جذور صفقة القرن رأسمالية … تصفية كنعان بتآخي الأديان؟
د. عادل سمارة
لم تتضح بعد الصيغة النهائية لصفقة القرن، فهناك عدة صيغ، وهي إن لم تتطابق لكنها تؤكد وجود الصفقة من جهة وتعدد سيناريوهاتها من جهة ثانية، وبانها تصفوية للوطن وللشعب الفلسطيني من جهة ثالثة. بل هي استبدال شتات/منفوية اليهود الذي غالبا بأيديهم ودورهم، هذا إن كانوا جميعاً يهودا، بشتات مطلق للفلسطينيين رغماً عنهم.
حتى اللحظة، لم ينطق عربي بكلمة ممن رُويت لهم أو أُمليت عليهم صفقة القرن سواء تلخيصا أو تفصيلا أو من شاركوا في تجهيزها. لكن ملخص ما قاله ترامب/و أمام “إيباك” يفي بالغرض ويؤكد المخطط التصفوي:
“… المكان الوحيد لاقامة دولة فلسطينية هي نصف سيناء، ومساحتها 30 الف كلم مربع وتتسع الى 25 مليون نسمة، وعدد الفلسطينيين كلهم 9 ملايين.
واقول للفلسطينيين ابدأوا بالذهاب نحو سيناء ونحن سنطلب من مصر فتح الحدود بين غزة وسيناء وسنجمع 800 مليار دولار من العالم للبناء وانشاء معالم حياة هناك وستدفع معظم تلك الأموال دول الخليج وبعض دول العالم الأخرى..
أميركا لن تدفع دولار واحد، وفي سيناء يتم اقامة دولة فلسطين، وهكذا يجري حل المشكلة نهائيا، فتكون الدولة اليهودية في اسرائيل، والدولة الفلسطينية في سيناء
هذا باختصار ما أطلقنا عليه صفقة القرن وسنعمل جاهدين مع شركائنا لتطبيق المشروع في أقرب وقت ممكن.”
والتسمية نفسها “صفقة” تشي بالعقل الذي ورائها. عقل تاجر وليس عقل منتج، عقل الحاكم الأمريكي في مرحلة راس المال الاحتكاري ووصوله أزمة المضاربات بدل الإنتاج. عقل ملياردير يعامل البشر كما البضائع لا سيما حينما يجد أمامه عشاق عبودية.
ولكن، لنفكر قليلا في جذور الصفقة .
لا حاجة للعودة لأقوال هرتسل وجابوتنسكي وبن غوريون…الخ في أمرين:
الأول: أن هدفهم كل فلسطين كمرحلة أولى، ولم يتغير حتى نتنياهو ومن بعده
والثاني: أن استكمال الصهيوني قبل تلبيسه رداء توراتيا خرافياً يقتضي مسح سوريا خاصة وكذا العراق وصولاً إلى دولة لليهود من الفرات إلى النيل، وهو مشروع في أصله وهدفه أن يكون أداة مصالح الراسمالية الغربية في سائر الوطن العربي منذ مرحلتها التجارية حتى اليوم. وهذا يعني أن يهود المشروع الصهيوني مغتصبي فلسطين هم أداة/عبيد للغرب، وهذا ربما سر انسجام العبيد العرب معهم مع اختلاف واحد، أن كل البنية الصهيونية في فلسطين هي عبيد للإمبريالية بينما في الوطن العربي تنحصر العبيدية الطوعية في الحكام والراسمالية الكمبرادورية التابعة.
ولعل المخطط السعودي لمدينة “نيوم” ومشروع ترامبو/ا لطرد الفلسطينيين إلى سيناء،وتبرع النظام المصري للحكم السعودي بجزر تيران وصنافير، وشراء اليهود مساحات هائلة في كردستان العراق، هي مقدمات مادية تؤكد عدم تغير دور المشروع الصهيوني.
وعلينا أن نضع، إن لم نضع في الاعتبار، أن هذا العقل الرأسمالي/الصهيوني يتعامل بالقرون لا بالسنوات.
