“القدس الكبرى” .. مشروع صهيوني فاشل … !!
بسّام عليّان*
لا تمر مناسبة عند حكومة الكيان الصهيوني العنصرية؛ إلا وتتكرر المزاعم بأن مدينة القدس عاصمة أبدية لدولتها المصطنعة، وخلال العقود السبعة الماضية شهدت المدينة المقدسة عمليات تهويد ومحاولات لطمس هوية المدينة الإسلامية والمسيحية.
وبعدها جاء قرار دونالد ترامب الأحمق، نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. رافضاً الانصياع للقرارات الدولية التي تبقي على مدينة القدس فلسطينية تحت الاحتلال؛ ومتجاوزاً الانعكاسات الخطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة، ويقوض الجهود الرامية لاستئناف العملية السلمية، ويؤجج مشاعر المسلمين والمسيحيين.
ونستعرض – هنا – أبرز المحطات التاريخية التي مرت بها مدينة القدس :
– احتلت قوات الغزو الصهيونية القدس في عام 1948 حوالي 66،2% من مساحة مدينة القدس، فيما بقيت البلدة القديمة ومقدساتها تحت السيطرة الفلسطينية.
– في حزيران من العام 1967 ؛ أضيفت نقطة سوداء باحتلال العدو الصهيوني للمدينة بالكامل مع الأراضي العربية الأخرى في سوريا ومصر.
– في يونيو 1967 وقف حاخام الجيش الإسرائيلي على تلة بالقرب من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف ليقيم صلاة يهودية معلنا أنهم لن يتراجعوا عن السيطرة عما أسماها بعاصمتهم الأبدية.
– أقدم الأسترالي مايكل دينس على حرق المسجد الأقصى في أغسطس من عام 1969. وأضرت النيران بكامل محتويات الجناح الشرقي للجامع القبلي في الجهة الجنوبية للمسجد. ومن بين الأجزاء التي التهمتها النيران منبر صلاح الدين التاريخي.
وفي اليوم التالي لهذه الجريمة صلى الآلاف من الفلسطينيين في ساحات المسجد المقدس.
– بعد إجراءات تهويد بعد احتلال القدس وبرغم الإدانات العربية والدولية، أقرت حكومة الاحتلال في عام 1980 ما أسمته قانون القدس الموحدة واعتبر شطريها الغربي والشرقي عاصمة لدولة الاحتلال.
– في فبراير عام 1974 كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن تفاصيل مشروع لمستقبل القدس يقضي بإبقائها موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، وتحديد عدد السكان العرب بالا يتجاوز 25% من مجموع السكان.
– في يناير من عام 1976 أقرت المحكمة المركزیة الإسرائیلیة حق اليهود في الصلاة داخل ساحات المسجد الأقصى.
– في يونيو 1994، اتهمت السلطات الفلسطينية إسرائيل بحفر نفق يشكل خطورة على الآثار الإسلامية حول المسجد الأقصى بالقدس.
– في عام 1995 تبنى الكونجرس الأمريكي ذو الغالبية الصهيونية قرارًا يلزم رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في اعتراف ضمني بأن القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لإسرائيل.
– في تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يونيو 2000، كانت المساحة الإجمالية للأراضي التي صادرها الاحتلال من مناطق 85% من إجمالي مساحة هذه المناطق.
– اقتحم الارهابي آرييل شارون في سبتمبر من عام 2000 باحات المسجد الأقصى ما تسبب في انتفاضة كبرى، تبعها ارتكاب قوات الاحتلال مجزرة بحق المصلين.
– في ديسمبر 2005 أقرت حكومة الاحتلال ميزانية بحوالي 15 مليون دولار أمريكي لتطوير ساحة البراق، والتي تعتبرها من التراث الديني اليهودي على عكس كل القرارات الدولية والأممية.
– في عام 2008، افتتح الاحتلال الإسرائيلي كنيس يبعد عن الجهة الغربية للمسجد الأقصى حوالي 50 مترًا فقط.
– في عام 2012، قررت بلدية الاحتلال في مدينة القدس تحويل ساحات المسجد الأقصى إلى حدائق وساحات عامة وتم فتحها أمام دخول اليهود وتحولت تبعية هذه الباحات إلى البلدية.
– ناقش الكنيست الإسرائيلي في أكتوبر من عام 2014 قانون يبيح تقاسم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا بين المسلمين واليهود.
– كشفت جمعة “حقوق المواطن في إسرائيل” أنه في الفترة بين عامي 1967 إلى 2014، جردت السلطات الإسرائيلية أكثر من 14481 من سكان القدس من إقامتهم.
– في يوليو 2017 نصبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي كاميرات عند مداخل المسجد الأقصى ونصبت بوابات إلكترونية تبعها مسيرات غضب فلسطينية في القدس. قبل ان تتراجع بعد الضغوط العربية التي أكدت أن إدارة شؤون المسجد ليست من حق الاحتلال.
– في نهاية نوفمبر الماضي صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار يوصي بتبعية مدينة القدس لإسرائيل. وأكدت 151 دولة أثناء التصويت أنه لا صلة للقدس بإسرائيل.
.. وفي وقت يُدرك الجميع ان القضية الفلسطينية تراجعت على جدول الاعمال الدولي وخصوصاً العربي, ولم يعد سِرّاً ما يقوله الاسرائيليون عن «عمق» علاقاتهم «السرية» (حتى الآن) ببعض العواصم العربية التي لا تُقيم معها علاقات دبلوماسية علنية، سراً او مخفياً.
