إسرائيل و سرقة المياه العربية
عميرة أيسر*
الإستراتيجية الصهيونية والتي تسعى لاختراق النسيج السِّياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي العربي، والتي عملت على الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية والثروات الباطنية لمُختلف الدول العربية، بأساليب وطرق شتىَّ ومنها الاستثمارات المباشرة أو غير المباشرة وذلك عن طريق وسطاء، ورجال أعمال غربيين وعرب محسوبين عليها، أو عن طريق الشركات المتعددة الجنسيات، وتعتبر المياه العربية من أهم الموارد الحيوية للأمن الاقتصادي القومي العربي التي عمل الكيان الصهيوني على تطويفها ومحاولة السَّيطرة على المنابع والبحيرات والأدوية، والأنهار العربية التي تعتبر الخزَّان الرئيسي لها، وخاصة في دول ما يعرف بالطوق أو الدول العربية التي لها حدود جغرافية مباشرة معه كلبنان والأردن وسوريا ومصر، فهناك عدَّة مشاريع استعمارية بريطانية وبإيعاز من الحركة الصهيونية العالمية تمَّت في هذا الإطار وحتىَّ قبل الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية سنة 1948م على أرض فلسطين المحتلة، ومنها مشروع راذ رفورد البريطاني سنة 1938 م، وفيه تمَّ التفكير في كيفية السَّيطرة على نهر الأردن بكل فروعه وروافده المائية وما يحيط به من ورافد مائية ممتدة من منطقة سيناء إلى هضبة الجولان إلى مياه بحيرة طبرية الفلسطينية، و الهدف الثاني الذي كان يهدف إليه الجانب البريطاني الصهيوني من ورائه هو الضغط على حركة المياه والملاحة البحرية في قناة السوس المصرية، وفي دراسة عربية قامت بها الجامعة العربية تبين بأن نصيب الفرد العربي من المياه كان في حدود 4 ألآف متر مكعب سنة 1960م وانخفضت تلك النسبة إلى حدود ألف متر مكعب سنة 2005م، وستنخفض هذه النسبة سنة 2025 م حوالي 500 متر مكعب على الأقل، فكل الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الجامعة العربية سنة 1964م من أجل منع استيلاء الصهاينة على المياه العربية ومنها ما قامت باتخاذه سنة 1965 م، من إجراءات ردعية من وجهة نظرها والتي تقضي بإقامة حواجز و موانع هندسية على حدود الأنهار العربية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط لمنع إسرائيل من الاستفادة منها، وقام الجانب اللبناني بناءَ على هذه الإجراءات المتخذة بإنشاء سدّ على حدود نهر الليطاني والذي قصفته إسرائيل، وتمَّ كذلك الاتفاق على إنشاء لجنة عسكرية وذلك من أجل العمل العربي المشترك على منع ذلك ولكن كل هذه القرارات بقيت دون جدوى وعبارة عن حبر على ورق.
علماً بأن هناك حوالي 60 إلى 70 بالمائة من المياه العربية، تأتي من تركيا أو إثيوبيا، بالإضافة إلى أن الصهاينة قاموا بإعادة إحياء مشروع بريطاني قديم آخر وهو مشروع قناة البحرين، وذلك لضرب مشروع قناة السويس الفرنسية والتي كان من أهدافها الغير معلنة عند حفرها وضع لبنات الحدود الجغرافية الأولى لكيان الصهيوني الغاصب من جهة مصر، فتل أبيب تريد من خلال إعادة إحياء هذا المشروع ربط قناة السويس بالبحر الأحمر مرواً بإسرائيل، وكذلك هناك مشروع أخر لربط البحر الميت بالبحر الأبيض المتوسط، ولهذا المشروع المائي الخطير عدَّة أهداف صهيونية من بينها توفير المياه العذبة اللازمة من أجل برنامجها النووي و كذلك لاستمرار تشغيل مفاعل ديمونة النووي الواقع في قلب صحراء النقب، وكذلك الاستفادة القصوى من التعاون الاقتصادي والمؤسساتي بينها وبين عدَّة دول عربية تقيم علاقات دبلوماسية أو اتصالات غير معلنة مع تل أبيب، وخاصة الأردن، وأيضاً العمل على تنشيط الجانب السّياحي فهناك عدَّة مشاريع سياحية كبرى سيستفيد منها الأردن، في هذا الجانب إن هو وافق على أن يكون جزءَ من هذا المشروع الصهيوني.