ولكن، لنفكر قليلا في جذور الصفقة.
م.ت.ف واكتشاف العجز باكراً:
لم يكن النضال الفلسطيني للتحرير والعودة غائبا قبل هزيمة 1967، لكن هذا الحدث الكارثي زاد من زخم النضال الوطني فكانت العمليات الفدائية فور حصول الهزيمة. ورغم أن هذا النهوض النضالي الفلسطيني قد رفع اسهم م.ت.ف إلى درجة كبيرة في الوطن العربي، إلا أن هذا النضال وُلد في لحظة حرجة هي هزيمة إطاره القومي.
ومعنى هزيمة الإطار القومي أو تجلي تلك الهزيمة كان خروج النظام العربي الرسمي من ساحة النضال، بل وتورط أنظمة عربية في الاستسلام والاعتراف بالكيان الصهيوني، أي الاصطفاف ضد الشعب العربي الفلسطيني.
لقد أدركت قيادات م.ت.ف هذه الحقيقة المرة، كما أدركت أنها ببنيتها المعهودة أعجز من تحرير فلسطين، فأخذت ترسل إشارات التسوية وتتلقف إشارات التسوية التي يطرحها عرب وغير عرب.
ورغم أن حرب اكتوبر لم تكن نصراً للكيان الصهيوني، وكانت نصف نصر للجيشين السوري والمصري، وهو أمر كان يمكن البناء عليه، إلا أن قيادة م.ت.ف حسمت أمرها باتجاه التسوية وهو ما تمظهر في شعار ما اسمته “السلطة الوطنية على كل شبر يحرر” كبديل لما اسمته الدولة الديمقراطية في كل فلسطين. وهي الأكذوبة التي يتم الحديث عنها اليوم من قبل مجموعات استسلامية خائنة بلا مواربة. ولعل صفقة القرن هي التي ترد على تواطؤ هؤلاء، بأن المعروض على الفلسطينيين هي الصحارى! وبأن الدولة الواحدة هي دولة لكل مستوطنيها.
معروف بالطبع أن أي شبر يُحرر سوف تقام عليه سلطة، فما معنى طرح هذا الشعار قبل التحرير؟ ما برهنته الأحداث أن هذا الشعار كان مقصود به الذهاب إلى التسوية وليس التحرير، اي هو تسليم بالعجز عن التحرير، والتهرب من البناء على نتائج حرب أكتوبر 1973 وذلك انسجاما، وإن مخفياً حتى حينه، مع توجهات النظام المصري في فترة السادات والتي هي الاستسلام للكيان الصهيوني.
مؤتمر الرباط 1974:
وهنا يبرز السؤال: هل من علاقة بين توافق الحكام العرب وقيادة م.ت.ف في مؤتمر الرباط على أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبين الاقتناع بأن التحرير لم يعد مطروحاً وبالتالي ليكن القبول بسلطة فلسطينية على أجزاء من الأرض المحتلة 1967، وبالمفاوضات ايضا.
وفي الحقيقة، نجح الترويج لمسألة السلطة الوطنية حينها نظراً لحصر نتائج حرب اكتوبر في أنها كانت مجرد حرب تحريكية دون قراءة دور الجيوش إيجابيا من جهة، ودون التنبه لخطورة النظام المصري من جهة ثانية، ولأن توجهات م.ت.ف الاستسلامية لم تكن قد وضحت بعد مما أغوى كثيرين بتقاطع مع هذا الشعار، وكنت انا نفسي ممن خُدعوا به، إلى أن تيقنت لاحقا عام 1976 بأن مشروع السلطة ومن ثم الدولة الفلسطينية هو مشروع تصفوي بالحصر.
المهم في هذا السياق أن مؤتمر الرباط الذي اعتبر م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كان بداية خروج الأردن من علاقته بالضفة الغربية حيث كان التنافس بين الأردن والمنظمة على تمثيل الشعب الفلسطيني.
