أسلحتهم . وعند الظهر تقدمت نحوالمدينة مدرعات الفيلق الأردني , التي كانت مخبأة في منطقة محطة سكة الحديد . واعتبر سكان المدينة اقتحام المدرعات الأردنية إيذاناً بالعمل فبدأوا بإطلاق النار .
صدرت الأوامر لرجالنا بإطلاق النار على أي هدف , وسقط خلال المعركة ضحايا كثيرة , ووصل عدد الضحايا من المدنيين من خلال سكان المدينة (250) قتيلاً “.
وهكذا حققت المجازر التي ارتكبها دايان ورابين و كيلمان بحق أهالي اللد المخطط الذي وافق عليه أول مجلس وزراء إسرائيلي بترحيل سكان المدينتين العربيتين عن طريق ارتكاب المجازر الجماعية والبدء بتهويدهما . وأصبح مطار اللد العربي يعرف بمطار تل أبيب , مطار بن غوريون .
وهكذا تحقق مخطط الترحيل الذي أقرته أول حكومة إسرائيلية في مدينة اللد الفلسطينية العريقة التي ولد فيها القائد الكبير د.جورج حبش ودافع عنها القائد حسن سلامة حتى الاستشهاد وذلك لإقامة دولة يهودية نقية كأكبر غيتو يهودي عنصري و استعماري وإرهابي في قلب المنطقة العربية على أرض فلسطين العربية. وتوسعت مستعمرة تل ابيب شرقا وضمت قريتي سلمة والخيرية وساكية وكفر عانا والعباسية ومستعمرة و يلهيلما الألمانية حتى مطار اللد الذي أطلقت عليه اسم مطار تل أبيب.
المصادر :
- علي سعادة , الهولوكوست الفلسطيني , عمان 2000 , ص75.
- نجيب الأحمد , فلسطين تاريخاً ونضالاً , ص 519.
- من ملفات الإرهاب الصهيوني , دار الجليل عمان 1985 ص 63.
- يديعوت أحرنوت في 2/5/1972 .
- الهولوكوست الفلسطيني , مصدر سابق ص 78.
- جريدة الشرق الأوسط في 1/5/1998 .
- المصدر السابق نفسه.
- الهولوكوست الفلسطيني , مصدر سابق , ص78.