وفي دراسة مفصَّلة أعدها حوالي 80 باحثاً وعالماً مصرياً وعربياً من المختصين في علوم البحار وذلك للوقوف على مدى تأثير مشروع قناة البحرين، الذي يربط البحر الأحمر والميت، وما قد يحمله من كوارث بيئية مدمرة على مصر، وبعض الدول العربية المجاورة. فالمخاوف في البداية كانت تتمحور في الخوف من إقامة قناة بديلة لقناة السويس المصرية، ولكن تبين بأنَّ هناك الكثير من المخاطر والنوازل التي قد تعرض المنطقة برمتها لزلزال، أو مجموعة زلازل لا حصر لها، وهناك أيضاً المخاطر المترتبة عن تلويث التربة، و بالتالي المياه الجوفية العربية بسبب اختلاط مياه البحر المالحة وتسربها إلى عمق الأراضي الصالحة للزٍّراعة والمليئة بالمياه الجوفية، فمن غير المعقول علمياً أو حتى نظرياً أن تخاطر إسرائيل بشقِّ قناة تربط البحر الميت بالبحر الأحمر وتنفق ملايين الدولارات، من أجل ذلك لمجرد زيادة حصتها من المياه الصالحة للشرب فقط، فالموضوع أكبر من ذلك وهو ربما أخطر من حيث أبعاده ومخاطره المستقبلية على الأمن المائي لدول الطوق العربي، وحتىَّ من الترسانة النووية الإسرائيلية، فغياب ثقافة وسياسية الهايدروبوليتيك، أي كيفية فهم الظاهرة المائية من منظور سياسي بالدرجة الأولى، وكذلك غياب مفهوم أو مصطلح الهايدرواستراتيجيك، أو كيف نفهم المتغيرات الإقليمية والإستراتيجية بالنظر إلى المتغيرات المائية، وهذا ما هو غائب تماماً عن أذهان و خطط صانعي القرارات السِّياسية في عالمنا العربي، وكذلك عند الباحثين في الشؤون الإستراتيجية المهتمين بكيفية تأثير انخفاض منسوب المياه في دولنا العربية على أمن هذه الدول واستقرارها الداخلي، فالصهاينة الذين طبَّقوا هذه النظريات وفهموها جيداً وذلك عند عقد هم لاتفاقية وادي عربة مع الجانب الأردني سنة 1994م.
والتي كانت تنصُّ في أحد بنودها على تقاسم نهر الأردن بالتساوي بين الطرفين، وبأن تقوم إسرائيل بضخِّ النسب الخاصة بالجانب الأردني حسب جدول زمني محدد وبمقادير وكميات معينة، فاهتمام الجانب الأردني بالكمية دون الكيفية شجع الجانب الصهيوني على أن يضخ مياه صرف صحي قذرة وملوثة للأردنيين بناءَ على بنود اتفاقية وادي عربة، بدعوى أن ضخَّ المياه النظيفة لعمان لم يأتي ضمن بنود أو شروط الاتفاق، أماَّ على الجانب المصري فإنَّ إسرائيل كانت ولا تزال تشجع الإثيوبيين على إقامة سدّ النهضة من أجل قطع شريان الحياة المائي عن الشعب المصري والذي يعتمد أساساً على مياه نهر النيل التي تعتبر أهم روافدها موجودة في أدغال إفريقيا وتمر عبر إثيوبيا، وبالرغم من أن اديسا بابا لا تحتاج إلاَّ إلى 2 بالمائة من مياه النيل سنوياً لا أكثر، ولكنها قامت ببناء سدَّ النهضة استجابة للاملاءات صهيونية من أجل ضمان الضغط المستمر على المصريين لتَّنازل في ملفات سياسية وأمنية واقتصادية معينة لتل أبيب.
أماَّ بالنسبة لقطاع غزة المحاصر والذي تمنع إسرائيل عنه المياه العذبة و الصالحة للشرب، وهذا ما أدى إلى إصابة عدد كبير جداً من الغزَّاويين بإمراض صحية خطيرة نتيجة شربهم لمياه غير صالحة للشرب. إذ لا تتعدى نسبة المياه الصالحة للشرب وكذا للاستعمال الآدمي داخله 1 بالمائة لا غير، وحسب الدكتور محمد سلمان المختص في الشؤون والسِّياسات المائية والأستاذ في العلوم السيّاسية ، والذي عرض خريطة تبين كميات ونسب المياه العذبة المتاحة في العالم سنة 2008م، وهي مأخوذة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن قطاع غزة سيكون منطقة غير صالحة للعيش البشري بالكامل سنة 2020 م، إن استمر الوضع على ما هو عليه حالياً، ولا يقتصر الأمر والتهديد الإسرائيلي للمياه العربية على الدول المحاذية لإسرائيل بل أن كل منطقة الخليج العربي غير مستثناة من الأطماع الصهيونية في مياه دول مجلس التعاون الخليجي، والتي حسب دراسة أعدها معهد الموارد المائية حملت عنوان واقع المياه في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن هناك خطورة شديدة تهدد الأمن المائي الخليجي.
