لهذا قتل الإحتلال رزان..!
علي هويدي*
بالمعنى الفني والميداني لم تكن الشهيدة رزان تشكل أي تهديد للإحتلال، فهي المُسعفة التي ترتدي ثوبها الأبيض التقليدي، وقالت في أكثر من مكان بأنها متطوعة تقدم الإسعافات لجرحى “مسيرة العودة”. لكن رزان شكّلت حالة من التهديد الإستراتيجي لمستقبل الكيان المحتل ليس بشخصها فحسب، بل بما تملك من شخصية قوية وجرأة وحضور وطلاقة حديث واستخدامها للمفردات وللعبارات الملهِمة والمؤثرة والتي يستمد منها من هم من عمرها 21 سنة وأصغر منها وأكبر؛ العزيمة والصمود والشجاعة والإقدام والمبادرة بلا خوف أو وجل.
من تابع المقابلات الإعلامية للشهيدة رزان أشرف النجار التي قتلها الإحتلال وهي تُسعف جرحى “مسيرة العودة” يوم الجمعة 1/6/2018 وتعرّف على طبيعة عملها التطوعي كممرضة وقرأ كتاباتها وتابع مشاركاتها في وسائل التواصل الإجتماعي، وكذلك تابع نوعية وسائل الإعلام التي أجرت معها المقابلات لا سيما صحيفة نيويورك تايمز التي غطت استشهادها، لا يستطيع إلا أن يستنتج بأن رزان اغتالتها آلة الحرب الصهيونية عن سابق إصرار وترصد وتخطيط محكم.
لم يرى الإحتلال في رزان إلا حالة إبداعية لشابة فلسطينية متميزة ومشروع وطني فلسطيني واعد عنوانه التضحية بالنفس في سبيل الحفاظ على الثوابت، وسيكون له تأثير مباشر على مستقبل كيانه المصطنع، ولهذا لم يتردد في قتلها.
والشهيدة رزان ليست الحالة الوحيدة التي تبوّأت هذا المنصب وهذا التأثير، فقد سبقها – وفقط منذ إنطلاق حراك مسيرة العودة في الثلاثين من آذار 2018 ذكرى يوم الأرض- الإستهداف المباشر للشهيد فادي أبو صلاح مبتور القدمين أمام كرسيه المدولب، والصحفي ياسر مرتجى وهو يرتدي ملابس الصحافة، والطفلة وسيلة الشيخ خليل، والطفل محمد أيوب، وغيرهم من النماذج.
جاءت عمليات القتل الممنهج لرزان وغيرها من النشطاء لإحداث نوع من الصدمات لدى المشاركين في “مسيرة العودة”، فهؤلاء الشهداء يمثل كل واحد منهم النموذج القدوة والمُلهم والمحفز للإنخراط في “مسيرة العودة” والإحتلال يبحث عنهم بين المشاركين لاغتيالهم واحداً تلو الآخر، معتقداً أن إستهداف هؤلاء سيخيف الأطفال عن المشاركة، أو سيردع النساء، أو سيوقف العمل التطوعي ويثني فرق العمل الطبية عن القيام بمهامها، أو سيخيف المصابين وذوي الإحتياجات الخاصة، أو سيُرهب الصحفيين عن القيام بمهامهم، لكن معطيات الأرض تُثبت عكس ذلك تماماً.
يدرك الإحتلال بأن ما يقوم به من أعمال قنص وقتل وإستخدام مفرط للقوة مخالفاً لجميع الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية التي أقرتها وثيقة جنيف الرابعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإتفاقية حقوق الطفل، والسؤال الجوهري يكمن في ما الذي يدفع الكيان الإسرائيلي المحتل لهذا التمادي في إستهداف مدنيين سلميين عُزّل يرفعون شعار مطالباتهم بتحقيق عودتهم المشروعة إلى بيوتهم التي طردوا منها على أيدي العصابات الصهيونية إبان النكبة في العام 1948 بعد أن تخلى عنهم المجتمع الدولي منذ ما يزيد عن 70 سنة هي عمر النكبة، ويطالبون بفك الحصار الظالم عنهم منذ أكثر من 11 سنة والذي يمهد لاعتبار غزة مكاناً غير قابل للحياة في العام 2020 حسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش .
لطالما اعتبر الإحتلال نفسه بأنه “دولة” فوق القانون وخارج إطار المساءلة ويضرب بعرض الحائط جميع القرارات الدولية التي تساند وتدعم الحقوق الفلسطينية متسلحاً بالفيتو الأمريكي الحاضر أمام أي مشروع دولي يدين ممارسات الإحتلال في مجلس الأمن، وكذلك مستنداً إلى عجز الكثير من الدول الأوروبية على المستوى الرسمي من إتخاذ أي إجراءات عقوبية ولو على الأقل على المستوى الإقتصادي أو الدبلوماسي.. في المقابل تشكل إنتهاكاته المستمرة وارتكابه لتلك الجرائم المزيد من حالة العزلة الدولية والغضب الشعبي على مستوى العالم، وما حجم الإدانة الدولية للإحتلال الإسرائيلي على قتله لرزان وللمدنيين الفلسطينيين إلا خير إثبات ودليل وهذا يعطي مؤشر آخر على أن هذا الإحتلال حتماً إلى زوال.
جريمة قتل رزان وغيرها ستضاف إلى السجل التراكمي للكيان الإسرائيلي المحتل الحافل بأعمال القتل وستبقى شاهداً ووثيقة دامغة لا لَبْس فيها عن تورط الإحتلال، فهذه جرائم لا تسقط بتقادم الزمن وعاجلاً أم آجل سيُحاسب المجرمون، وسيبقى الشعب الفلسطيني في منهجه المُتبع منذ قرن من الزمان، يقاوم حتى زوال الإحتلال واسترجاع الحقوق.
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 4/6/2018