لم يتم حينها الانتباه أو الأخذ بالاعتبار أن النضال لتحرير فلسطين أمر يجب فصله عن السيادة على الأرض بمفهوم الأمم المتحدة بغض النظر عن ثقتنا بالأمم المتحدة وقراراتها. بمعنى، أن تقاسما ما كان يجب أن يحصل وهو:
- أن تبقى السيادة الأردنية على الضفة الغربية والمصرية على غزة إلى أن يتم التحرير.
- وهذا يتضمن واجب الأردن في المساهمة في التحرير وليس الاتكاء على “تتويج” م.ت.ف لإعفاء نفسه من واجب التحرير.
- أن يبقى النضال الفلسطيني بعيداً عن اية صفقة سياسية تعطيه سلطة شكلية تحت الاحتلال الصهيوني.
لكن كما يبدو وقع الجميع في براثن مخطط امبريالي صهيوني رجعي عربي منذ أن تم الحديث عن “سلطة فلسطينية” عام 1973.
وهكذا، كان مؤتمر الرباط مقدمة لخطط ومقترحات ومبادرات…الخ جميعها تصب في قرار واحد هو:
- إن الكيان الصهيوني أمر لا جدال فيه ولا ضده.
- وأن اي حديث عن حل يجب أن يبدأ بعد الإقرار الضمني أو العلني ب “شرعية” الكيان الصهيوني.
وبأن هذه “الشرعية” لها :
- اساس معلن هامشي وتافه وهو أن يهودا كانوا في فلسطين، وبأن الله وعدهم بها،
- واساس آخر فعلي وعملي وهو أن الكيان هو مشروع غربي رأسمالي قبل أن يكون صهيونيا وبأن هذا الغرب داعم لهذا الاستيطان الاحلالي حتى لما هو أوسع من فلسطين.
وبالمناسبة، أخذ كثير من الفلسطينيين إثر مؤتمر الرباط يسمون الضفة الغربية “شرق فلسطين” في فصل لها عن الأردن بمنطق المماحكة القطرية/الإقليمية دون الأخذ بالاعتبار مسألة السيادة وبأن الأمم المتحدة لا تعترف سياديا إلا بمن يقف على أرض محررة، أي السيادة وليس السياسة.
فهل كان سر مؤتمر الرباط (كمؤسس لصفقة القرن) قم تم “بخَّه” في أذن الملك المغربي الحسن الثاني الذي تحدث قبل غيره عن تزاوج العقل اليهودي والمال العربي؟ والذي أثبتت الوثائق أنه كان يخصص غرفة للموساد ملاصقة لمؤتمرات القمة العربية؟
الانتفاضة… ولا دولة:
كانت الانتفاضة الأولى نهاية 1987 حدثاً لم يخطط له أي تنظيم، بغض النظر عن ادعاءات العديد من التنظيمات والقيادات الفلسطينية.
ورغم أهمية وتاريخية الحدث كانتفاضة شعبية عفوية إلا أن قيادة م.ت.ف استثمرتها بطريقة سيئة حيث حاولت توليد دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة من هذه الانتفاضة، أي في تواصل مع مشروع السلطة الوطنية البديل لهدف التحرير والعودة، وبالتالي بدل أن تتحول الانتفاضة أو تتمدد إلى انتفاضة تنموية ثقافية نضالية تم حصرها في محاولة توليد كيان سياسي اسمه الدولة الفلسطينية كتطوير لموضوعة السلطة الفلسطينية منذ 1973.
وقد كتبت بأن هذه الانتفاضة لن توصل إلى دولة في كتابي : “التنمية بالحماية الشعبية” اوائل 1988. وكان هذا بالطبع مثار جدل ونقد لموقفي.
وهكذا، تمت عملية دحرجة استخدام الانتفاضة لتوليد دولة في الضفة والقطاع عبر العمل السياسي، اي الاستدوال بدل التحرير، وهو ما انتهى إلى اتفاقات اوسلو.
