لم يبق لنشركم الورقي غير مداد من قيء
د. عادل سماره
نعم، فإنه بقدر ما ابتكر شعبنا من أساليب النضال والتضحية حتى أصبح أيقونة الشعوب، وبنفس القدر تقريباً تم تجنيد ماكينة إعلام مأجورة منذ بدئها تمترست في مخارج جسم الشعب كي تنزَّ قيوحاً وصديداً إلى الحد الذي خال البعض بأن هذا الشعب لم ينجز شيئاً.
ولم تكن الأنجزة أولى ماكينات السوء والسوآت،بل إن الأنجزة نفسها هي إحدى جواري الثورة المضادة مزركشة بقشور التنمية وبما هي مولود سفاح، فما الذي تناسل منها بيننا غير سقط التطبيع المزدوج للنساء والرجال على حد سقوط وسواء.
قبل الأنجزة كانت أموال النفط بأمر الغرب التي اغتصبت عذرية الكفاح المسلح ونقلته بالورق إلى الورق إلى أن كان هجران الكفاح المسلح والسقوط في الاستدوال، وينقلنا النفط اليوم ويخسىءُ طبعا، من القدس إلى سيناء عبر محطة مؤقتة في ابو ديس.
على أن أدنى درجات السقوط كان ممن كانوا في الرفض فدخلوا ماراثون التموُّل والهبش والإيقاع والوشايات. وبهذا الشبق للمال جعلوا ممن يملكون المال المأخوذ سفاحاً اباطرة فوق الوطن. وحين يسقط المرء في هذا، لا يعود من فارق لديه إن مشى بوجهه أو قفاه. وحين يزداد هؤلاء وتنخر البلد عقيدة السوق والنخاسة يُقبل كثيرون على تقبيل قفاه مقسمين غلاظ الأيمان بأن ذلك وجهه.
لقد تمتع هؤلاء لزمن طويل بالتبطح والتبرطع على الإعلام الورقي، الذي هو ورق من اجل قبض الورق وللورقين نوعيهما وهدفهما بالطبع إلى حد تقييم الوطن بالورق، فكان ما كان.
ولكن ما لم تدركه بعد كثير من الصحف التي وُلدت مأجورة بغض النظر عن اختيار اسماء مقدسة لها، أي لم يدر مديروها أن النشر الإلكتروني قد جعلها كعجوز تخلى عنها جمالها، فلم تعد تجد من زبائن حتى الذين هرموا مثلها وفقدوا القدرة على ما تفاخروا به عن النساء وهن أعلى وأفضل.
تباً لذلك الزمن الذي كان اصحاب الورق من أجل الورق، في خدمة الورق، اباطرة المرحلة، وهم حقاً اباطرة في الجهل وتخريب الوعي، لاسيما هم يتحكمون بصنبور الوعي فيحرقون الياسمين، ويُخرجون الغث من فتحات نجسة.
ورغم أن النشر الإلكتروني مثابة قيام المرء بالإخبار عن نفسه، لكنه أهان هؤلاء الأوغاد. أما نحن فصار علينا الحذر منه وامتطائه معاً. نعم النشر الإلكتروني وغداً، ولكنه سمح لنا أن يقرأنا عدد أكثر بكثير من قراء الصحف الصفراء التي بقيت تعتاش على الارتزاق وجمهور من الجيل المستحاث وطنيا وعقليا وثقافيا.
إحدى هذه الصحف تنشر مقالات لمهزومين يجأرون ضد القطر العربي السوري. ومتى؟ اليوم، بعد أن لم يبق مثلهم سوى أعداء التاريخ من الغرب والصهيونية، وبراميل النفط.
لكن من خان الرفض واختار القبض، ليس عليه ذلك بالصعب ولا العجيب.
وعلى سوريا أن تعرف هؤلاء، وهي لا شك تعرفهم منذ أن كانوا طفيليات وبقِّ على جسدها ايام العزم والرفاه. حين كان يتغطى بالياسيمن فتى الموساد وفتى الموشاف واليوم فتى خادع الحرمين.
ولكن، أما آن لصحف الورق من أجل الورق وكتبتها أن يعرفوا أن الأحداث تترابط. فقانون الترابط الشامل بين الأحداث هو قانون ديالكتيي حقيقي عابر لمراحل التاريخ. أقصد أن أحدهم وقد جادلته على تلفاز محلي وهو يهتف للعدوان الناتوي على يوغسلافيا ليفككها حين كان الناتو يحرق البلد عام 1998. لم يدهشني ذلك السقوط حينها، ولذا لن يدهشني أنه ينبح الشام والشام اليوم حصان نافر لا يُشق له غبار. ولكن أدهشني أن يُنشر هذا لعبيد الناتو. وضد من؟ ضد بلد قاتل بالدم كي يبقى خارج عباءة الغرب. وها هي اليوم مشيخات الدين السياسي في البوسنة والهرسك تعيش النساء من البغاء ويهيش الرجال من خدمة وتنظيف دبابات الأعداء. هذا بديل الاشتراكية.
وماذا يريد هؤلاء لسوريا؟ أن يصبح السوري حاجبا على ماخور أحد مشايخ النفط وهو يزني في المحرمات! هل كل هذا من أجل المال؟ ومن تورط في عبادة المال لا يمتلى ولا يشبع.
أوجعهم صمود سوريا، حيث الياسمين أصلب من عوالي المُرَّان/الرماح. فكان عليهم أن يبثوا السموم باسم الديمقراطية التي غدت اليوم حشر الشعب في صندوق أو ماخور لا فرق واحتجاز مفاتيحه بأيدي أوغاد المال. وهذا في الغرب حيث بعض التاريخ وبعض الثقافة والصناعة. فكيف ب “ديمقراطية” يريدونها لسوريا لتكون بأيدي جهلة نقلتهم عمالتهم للغرب من البعير إلى الأثير، فكان أن انهبلوا!، فتطاولت أعناقهم بأكثر مما قسمت الطبيعة لهم. يا للهول وسخرية القدر حين صار ينز دم الشام من مشافر هؤلاء! ويا لسخرية السخرية حين يجد هؤلاء من يعضوا سوريا إرضاء لقطعان الجهلة والعملاء.