… وفي خضم ذلك كُله، لا يتوقف الاسرائيليون للحظة واحدة عن المضي قُدماً في تنفيذ مخططاتهم المعروفة والمُعلنة في طمس الهويّة الفلسطينية على اكثر من صعيد, وفي دفع «الرواية» الفلسطينية ودحرها من التداول في المجتمع الدولي, ودائماً في تحويل الأقوال الى افعال ميدانية تمسّ جوهر الصراع وتأخذه الى منعطفات والتفافات, تُعزِّز الرواية الاسرائيلية وتجعلها غير قابلة للدحض او النقاش.
… وقد انتهت حكومة الاحتلال او كادت من تهويد القدس ولم تعد مسألة مدينة داود (اي بلدة سلوان الفلسطينية) مجرد اقوال او صك عقار اشتراه الملياردير اليهودي موسكوفيتش في تلك البلدة المقدسية، بل تحولت الى واقع وموقع سياحي وتنقيب على الآثار, يضاف اليها المبنى (سباعي الطوابق) الذي سُميّ على اسم الجاسوس اليهودي الاميركي الذي أُطلِق سراحه نهاية العام الماضي (جوناثان بولارد) وكان قد سميّ «مبنى جوناثان» قبل سنوات من اطلاقه.
الان بدأ مشروع «الأَسْرَلَة» وإن على استحياء او لِنقُل على نحو ادق في شكل «اختياري» وفق ما دأب عليه الخبث الاستعماري المعروف, الذي يترك في البداية فقط هامشاً من حرية الاختيار لمن يُريد ايقاعه في براثنه، الى ان يصبح الامر في النهاية اجبارياً تحت طائلة النبذ والطرد خارج اطار القانون, والمقصود هنا هو أسْرَلَة طلاب مدارس شرقي القدس الفلسطينيين, عبر اعتماد المنهاج الدراسي الاسرائيلي بدل المنهاج الدراسي الفلسطيني المُعتمد منذ سنوات طويلة.
وهنا يكمن الفخ الذي يقود الى الأسرلة بكل ما تحمله من دلالات سياسية وثقافية واجتماعية ومسماراً ثقيلاً اخر في تهويد القدس واخراجها من دائرة الصراع لصالح الاحتلال الصهيوني ومن يسانده على الباطل ضد حقوق الشعب الفلسطيني.
وعقب إعلان ترمب القدس عاصمة لدولة الاحتلال، ردت سلطات الاحتلال على احتجاجات الفلسطينيين بالقدس على القرار بمزيد من الممارسات القمعية، ومن بينها الاعتقالات والإبعادات التي توسّع نطاقها.
واقتصرت عمليات الإبعاد في السابق عن المدينة المحتلة عامة والمسجد الأقصى والبلدة القديمة خاصة، لكن هذه السياسة أصبحت مكثفة أكثر من خلال إبعاد المقدسيين عن أماكن تجمعاتهم السلمية للاحتجاج على ممارسات الاحتلال بحقهم، ووصل عدد المبعدين عن المدينة خلال الشهرين الماضيين لأكثر من 250 إبعادا لرجال ونساء وحتى الأطفال.
وتقوم سلطات الاحتلال بابعاد النشطاء الفلسطينيين عن أماكن الاحتجاجات السلمية بقرارات محكمة لتحقيق غايات سياسية معينة، وفق ضحايا هذه السياسة.
وسلطات الاحتلال – هنا – لا تستند إلى قانون واضح في ملفات إبعاد الفلسطينيين، لذلك أمست توجه لهم لوائح اتهام وتفرض عليهم الحبس المنزلي حتى إتمام إجراءات القضية أو إطلاق سراحهم لكن مع إبقاء الحبس المنزلي، الذي يضاف إليه الإبعاد عن موقع الإخلال بالنظام -على حد وصف الشرطة- في التهم الموجهة للناشط الفلسطيني، وهكذا يبقى الملف مفتوحا على ذمة القضية.
… والنقطة الأهم هنا تتعلق بإمكانية جعل القدس “يهودية “، بحيث تنخفض بهذه الخطوة نسبة الفلسطينيين في المدينة إلى حدود 20%، علمًا بأن نسبتهم الآن تصل إلى 37% من سكان المدينة.
وفعليًا، ضمت حكومة الاحتلال إلى حدود بلدية القدس ما يصل إلى 70 كيلومترًا منذ عام 1967، يقطن هذه المساحات الآن ما يصل إلى 66 ألف فلسطيني، يشكلون 24% من سكان ما تسميه إسرائيل “القدس الكبرى”.
… ومع هذا كله هناك هجرات كبيرة من قِبل المستوطنين اليهود، فوفق الإحصائيات فإن القدس استقبلت خلال العام الماضي 10 آلاف ساكن يهودي جديد، بينما غادرها 17 ألف..
وعلى الرغم من الإجراءات التي تحاصر بها حكومة الاحتلال الصهيونية المواطنين الفلسطينيين في القدس، إلا أن الإحصاءات تشير إلى زيادة النمو السكاني الفلسطيني من 66 ألف فلسطيني عام 1967 إلى 307 ألف فلسطيني اليوم داخل حدود بلدية القدس، وهو ما رفع نسبة الفلسطينيين إلى 36% من سكان المدينة.
وحتى الجدار الفاصل فشل في تقليل هذه النسب، وعلى الرغم من نجاحه في تدمير جزء كبير من حياة الفلسطينيين واقتصادهم إلا أنهم تمكنوا من البقاء والصمود بشكل أسطوري.
وعلى الرغم من ضخامة المشروع، “القدس الكبرى” .. هو مشروع صهيوني فاشل … !! فحكومة الاحتلال غير قادرة على ابتلاع مناطق شرقي مدينة القدس…!!!.
*كاتب اجتماعي وباحث سياسي/ دمشق