واشنطن تسعى لتغيير النظام في ايران.. هل نصدق؟
كمال خلف
لم اصدم شخصيا بكلام مسؤول إيراني رفيع نقلته وكالة” رويترز″ للأنباء قال فيه بأن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حول إيران تدل على أن واشنطن تسعى لتغيير النظام في طهران. لكن مازالت غير واثق من أن نوايا الرئيس ترامب هي لتحقيق هذا الهدف .
طهران محقة بالوصول إلى هذا الاستنتاج والتعبير عنه علنا ، حديث الرئيس روحاني أمس ردا على الشروط الأمريكية الاثني العشر التعجيزية، أشار إلى عودة السياسية الأمريكية 15 عاما إلى الوراء إلى عهد الرئيس جورج بوش الابن . هو تعبير يعادل القول أن الولايات المتحدة باتت تنتهج سياسية القوة في التغيير وفرض ارادتها . وجود جون بولتون كأحد أبرز المستشارين في بيت الأبيض يصب في ذات الاستنتاج ، هذا الرجل لديه قناعة بإمكانية تغيير النظام الإيراني .
قد تعمتد الولايات المتحدة الآن على تقديرات للوضع الداخلي الإيراني ، وعلى تقارير توليها أهمية كبرى مفادها أن بيئة تغيير النظام في ايران ربما تكون جاهزة اذا ما تلاقت مع إجراءات صارمة تزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي والمعيشي لإيرانيين ، وتجعل القادة في ضيق من زاوية الخيارات . وإن أسلوب الضغط العنيف سيولد شرارة التغيير التي يجب أن تبزغ من داخل ايران وربما من داخل النظام ذاته . وهو ما سيكون شارة النجاح الأولى التي ستعمل واشنطن على النفخ فيها حتى تندلع النار المرتقبة .
هي نظرية قديمة نسبيا ، وأثبتت عدم نجاعتها في الكثيرمن الدول التي حاولت واشنطن تغيير النظام فيها عبر تجفيف مواردها وعزلها . ولعل العراق بعد غزو الكويت مطلع التسعينات من القرن الماضي نموذجا ، اضطرت الولايات المتحدة التدخل مباشرة عسكريا لتغيير نظام صدام حسين ، في حين عزز الحصار مكانة الرئيس العراقي في العراق والمحيط العربي . وكانت النتائج كارثية للغاية جراء الغزو . لكن قدم النظرية أو السياسية لا يمنع واشنطن من تجريب المجرب . فهي عادت إلى ادعاء استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيماوية ونفذت ضربات عسكرية من خارج منظومة مجلس الأمن ، دون أن يكترث الساسة الأميركيون الجدد ، لتذكيرهم مرارا من قبل أقرانهم الروس والسوريون انهم فعلوا ذلك بزعم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ، والتي لم يجدوها بعد احتلال العراق عام 2003 .
كما أن إيران تكيفت عبر سنوات طويلة مع نظام العقوبات المشددة وحولتها إلى فرصة لزيادة الاعتماد على القدرات الذاتية ، في الصناعات المحلية والعسكرية ، وفي ابتكار نظام مصرفي ذكي جعلها تلتف على تأثير العقوبات وكانت وقتها أربع حزم صادرة عن مجلس الأمن بالإجماع .
لا أشك مطلقا في أن أجهزة الولايات المتحدة تراقب عن كثب مايدور في ايران ، سواء التظاهرات المطلبية أو حتى بعض الهتافات التي يطلقها بعض الايرانيين في ملاعب كرة القدم .في رصد حثيث لحركة المجتمع الإيراني وتطلعات فئة الشباب والنساء خاصة لأنماط الحياة ومستقبل بلادهم . “تماما كما تفعل إسرائيل ومعها واشنطن في دراسة مجتمع المقاومة والبيئة الحاضنة لحزب الله في لبنان “.
واشنطن تبني تصوراتها على هذا وعلى شيء من التناقضات في بنية النظام . ولكن أسجل أيضا هنا ملاحظة وهي أن القادة الأمريكيين في الإدارات المتعاقبة فاشلون لجهة فهم عمق التركيبة السياسية والاجتماعية وآليات التفكير الإيراني ، سواء على المستوى الشعبي أو مستوى النخبة السياسية . وهو أحد أهم أسباب عدم القدرة على التعامل مع إيران بالشكل المأمول لهم ، وهذا ينطبق على دول الجوار العربية .
رغم ما ذكرته آنفا أكرر بأني أشك في قدرة الولايات المتحدة الآن وفي ظل هذه الظروف المعاصرة على تغيير الأنظمة ، ولا أرى جازما أن الرئيس ترامب يخطط لهذا مع إيران حاليا .
فهو قال في خطاب الانسحاب من الآتفاق النووي مع إيران ” إذا كانت ايران مستعدة لعقد اتفاق جديد تستفيد منه ويستفيد منه الشعب الايراني فأنا جاهز ” وهذا كلام يؤشر إلى أن ساكن البيت الأبيض ليس إلا رجل صفقات ممتازة وليس رجل حرب ، سياسته قائمة على جلب الأموال وليس دفعها في حروب تستلزم نفقات بمئات مليارات الدولارات وربما أكثر بكثير .
هو يدفع بالتصعيد إلى حده الأقصى ليأتي بخصمه إلى طاولة يكسب منها أفضل صفقة ممكنه.
واما جون بولتون أو مايك بامبيو وآخرين على شاكلتهم داخل الإدارة فهم مستلزمات العمل الضرورية . يعلم الرئيس ترامب قبل أن يكتب شروطه على إيران أن الأخيرة سترفضها، هو عقل السماسرة وتجار العقارات . الإيرانيون كذلك مهرة بالفطرة في فهم عقلية السوق واالاعيب التجارة و البازار. ويعلمون جيدا ما لهم وما عليهم على امتداد المنطقة . وإذا كان ثمة نصيحة لإيران في هذا الوضع فهي زيادة جرعة التهديد لإسرائيل وقرنه ببعض الأفعال حسب تقديرات الميدان .
نحن اليوم في مرحلة التصعيد الجنوني ومحاولات خنق الخصم وارغامه على قبول الصفقة .
المواجهة اليوم مع إيران ، هي مواجهه لكسر دولة تقف حجر عثرة في وجه السياسيات الأمريكية و الغطرسة الإسرائيلية . وإذا كان بعض العرب من أبناء جلدتنا يفركون اكفهم فرحا بالتصعيد الأمريكي الإسرائيلي ضد إيران ، فإنهم سيكونون الخاسرين أيا كانت النتيجة . وعليهم أن يفكروا بعمق وبمصالح شعوبهم بعيدا عن الأحقاد والمراهقة السياسية والسذاجة المذهبية .
*كاتب واعلامي فلسطيني
رأي اليوم