إعلان الاستقلال:
واستثماراً سياسيا تصفوياً للانتفاضة، وقرار توجيهها في خدمة مشروع الدولة وليس مشروع التحرير طويل الأمد، أُعلن في مؤتمر الجزائر لمنظمة التحرير عام 1988 “الاستقلال الفلسطيني” والذي كان مثابة مهرجان بلا أرضية حقيقية بينما الحقيقي منه هو الاعتراف بالكيان الصهيوني.
لقد كان مناورة سياسية لدولة افتراضية. وأعتقد أنه كان “فخَّأ” مهد لاتفاقات أوسلو التي تنازلت عن ثلاثة أرباع فلسطين ولم تحسم الربع الأخير. أي أنها أكدت أن فلسطين هي دولة لكل مستوطنيها منذ 5 حزيران 1967.
القرار الأردني بفك الارتباط
قرار فك الارتباط هو القرار الذي اتخذه العاهل الأردني الملك حسين عام 1988 بإنهاء ارتباط الضفة الغربية إدارياً وقانونياً مع المملكة الأردنية الهاشمية حيث كان يعرف هذا الارتباط باسم وحدة الضفتين.
وجاء قرار الملك الأردني بناء على طلب ياسر عرفات .
أعلن الملك حسين إذن قرار فك الارتباط الأردني بالضفة الغربية وأبقى على الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة، وبهذا فإنه يكون قد تماهى أكثر مع مقررات مؤتمر الرباط.
كان ذلك مثار اغتباط للقُطْريين الفلسطينيين وخاصة م.ت.ف. وساد الشعور بأن الاستقلال الفلسطيني هو اساسا عن الأردن وليس تحرير فلسطين. وهذا بالمناسبة هو إضافة إلى موضوعة “سلطة فلسطينية” هو أحد جذور الاستدوال الفلسطيني وليس التحرير والاستقلال.
والسؤال: هل كان الملك حسين على علم بالمخطط الصهيو-امريكي؟ أم أنه قرر ذلك نزولا على الضغط الذي مارسته قيادة م.ت.ف والأنظمة العربية وتيار إقليمي أردني؟ أي هل خُدع بهذا أو ذاك، وهل وافق عن علم على هذا أو ذاك؟
أذكر حينها انني ربما كنت الوحيد الذي كتب بأن قرار فك الارتباط ليس في مصلحة الفلسطينيين بل ليس في مصلحة فلسطين، وبأن المشكلة ليست مع الأردن بل مع الكيان الصهيوني، وبأن الوحدة الفلسطينية الأردنية أمر قومي وبأننا حتى لو حررنا فلسطين فستكون الوحدة مباشرة مع الأردن كبداية للوحدة العربية. كتبت ذلك في جريدة النهار التي كانت تصدر في القدس وتوقفت.
لم أكن طبعاً أتكهن بما هو آتٍ، ولكن كان رايي من باب أننا لسنا إقليميين ولا قُطريين.
وكما اذكر هوجمت من قبل كثيرين من الأقرب إلى قيادة م.ت.ف. وأعتقد أن عدم اتهامي بالارتباط بالنظام الأردني مردُّه إلى مواقفي العروبية ليس إلا.
كنت في عام 1992 موظفاً في “الأونروا” كمستشار اقتصادي ولكن بعقد خاص Special Service Contract وليس كموظف دائم، ونظراً لوظيفتي كنت أُدعى لاجتماع اسبوعي لكبار موظفي الأونروا في القدس. وفي أحد الاجتماعات عرض شخص من القتصلية الأمريكية في القدس اسمه “جيم” فيلما عن التوسع الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحينها سألته سيدة فلسطينية قائلة: اليس هذا الاستيطان غير شرعي لأن الأرض فلسطينية؟ فرد عليها تقريباً كما يلي: ” ترى حكومة بلادي أنه ما من سيادة لأية دولة على هذه الأراضي” كان ذلك بالطبع بعد فك الارتباط الأردني.