لأن هذه الدول تعتمد على تحلية مياه البحر ويبلغ حجم المياه المحلاة سنوياً حوالي 1.85 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل حوالي 90 بالمائة من إنتاج المنطقة العربية برمتها من المياه المحلاة. فالوضع المائي في هذه الدول والتي عملت إسرائيل عن طريق إقامة استثمارات ضخمة عن طريق رجال أعمال غربيين لاستهلاك تلك المياه حرج للغاية، فالتقرير الذي أصدره البنك الدولي في شهر أيار سنة 2011 م، والذي يصف الوضع المائي في هذه الدول بأنه كثير التعقيد و الخطورة، إذ تواجه هذه الدول مشكلة نقص الموارد المائية حيث أنها وفي جميع الأحوال لا تمثل إلاَّ نسبة 3 بالمائة من مجموع موارد المياه العربية المتجددة.
أماَّ بالنسبة لهضبة الجولان السورية المحتلة من طرف إسرائيل فإن الكيان الصهيوني قد حاول ومنذ أول يوم وطأة قدماه أرضها أن يصل إلى عمق المياه الجوفية في هضبة الجولان والذي يطلق عليها حوض البازلت، وفي كتاب للدكتورة بثية شعبان مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد للشؤون السّياسية والإعلامية، و الذي عنوانه “على حافة الهاوية، 10 أعوام مع حافظ الأسد” ذكرت بأن الرئيس الراحل حافظ الأسد وابنه بشار الأسد قد رفضا التنازل عن حوالي 10 بالمائة من مياه الجولان في مقابل إقامة سلام دائم مع تل أبيب، وهذا ما رفضاه قطعياً، فإسرائيل لديها أطماع تاريخية في مناطق جبل الشيخ وفي منطقة حوران السورية، وكذلك في لبنان، فهي تريد السيطرة بالتالي على منابع بحيرة طبرية والتي ينبع حوالي ثلث ما تحتويه من مياه الأنهار الموجودة داخل هضبة الجولان السورية المُحتلة، وهناك دراسة فرنسية حديثة تؤكد بأنَّ تل أبيب بحاجة إلى 1 مليار متر مكب سنوياً من المياه، تسرق منها 600 مليون متر مكعب من الضفة الغربية و 100 مليون متر مكعب من سوريا، و أزيد من 500 مليون متر مكعب من لبنان، وبالتالي فهي تأخذ فوق حصتها التي تحتاج إليها في منطقة الشرق الأوسط سنوياً، فهناك تداخل بين مصادر المياه العربية حيث يعتبر مثلاًّ نهر الليطاني اللبناني الذي أشارنا إليه سابقاً أحد رواد نهر الأردن والذي حاولت إسرائيل مدَّ أنابيب فيه لسرقة مياهه، ومنذ سنة 2000م، قامات إسرائيل بقصف كل من يقترب منه وهدَّدت الدولة اللبنانية التي حاولت إيصال المياه إلى حوالي 22 قرية، وتحت الضغط الشديد رضخت الدولة اللبنانية ولم تستطع تزويد إلا ما يقارب 12 قرية بالمياه فقط، وجدير بالذكر أن إسرائيل عندما احتلت لبنان سنة 1978م، فإن أول شيء قامت به هو إدخال نهر الليطاني ضمن المنطقة الآمنة. لبنان والذي يحتوي على 15 نهراً منها 3 أنهار دولية، يعاني من التهديدات الصهيونية المتلاحقة لها بتجريده من موارده المائية، سواءَ عن طريق السرقة المباشرة عبر مضخات المياه الصهيونية عبر الحدود، أو إقامة الحواجز والسّدود الصهيونية على منطقة مزارع شبعه وكفر شوبة، فإسرائيل لا تزال تزرع الفتن بين الدول العربية وتدعم الانقلابات العربية والثورات المزيفة وتقسيم البلدان العربية كما فعلت في السودان.
كما أنها كانت وراء زراعة الفتنة بين حوالي 15 دولة عربية وافريقية لإشعال الحروب بينها، ليتسنى لها السيطرة على مواردها المائية الرئيسية كما فعلت في عدَّة حالات، فالأمن المائي العربي مهدد لعدَّة أسباب من بينها أفعال الحكام العرب، حكام السعودية وقطر كمثال، أو عدم توقيع إسرائيل على اتفاقية تنظيم المجاري الدولية، والتي تنص على أنه يجب أن تكون هناك مناصفة بين الدول في استعمال المجاري والأنهار الدولية، فإسرائيل التوسعية لا تريد للعرب أن يكونوا المسيطرين على مواردهم المائية، فالحروب القادمة في العالم ستكون بسبب نقص المياه، وعلى الدول العربية أن تضع هذا في الحسبان عند رسمها لأيَّ خطط إستراتيجية تقوم بها من أجل ترشيد استعمال مواردها المائية ومنع الصهاينة من السيطرة عليها بالتالي، عبر رسم خطط تنموية و اقتصادية تكاملية وتعزيز منظوماتها الدفاعية العسكرية المشتركة لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمن العربي ككل.
*كاتب جزائري