أقلام الوطن
الدولة السورية تخوض معركة السيادة الوطنية
نبيهة إبراهيم
منذ احتلت المقعد الأول في قيادة النظام الدولي. نهاية القرن الماضي، سعت أمريكا استكمالاً لهيمنتها وتحقيقاً لمصالحها في نهب ثروات الشعوب، إلى إضعاف سلطة الدول والانتماء الوطني، بغية النيل من القرار السيادي لهذه الدول، مستخدمة شعارات ( الحرية ، الديمقراطية ، حقوق الإنسان … ). مسخرة لذلك المؤسسات العالمية ( مجلس الأمن، المنظمات الدولية،…)، ومستخدمة القوة العسكرية.
استهداف الدولة السورية كان في عقل وذهن المخطط الأمريكي . سوريا جزء من الوطن العربي الذي تنظر إليه أمريكا والغرب كمنظومة واحدة متكاملة، بما يشكله من غنى ثقافي وحضاري، وأهمية اقتصادية لجهة تمركز مخزونات الطاقة ولموقعه الاستراتيجي الهام. لأجل هذا كان الهدف القديم الجديد للقوى الاستعمارية كيفية إبقاء المجتمعات العربية في حالة من إشعال الحروب، حالة من التفكك، حالة من التراجع، بغية السيطرة عليها وسرقة ثرواتها. ومن أجل هذا أيضاً اصطنع الغرب كيان العدو الإسرائيلي في فلسطين قلب الوطن العربي، ولا يزال ذلك الكيان يعيش على دعم ومساندة أمريكا والغرب.
لقد شكلت سوريا عقبة كأداء في وجه مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة والوطن العربي، لتبنيها الفضايا العربية و تأسيسها حلف المقاومة الذي ألحق الخسائر بأمريكا وكيان العدو على أرض العراق ولبنان وفلسطين.
في العام ١٩٩٨ ، كتبت الصحفية البريطانية هيلينا كوبان تقول: يجب على الفلسطينيين الاستفادة من السابقة السورية في العلاقات الدولية، وقصدت الصحفية المهتمة بالشأن الفلسطيني بالسابقة السورية ما عرف ب( وديعة رابين). وهي تعهد قدمه رئيس وزراء كيان العدو إسحق رابين في العام ١٩٩٢ ، يلتزم فيه بانسحاب إسرائيل من الجولان السوري . وبعد اغتيال رابين تم تصديق هذا الالتزام من خلفه بيريز ١٩٩٥.
هذه الوديعة جاءت نتيجة المفاوضات بين الدولة السورية وكيان العدو الإسرائيلي في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام بين عامي ١٩٩٣ و١٩٩٥ . وهي تُسجل كانتصار للدبلوماسية السورية وإعجاز للرئيس حافظ الأسد الذي أصر حتى آخر يوم في حياته على عدم التنازل عن شبر واحد من سيادة سوريا على أرض الجولان السوري.
يرتبط مفهوم السيادة الوطنية بالمواطنة، بالمساواة في الحقوق والواجبات، بتمكين الفرد من حقوقه ، وحق هذا الفرد في ملكية ثرواته الوطنية، والسيادة مرتبطة بالاستقلال والتحرر، كما لا يجوز أن تتجزأ، وهي ملازمة لقيام الدولة واستمراريتها. هذا ونستطيع القول بأن سوريا كانت من بين دول المنطقة القلائل تميزت باستقلالية قرارها السياسي، بل تمكنت من توظيف سياستها الخارجية لتحقيق مصالحها وأهدافها الوطنية، وهي بهذا تتشابه مع الدول المتقدمة، وسياستها الخارجية سياسة دولة عظمى. كما أنجزت خلال العقود الأربعة التي سبقت الحرب، وعلى الرغم من كونها في مواجهة دائمة مع كيان الإسرائيلي، تجربة رائدة في التأسيس لبنية تحتية قوية، و قاعدة اقتصادية متنوعة، واستثمار ثرواتها وطنياً ، واكتفاء ذاتي وأمن غذائي ، كل هذا وفر لها أسباب الصمود طيلة سنوات الحرب السبع.
لإشعال الحرب ضد الدولة السورية فتشت أمريكا عن قطبة رخوة في النسيج الوطني السوري وأحدثت فيها خرقاً وراحت تعمل على توسيعه ، مستخدمة أقذر الوسائل وأكثرها خسة، الإعلام قاد معركة لا تقل ضراوة عن الجرائم والفظائع التي ارتكبها الإرهابيين ضد الشعب السوري ، كان المستهدف الشعب الذي حوصر ومورست ضده مختلف أشكال الضغوطات، ظنت أمريكا أنها بتفتيت الشعب السوري تتمكن من القضاء على الجيش .
الحقيقة أن حجم التآمر وحجم ما سُخر ودفع وجيش من أموال وإعلام وتسليح وتجنيد للإرهابيين كان هائلاً وكافياً لإسقاط أية دولة. ليس صحيحاً أن الشعب السوري شكلَ حاضنة للإرهاب والإرهابيين، بل الصحيح أنه أظهرَ وعياً وطنياً كبيراً شكل العامل الحاسم في صمود الدولة السورية ، من هذا المنطلق تعاملت الدولة مع الجميع بمنطق الأم الرؤوم واحتضنتهم، وقدمت لهم كل ما يحتاجون.
أهداف الحرب على سوريا سقطت، التقسيم لم ولن يحصل طالما الجيش العربي السوري موجود وضامن لوحدة التراب السوري. أما عن إضعاف سلطة الدولة السورية والنيل من سيادتها وإلحاقها بالهيمنة الأمريكية ، نقول سوريا لا تزال تمتلك مقومات قوتها، التي مكنتها من الانتصار على العدوان الثلاثي الأمريكي والفرنسي والبريطاني. وتمكنها من استعادة كامل ترابها إن شاء الله.
أما الهيمنة الأمريكية فالدولة السورية لم تخضع لهيمنة أميركا حين كانت أمريكا في أوج قوتها، فكيف باليوم وأمريكا تعاني ما تعانيه من حالة التراجع والانحسار. وهي أمام خيارين إما أن تعلن تراجعها وإما أن تفتح الطريق لقوى عالمية ناهضة كالصين وروسيا لتشاركها قيادة النظام العالمي الجديد .