تركيز التوطين العربي في مواجهة الاستيطان العبري:
بناء على العيش في الأرض المحتلة تحت الاحتلال، ومتابعة السياسات الصهيونية تجاه الأرض تحديدا وخاصة بناء المستوطنات، توصلت إلى ضرورة التركيز الفلسطيني على مسألة الأرض وحصر الاستيطان ومقاومته.
ولم أقصد لا سابقا ولا لاحقاً الثرثرة السياسية ضد الاستيطان، بل الشغل العملي على الأرض. وكنت قد انهيت عام 1978 كتابا بعنوان “إقتصاديات الجوع في الضفة والقطاع” ولم أتمكن من إصداره مباشرة حيث اعتقلت في22 نوفمبر 1978 من قبل الاحتلال لمدة ستة اشهر على عضوية تنظيمية قديمة. وأصدرته بعد خروجي من السجن عام 1979 . وضمنه مقترحات في التنمية وغيرها ومنها مقترحا محددا بعنوان “تركيز التوطين العربي في مواجهة الاستيطان العبري” ص ص 224- 227وملخص الفكرة :
طالما أن العدو يقوم بزرع المستوطنات في الأراضي المحتلة 1967، مما يؤكد أنه سوف يواصل هذه السياسة، فأعتقد ان المطلوب أن يقوم الفلسطينيون بمواجهة ذلك ومن ضمن ما يجب عمله، اختيار مختلف قمم الجبال التي من المتوقع أن يقيم عليها العدو بؤرا استيطانية أن نقوم نحن ببناء قرى صغيرة في كل موقع منها بمقدار 20 اسرة مثلا وأن يتم تزويدها بالماء والكهرباء “مولدات تعمل بالديزل” وخاصة لأن هناك نقص مساكن في الضفة الغربية.
كان ذلك ممكنا بناء على عاملين:
الأول: لأن العدو لم يكن، حتى حينه، يمنع البناء خارج مسطحات القرى في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي كرسه لاحقاً إلى حد مطلق.
والثاني: أن اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة والتي خصصت ما اسمته “اموال الصمود” كانت تدفع قروضا “غير مستردة” لبناء ضواحي للمدن. وكان رايي ان هذه الضواحي لا تضير العدو علاوة على أنها لصالح البرجوازية الصغير فما فوق لأن من بوسعه شراء دونم او نصف دونم في المدينة ليس من الطبقات الشعبية وبالتالي ليس بحاجة للدعم.
ولاحقاً، ارسلت نسخة من هذا الموضوع إلى لبنان لإيصالها ألى الراحل أبو جهاد.
كما كتبت ملخصاً عن الموضوع في مجلة الشراع التي كانت تصدر في القدس وأغلقها الاحتلال ولكن لم يقم احد بأي شيء.
مسح الخط الأخضر بالمدن
لم تقتصر سياسات العدو على بناء المستوطنات والإلحاق الاقتصادي، بل واصل بناء مدن استيطانية فوق الخط الأخضر ، اي حدود 1948 التي فصلت بين المحتل 1948 وما تبقى من فلسطين. وهدف هذه المدن هو مسح خط الحدود الذي نشأ بعد احتلال عام 1948، ومنها مدينة اريئيل في شمال الضفة الغربية، ومعاليه ادوميم شرقي القدس وجيلو قرب بيت لحم ومودعيم شرقي اللد والرملة وغربي رام الله…الخ
وقد كتبت عن هذا الموضوع في بداية الثمانينات في مجلة العهد التي كانت تصدر في القدس المحتلة مشيراً إلى أن مسح الخط الأخضر يعني ضم بقية فلسطين للكيان الصهيوني.
كما كتبت ان المستوطنات في الضفة والقطاع تبتلع ايضا الاقتصاد الفلسطيني حيث تنتج اكثر من إنتاج الضفة والقطاع، وخاصة السلع المتطورة وأن بوسعها إغراق السوق المحلي وتقويض البنية الإنتاجية الهشة في الأرض المحتلة 1967 أو تلحقها بها ضمن التعاقد من الباطن.
