نكبة فلسطين نكبة الشعب والأمة والإنسانية جمعاء
د. غازي حسين
النكبة هي أكبر كارثة ومصيبة مدمرة خلقتها الدول الاستعمارية والصهيونية العالمية والرجعية العربية لشعبنا العربي الفلسطيني، باقتلاعه من أرض وطنه فلسطين العربية وبزرع المستعمرين اليهود محله الذين جاؤوا من وراء البحار، غرباء عن المنطقة دخلاء عليها.
والنكبة ذاكرة لا تنسى وحق لا يموت وواجب يتوارثه الآباء عن الأجداد والأبناء عن الآباء جيلاً بعد جيل.
ولا تزال النكبة مستمرة بعد مرور 70 عاماً عليها، ويحييها الشعب والأمة في ظروف تختلف عما كانت عليها في السنوات الماضية، تقتضي الوقوف عليها أمام خطورة المفاوضات التي جرت وتجري برعاية الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني، وعدو العروبة والإسلام من خلال رؤية الدولتين وخطة ترامب لصناعة التسوية الأمريكية، وإقامة دويلة بموافقة إسرائيل ولمصلحتها ، منقوصة الأرض والحقوق والسيادة والسكان، لترحيل أبناء شعبنا من الداخل الفلسطيني أي من الأراضي المحتلة عام 1948 إلى دولتهم المزمع إقامتها، و لاستكمال تهويد النقب والجليل والقدس الشرقية، ولشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والاعتراف بيهودية الدولة، ولضم 85% من كتل المستعمرات اليهودية في القدس وبقية الضفة الغربية، و لإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري في فلسطين قلب الوطن العربي، وتطبيع العلاقات مع جامعة الدول العربية، و لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
بدأت النكبة بارتكاب العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة أكتر من سبعين مجزرة جماعية خلال الأشهر الأخيرة من سيطرة حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين . وكانت مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان عام 1948 من أخطر وأبشع هذه المجازر، حيث أبادت عصابات الأرغون وشتيرن سكان القرية عن بكرة أبيهم .واستغلتها العصابات اليهودية المسلحة إما ترحيل الفلسطينيين أو الإبادة والاغتصاب والسلب والنهب والحرق كما حدث في قرية دير ياسين.
وأدى ارتكاب المجازر الجماعية وحرب عام 1948 التي أشعلتها إسرائيل بعد تأسيسها مباشرة إلى ترحيل حوالي 850 ألف – 900 ألف، فلسطيني من حيفا ويافا والقدس الغربية واللد والرملة وسلمة وصفد وغيرها، ووصلت غطرسة وعنجهية ووحشية قادة الصهيونية والكيان الصهيوني حداً أنكروا فيه مسؤوليتهم التاريخية عن نشوء مشكلة اللاجئين، وزعموا كعادة اليهود في الكذب والتضليل والخداع، إن الفلسطينيين تركوا ديارهم تلبية لنداءات القادة العرب الى ان جاء مؤخراً المؤرخون الجدد الإسرائيليون وأعلنوا انطلاقاً من الوثائق السرية التي أفرجت عنها اسرائيل ان ترحيلاً قسرياً ارتكبته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عام 1948، وجاء قرار الأمم المتحدة رقم 194 المعروف بقرار العودة والتعويض ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين فوراً إلى ديارهم ورفضت إسرائيل تنفيذ القرار الأممي حتى اليوم
جاءت موجة ترحيل الفلسطينيين الثانية على إثر حرب حزيران العدوانية عام 1967 واحتلال اسرائيل كل فلسطين وسيناء والجولان وأجزاء من جنوب لبنان .فأتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 237 وتضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا جراء الحرب الى ديارهم .
إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم حق أساسي من الحقوق الطبيعية ومبادئ القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وينبع هذا الحق من قدسية حق المواطن في وطنه، ومن حرية حق العودة الذي لا يزول بزوال الدول أو بتغيير السيادة، وهو حق غير قابل للتصرف أو الإنابة، ولا يجوز فيه التمثيل، وهو حق شرعي مقدس وعادل،ولا يسقط بتقادم الزمن،وحق فردي وجماعي انطلاقاً من الحقوق التاريخية للعرب والمسلمين في فلسطين ومن حق الشعوب والأمم في تقرير المصير، وهو ملك للاجئ الفلسطيني نفسه، وليس لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أو مؤتمرات القمة العربية أو جامعة الدول العربية أو ملوك وأمراء الخليج. فالقانون الدولي يؤكد على أن العودة للأشخاص الذين يرغمون على مغادرة منازلهم بسبب قوة قاهرة كالحرب ملزمة، ولا مجال للطعن في حقهم بالعودة إلى منازلهم.
إن إسرائيل هي التي أجبرت الفلسطينيين على الترحيل، واغتصبت أرضهم وممتلكاتهم ودمرت مجتمعهم ومدنهم وقراهم التي بلغت حتى حرب حزيران العدوانية عام 1967 أكثر من ( 531 ) قرية وبلدة مدمرة، وأقامت على أنقاضها المستعمرات اليهودية للمستعمرين اليهود من أصقاع الدنيا كافة وتعمل على ترحيل الفلسطينيين حتى اليوم لتحقيق يهودية الدولة لشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، و لإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري و إرهابي في قلب المنطقة العربية والإسلامية، لتفتيت الدول العربية والإسلامية بإشعال الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية، و لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وقفز اتفاق الإذعان في أوسلو عن حق العودة للاجئين إلى ديارهم، كما أعلنت قيادات من منظمة التحرير الفلسطينية استعدادها للتنازل عن حق العودة وتضمنت معاهدة الإذعان في وادي عربة في الفقرة الثانية من المادة الثامنة توطين اللاجئين والنازحين عام 1967 من الضفة الغربية تلبية لإملاء إسرائيلي أمريكي.
