إتفاق اوسلو و زوال إسرائيل
د. غازي حسين
شكل اتفاق الإذعان في أوسلو الذي وقعه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في 9/9/1993 ووقعه محمود عباس في البيت الأبيض بواشنطن في 13/9/1993 منعطفا استراتيجيا خطيرا في تاريخ قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني .
وجاء في اتفاق أوسلو “أن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة “إسرائيل” في العيش في سلام وأمن . وتوافق على القرارين 242 و 338, وتلتزم بمسيرة السلام , وتتخلى عن الإرهاب , وتعتبر مواد الميثاق التي تتعارض مع التعهدات الواردة في الرسالة عديمة الأثر وغير سارية المفعول ” .
ورد الجنرال رابين على رسالة عرفات برسالة تتكون من جملة واحدة وهي :
” ردا على رسالتكم المؤرخة في 9 أيلول 1993 اود ان اعلن لكم انه على ضوء تعهدات منظمة التحرير الفلسطينية الواردة في هذه الرسالة فقد قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بمنظمة التحرير بصفتها الممثل للشعب الفلسطيني وبدء مفاوضات معها في إطار مسيرة السلام في الشرق الأوسط ” .
علق الرئيس الخالد حافظ الاسد على اتفاق الاذعان في أوسلو بقوله :” إن كل بند من بنوده يحتاج إلى اتفاق ” .
وعلق عليه المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد بقوله : ” انه لم يسبق لأي حركة تحرر وطني في التاريخ أن باعت نفسها لأعدائها كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية ” .
لم يعترف اتفاق أوسلو بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني , ولم تتعهد دولة الاحتلال بشئ سوى الاعتراف بالمنظمة للتفاوض معها . وجرى في الاتفاق تغييب القضايا الأساسية للصراع . وحدد سقفا زمنيا مدته خمس سنوات وانتهت المدة بدون اي نتيجة للانسحاب واستعادة الأرض والحقوق المغتصبة , وأثبت حصاد أوسلو المر و المرير أن الاتفاق فشل في تحقيق أية حقوق وطنية أو إنسانية . واستمر العدو الصهيوني في الاستيطان والتهويد والقتل والتدمير والترحيل والتمرد على القرارات والمرجعيات الدولية .
اخذ الكيان الصهيوني من ياسر عرفات كل ما أراده من اعتراف به والتزامات من منظمة التحرير من وراء ظهر الشعب الفلسطيني , والوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن .
حصلت “إسرائيل” في اتفاق أوسلو على اهم شئ ارادته وهو اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني بها وبما اغتصبته من فلسطين , ونعتها المقاومة بالإرهاب وإلغاء الميثاق , بينما لم تعترف “اسرائيل” بشئ , ولم تعترف بالدولة الفلسطينية , ولا توجد عملية تفاوض حقيقية منذ عشرين عاما وحتى اليوم كما لا توجد تسوية عادلة .
أراد الكيان الصهيوني ان تعترف منظمة التحرير ممثلة الشعب الفلسطيني به و باغتصابه لفلسطين وبانها ارض التوراة وأراض محررة وليست محتلة كما أعلن رئيس المنظمة.
لقد عمل الكيان الصهيوني على بلع وهضم وتهويد الأراضي الفلسطينية التي احتلها عام 1948 , ويكرر نفس العملية منذ احتلال عام 1967 وحتى اليوم لاقامة “اسرائيل” العظمى الاقتصادية والهيمنة على المنطقة وتهويد القدس وفلسطين.
عجز الكيان الصهيوني عن القضاء على الانتفاضة الأولى فجاء اتفاق أوسلو وأنقذ قيادة عرفات من الانهيار, وأنهى عرفات بدوره الانتفاضة , واعترف بالرواية الصهيونية لاعترافه بالكيان الصهيوني في 78% , وإبقاء ال22%المتبقية من فلسطين أراض متنازع عليها , وأدان المقاومة و نعتها بالإرهاب , وتخلى عنها , و تعهد بمعاقبة رجالها .
وأقام الكيان الصهيوني سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود لتخليد الاحتلال الاسرائيلي وتصفية القضية.
ووصف شمعون بيريز توقيع اتفاق أوسلو بانه ثاني اكبر انتصار في تاريخ الحركة الصهيونية .
واعترف بيرس في مقابلة مع جريدة دافار بأنه هو الذي وضع اتفاق أوسلو , وأعطاه للرئيس مبارك , والذي بدوره سوقه لعرفات على أنه اقتراح مصري , ولا يستطيع الحصول على أكثر من ذلك , وعليه القبول به والموافقة عليه . واستجاب له عرفات ووقع اتفاق الاذعان.وقال بيرس في دافار بان الفلسطينيين قدموا إليّ اقتراحي على أنه اقتراح فلسطيني , فوافقت على ما وضعته .
ومنذ تشكيل السلطة الفلسطينية وحتى اليوم لم تعمل على دحر الاحتلال الإسرائيلي البغيض وحماية المواطن الفلسطيني , وتعزيز العمل الوطني , وإنما قامت وتقوم بإدارة المناطق بصلاحيات المجالس البلدية وتوطيد التعاون الأمني مع اجهزة الاحتلال الأمنية للقضاء على الانتفاضة انتفاضة القدس , واجتثاث المقاومة المسلحة , وحماية أمن العدو الصهيوني . و أمن المستعمرين اليهود في الضفة الغربية ,وإضعاف الحركة الوطنية , وإنهاء الصراع عن طريق المفاوضات المذلة والكارثية وبرعاية الولايات المتحدة وبتسويق من أسمتهم كونداليزا رايس بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم محمد بن سلمان ومحمد بن زايد آل نهيان.
وخضعت منظمات المقاومة لنير الاحتلال الإسرائيلي الأسوأ في التاريخ البشري , وتحت نير الأجهزة الأمنية الفلسطينية . وارتمت السلطة في عهد محمود عباس وسلام فياض في أحضان أمريكا والكيان الصهيوني . وتحولت من أداة انتقالية لإنهاء الاحتلال الى وكيل لدولة الاحتلال لتحقيق رؤية الدولتين التي وضعها السفاح و مجرم الحرب شارون.
فشلت أمريكا والرباعية الدولية والاتحاد الأوروبي في إلزام حكومة نتنياهو بوقف سرطان الاستعمار الاستيطاني الخبيث , وفي القضاء على جدار الفصل العنصري , ووقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني , والعقوبات الجماعية والحصار الجائر على قطاع غزة .
لذلك لا يمكن التعايش مع الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني ونظام عنصري , و كأكبر غيتو يهودي في قلب المنطقة العربية الإسلامية , و لا مستقبل له في المنطقة على الإطلاق ومصيره إلى الزوال كما زالت النازية في ألمانيا , والعنصرية في روديسيا والبرتغال و الأبارتايد في جنوب إفريقيا . والنصر دائماً وابداً للشعوب المناضلة.