الطفرة العمرانية مثار تساؤل؟
قبيل اتفاقات اوسلو كان تركيز العدو على تقويض البنية الإنتاجية في المناطق المحتلة 1967، وتشغيل العمالة الفلسطينية داخل اقتصاد الكيان مما يساهم في شل البنية الإنتاجية وإلحاق اقتصاد هذه المناطق باقتصاد العدو ويشجع على الهجرة . ورغم أن سلطات الاحتلال لم تكن تمنع البناء في مسطحات المدن في الضفة الغربية خاصة، وغزة بالطبع، إلا أن هذه المناطق لم تشهد توسعا عمرانيا قبل اتفاقات أوسلو حيث حصلت طفرة عمرانية كبيرة ولم تتوقف بعد.
وقد كتبت في مجلة كنعان مرات عدة بأنني أخشى ان يكون كثيرا من هذه الأبنية ضمن مشاريع تعاقد من الباطن مع يهود. كما انني حتى الآن أخشى ان تكون المشاريع التي تقوم بها مؤسسات وشركات من قطر والإمارات السعودية والكويت هي ايضا مع شركاء صهاينة!
لقد نتج بعد اتفاقات اوسلو عن التوسع العمراني في المدن، والتضييق على القرى بشكل متزايد ومكثف أن اصبحت أسعار الأراضي في القرى خيالية نظراً لضيق مسطح القرى. وإذا ربطنا هذا مع :
- غياب اية صلاحيات لسلطة الحكم الذاتي على مناطق (ج) اي الريف
- عدم تخصيص ميزانية للتطوير الزراعي
- توسيع الجهاز البيروقراطي للسلطة بحيث أخذ يستوعب معظم قوة العمل الريفية
نجد أن كثيرا من هؤلاء الموظفين قد ارتحلوا إلى المدن وخاصة رام الله حيث وجدوا أن شراء شقة هو اجدى من دفع أجرة مواصلات يومية إلى المدينة، او حتى دفع أجرة بيت صغير في المدينة التي غدت مكتظة جدا.
وقد نتج عن هذا بالطبع هجران أكثر للأرض حيث اصبح هدف كل متخرج جامعي الحصول على وظيفة في المدينة والقليل من حصل على موقع عمل في مشروع تجاري أو صناعي.
يمكنني تسمية هذا بأنه الجزء الأول من المصيدة.
أما الجزء الثاني فهو ان اتفاقات اوسلو منحت السلطة ريعا ماليا لتمويل جهازها البيروقراطي الذي التهم معظم قوة العمل التي كانت تعمل داخل الخط الأخضر، وطبعا هذا إلى جانب المؤسسات الأجنبية والأنجزة…الخ حيث اصبحت معظم قوة العمل من الموظفين/ات في اقتصاد ريعي.
وهذا يعني أنه في حال توقف الريع لأسباب سياسية يصبح هؤلاء بلا دخل مما يدفعهم للقبول بحلول سياسية غير وطنية. وقد اتضح هذا حينما فازت حماس في انتخابات الدورة الثانية لمجلس الحكم الذاتي المسمى تشريعي، توقفت أموال الدعم الأجنبي كضغط سياسي.
وعلى أية حال، فقد اتضح ان الريع المقدم لسلطة الحكم الذاتي هو ريع مالي مقابل تمرير مشروع سياسي هو مشروع أوسلو والذي كما نرى ارتطم بلا مواربة بموقف صهيوني يراوغ إلى أن يلتهم بقية فلسطين.