إن توطين اللاجئين الفلسطينيين هدف وتخطيط ومصلحة إسرائيلية لتصفية قضية فلسطين والقضاء على عروبتها، وإنجاح المشروع الصهيوني، وإنهاء الصراع العربي الصهيوني، وهرولة إمارات وممالك الخليج لتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني وإقامة التحالف الجديد بين آل سعود والعدو الإسرائيلي بقيادة إدارة ترامب.
إن استمرار النكبة بعد مرور أكثر من 70 سنة، والمصائب والويلات والقتل والتدمير والعذابات والمحرقة المستمرة، والعنصرية والتمييز العنصري الذي يعانيه الإنسان الفلسطيني في العديد من البلدان العربية وفي مقدمتها لبنان والأردن، ومأساة مخيم اليرموك وبقية المخيمات الفلسطينية في سورية التي سببها دخول المسلحين إليها يزيد من تمسك اللاجئين بحقهم في العودة إلى ديارهم في وطنهم فلسطين، وطن آبائهم وأجدادهم، فالفلسطيني إنسان بلا وطن، والإنسان الذي لا وطن له لا كرامة ولا حقوق إنسانية حتى ولا حقوق ملكية له في البلدان العربية أسوة ببقية المواطنين، لذلك ليس أمامه إلا العودة إلى دياره واستعادة أرضه وممتلكاته.
إن قضية حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم هي جوهر قضية فلسطين، وهي التي أدت إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، واندلاع المقاومة الفلسطينية المعاصرة في بداية عام 1956 ولا يمكن التوصل إلى حل عادل وسلام دائم إلا بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولا تزال قضية حق العودة حية وحيوية و تترسخ يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل، وهي الأمل والحلم والهدف للشعب والأمة، وإن الشعب الفلسطيني يتمسك بها، ولن يستسلم أو يفرط بها، أو يسمح لجامعة الدول العربية ببيعها على الإطلاق، وذلك على الرغم من الهولوكوست ( المحرقة ) الإسرائيلي المستمر، والحروب العدوانية، والمجازر الجماعية والتهويد، تهويد الأرض والحجر والشجر والبشر والحضارة العربية الإسلامية في أرضنا المقدسة التي حررها رجال الصحابة من الغزاة الرومان.
إن الشعب والأمة وبعد مرور 70 عاماً على النكبة يرفضان رفضاً قاطعاً الاعتراف والقبول بالكيان الصهيوني على الرغم من الدور الخطير الذي تقوم به ممالك الرمال في قطر والسعودية والإمارات وبقية المتصهينين الفلسطينيين والعرب من دعاة رؤية الدوليتين الذين يمثلون ظاهرة خطيرة و قاتلة ومدمرة للعروبة و الإسلام، وهم قلة قليلة جداً من شعبنا وأمتنا.
إن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة وبعض الفصائل والأثرياء الفلسطينيين بشرعية إسرائيل لا يمثل الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية ولا يلزمها بشيء، فالحديث عن إجراء استفتاء لتمرير التنازلات التي سيوقع عليها المفاوض الفلسطيني بتغطية من آل سعود وثاني ونهيان وباسم جامعة الدول العربية هو موقف كارثي ومدمر وعبثي وغير مسؤول فالحقوق حقوق الشعوب والثوابت الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني لا يستفتى عليها إطلاقاً فالشعب الفلسطيني لا يخول أحدا للتوقيع نيابة عنه لبيع فلسطين لليهود ومع أخطر كيان استعماري استيطاني ونظام عنصري وإرهابي ظهر في تاريخ البشرية.
إن اعتراف جامعة تشرشل و فصيل أو فصيلين أو أكثر من ذلك بكيان الاستعمار الاستيطاني في فلسطين لن يغير من الحقائق التاريخية والقانونية والسياسية للشعب الفلسطيني ومن عروبة فلسطين.
إن المصالحة والوحدة الوطنية والعودة إلى الميثاق الوطني وخيار المقاومة المسلحة حق على الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية تفرضه و تكرسه دماء الشهداء الذين رووا أرض فلسطين بدمائهم الزكية، وإن وثيقة حماس التفريطية الجديدة يجب ألا يكون خطوة للتقدم إلى الأمام نحو حل الدولتين وتبادل الأراضي وشطب حق العودة والاعتراف بكيان الاستعمار الاستيطاني العنصري والإرهابي.
أثبت التاريخ التشابه والتعاون بين الصهيونية والنازية وبين اللاسامية والصهيونية لتهجير يهود أوروبا وأمريكا إلى فلسطين و إقامة إسرائيل فيها باستغلال ما يسمى بعقدة الذنب والهولوكوست النازي،ولكن النازية زالت من ألمانيا والفاشية من إيطاليا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر والأنظمة العنصرية من رودسيا والبرتغال ومصير الكيان الصهيوني كغدة سرطانية خبيثة في جسد الأمة إلى زوال.