عودة إلى صفقة القرن:
وبغض النظر عن فرصها في النجاح أو الفشل، ولأنها تقوم على أعادة تدوير ونقل الفلسطينيين مجدداً من مكان لآخر، وهم شعب غير متنقل بل زراعي، فهي تشكل هروبا عالمياً من حقيقة وجوب ان يُعاد يهود العالم من حيث جيىء بهم طالما هم شتات اعتاد المنفى وخُلق له وخاصة إلى مقاطعة بافاريا في ألمانيا، وفي غيرها. فمن وافق على ان يُنقل مرة لا يعترض على أن يُنقل مرات، فهو يُعاد إلى طبيعته الرعوية و يُعاد إلى املاكه وبيوته في كل دولة ودولة. ولا شك أن مئة دولة تم تجميع اليهود منها هي أكثر تحملاً لهم من بقعة تخص الشعب الفلسطيني. أو تهجير الفلسطينيين مجدداً إلى سيناء بموافقة حاكم مصر الخديوي أو شبيه نابليون الثالث/الصغير.
وهكذا، فإن الصيغة التي من الأرجح محاولة تطبيقها او تمريرها هي، “صفقة” التبديل التاريخي بين عرب فلسطين ويهود العالم.
فمعروف في التاريخ أن الفلسطيني الكنعاني موجود قبل الأديان وبالتالي، لا يحق للأديان فرض احترابها وتصالحها عليه ناهيك عن أن رواياتها تناقض التاريخ. وهذا ينفي أكذوبة الصراع الديني على فلسطين. والأهم ان الفلسطينيين هم شعب زراعي أي مستقر لا يرتحل، بل هو من الشعوب التي أسست القرية ومن ثم المدينة أي الاستقرار وخلق وطن كوطن لا كمكان.
بينما اليهودي هو نتاج لاحق، نتاج للأديان، وهو متنقل كقبيلة من الرُعاة، وهو ما جعل طابعه منفوياً. وهذا يعني أن جلبه إلى فلسطين يحتوي إمكانية أعادة توزيعه من حيث جيىء به وهو امر ينسجم مع طبيعته.
إن الجريمة المعولمة التي حصلت ما بين 1860-1948 واستكملت عام 1967 تتلخص في التالي:
· نقل الزراعي الكنعاني اي الفلسطيني من الزراعة إلى الرعي بدل اليهودي الذي هو راعٍ لا مزارع ولا فلاح
· نقل الفلسطيني المستقر بسبب الزراعة، إلى المنفى وإقحام اليهودي المنفي مكانه.
ولكن، بما ان اليهودي هو منفي ومرتحل بطبيعته، فلماذا لا يرتحل هو إلى سيناء، حيث يعثر هناك على خرافة “تيه” موسى وبأن يمارس الرعي هناك. لعلها خرافة تافهة ان يتيه اليهود في سيناء اربعين عاماً! وكأنها بمساحة قارة!!
إن ملامح صفقة القرن كصفقة راسمالية تقوم على تعاقد ومصالح الثورة المضادة :
· أمريكا ومعها الغرب
· الصهيوني
· والتوابع العرب وخاصة الريعيين والكمبرادور.
تذهب هذه إلى نقل الفلسطينيين، تجميعهم مجددا في غير وطنهم وحشرهم في الصحراء بين مصر والسعودية والأردن والكيان بحيث لا يمكنهم القيام بأية مقاومة. وهو تفكير وحشي بدائي، يعامل احد اعرق الشعوب كما لو كان قطيعاً. فالأمريكي/الغربي يخطط، والصهيوني يتمتع والنفطي يدفع.
إن الوضع الطبيعي لليهودي إذا ما كان جوهر الصفقة عدم إعادته للمنفى المئوي “مئة قومية”، هو أن يُؤخذ إلى الصحراء طبقاً لتراثه الرعوي المتنقل من مكان لمكان من جهة، ولكي يجد ضالته في علاقات مع صحراء الجزيرة .
وهذا يحقق قول احد اليهود عن أكذوبة التيه بأن: “موسى لو اتجه يمينا لذهب إلى بلاد النفط”.
فليذهب الآن.
وهناك تتآخي الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، بعيداً عن الأرض التي فيها وعليها سبقنا الأديان.
“نشرة كنعان الإلكترونيه”