من حرب الكامب إلى حرب ترامب حلقة (6)
مجدداً خارج وداخل، رفض وقبول، دمشق/طهران والنفط
د. عادل سمارة
منذ عام 1975 لم يكن غريباً عليَّ الانتهاء الرسمي لِ :م.ت.ف إلى ما هي عليه اليوم، ولذا لم استغرب سقوطها في اتفاقات اوسلو التي رفضتُها تماما ومباشرة ولا زلت. ولم أرَ اختلافاً حقيقياً بين أوسلو وصفقة القرن سوى في الدرجة وليس في النوع. فكل شبر لم يملأه العدو كان لقلة الجهوزية البشرية الاستيطانية أو المالية.وما الإعلان عن القدس كعاصمة أو ضم الأغوار سوى تأكيد المؤكد وتعبئة وقت الإعلام. ذلك لأن فلسطين منذ 5 حزيران 1967 هي دولة لكل مستوطنيها مباحة لهم، نقاومهم ما وسعنا الجهد.
وأقصد ب م.ت.ف ليس القيادة بل كافة الفصائل المنضوية ضمنها وكافة الفصائل التي قبلت وتماهت مع أتفاقات أوسلو وخرجت علينا بزعم وخديعة أن أوسلو هي”نقل العمل إلى الداخل” وهو نقل القيادة تحت إبط الإحتلال وبقاء الشعب في الشتات. لا لا أبداً فنقل قواعد حرب الغُوار إلى الداخل هو فقط إلى أرض محررة.
من حينها بدأ مشروع تدمير نفسي مبرمج عبر التصرف وإشعار الناس بأن المجيء بموجب أوسلو هو جسم سياسي/سيادي فتوهم كثير من الناس بأنهم يعملون في أجهزة سياسية ومدنية ومخابراتية لدولة عادية، ولشدة وهمهم تصرفوا وسلكوا طرق الفساد والنهب والقمع ومشاركة العدو افراحه وأتراحه حتى التعزية بجنرالاته الذين شبعوا في قتلنا…الخ.
تحت وهم “مناطق محررة” شاركت الفصائل وقطاعات شعبية في انتحابات مجلس الحكم الذاتي ورئاسة الحكم الذاتي مما أعطى السلطة فرصة ابتلاع م.ت.ف وبالتالي فرصة التغوُّل في كل شيء حيث لجأ تحت جناحها كل هؤلاء مهما كابر بعضهم بزعم أنه ضد أوسلو وهو غارق فيها حتى أنفه.
لم أتخيل أوسلو سوى منظمة أنجزة كبيرة، تعيش على :
ريع مالي من أنظمة جميعها عدوة لشعبنا أي صهيونية
وريع استراتيجي من جانب الكيان ملخصه أن أوسلو هي فترة إنتقالية لممارسة الضم التدريجي لكل شبر صار في معدة الكيان متسع له.
لذا، يُجمع الناس هنا بأن كل ما تقوم به السلطة حتى في الشأن المدني العادي، مثلا، الموقف مما يُسمى “القتل على الشرف” هو بتنسيق مع العدو الذي يتابع انفاس الموتى.
ورغم أن رئيس السلطة قالها عديداً ولكن كابر الكثيرون إلى حد أنهم لم يفهموها حينما قال” أنا لا استطيع الخروج من بيتي بدون إذن إسرائيل، والتنسيق الأمني مقدس، وصواريخ غزة عبثية…الخ”، وأنا ضد العمل المسلح، وجرى فعلا تطبيق هذا سواء بالتنسيق الأمني أو الاعتقال ولا أوضح من قضية الشهيد باسل الأعرج/المثقف المشتبك.
كان “الأكثر حظاً” من فهموا هذا، فأمعنوا نهبا وقمعاً لأنهم يعلمون بان مصير سلطتهم هنا برضى الكيان الذي أراد للسلطة إهلاك البلد، أي:”إهلكوا البلد واسمنوا” وهذا حصل.
لذا، لا جديد في موقف رئيس سلطة الحكم الذاتي للضفة والقطاع بعد صفقة القرن ولا ضرورة لتحليل حديثه الواضح أمام شاشات الدنيا في مؤتمر وزراء خارجية الدول القطرية بأنه ضد العمل المسلح، فهو هكذا دوما وحقاً، فأين الغرابة؟ قد تكون فائدة هذا التكرار هو خلع الغشاوة عن عيون البسطاء، أما القطط السمان فتعرف كل شيء ولذا تربح وتكسب وتنهب وتتعنتر وستستمر.
حديث رئيس السلطة قبل يومين، وحديثه في مجلس وزراء خارجية الجامعة موجه في الحقيقة لفلسطينيي المحتل 1967 ومحتواه: إسمعوا، سلطة الحكم الذاتي والأنظمة العربية، والعالم الرسمي مع صفقة القرن بتخريجات متعددة، ولذا سوف تبقى السلطة كما هي ملتزمة بالعلاقة مع “إسرائيل” كما كانت وأقل من ذلك، وللتخفيف من الوطأة سوف نستخرج تسميات ومظاهر مختلفة شكلا ومكررة جوهريا.
إذن، من يطلب من هذه السلطة أي رفض لصفقة القرن هو غائب عن وعي الحقيقة، فهي إذا ما:
ألغت التنسيق الأمني
والاتصالات مع الكيان،
تعرف ونحن نعرف أن الكيان سوف إما:
يقطع عن الضفة والقطاع الهواء
أو يدخل ويعيد الاحتلال المباشر
و/أو يعيِّن فريقا من بين ظهرانينا ليعمل لديه كزمرة عسكرية مخابراتية لتحكم كما يريد وأكثر على شاكلة معظم انظمة القُطرية أو حزام جنرالات امريكا الجنوبية في سبعينيات القرن الماضي، أي انقلاب على طريقة “جوايدو” فنزويلا، ولكن بجيش دايتون.
وفي كافة السيناريوهات الثلاثة “لا يحتاج النهار إلى دليل”:
لذا، حتى حينه يجدر بنا فهم ثلاثة أمور:
السلطة لن تحل نفسها.
المستفيدون من السلطة معيشيا، ناهيك عن الفاسدين يشكلون أكثر من نصف المجتمع وسيقاتلون لبقائها وإن حصل انقلابا فهم من بين مكوناته وداعميه، وهذا ما لم يفهمه كثيرون بمعنى أن إقامة السلطة كان بناء على خبرة الاستعمار لقرون: بأن إخلق كتلة محلية بيدها المال والسيف وستحكم كما تريد أنت. لذا، كان حل السلطة ذاتياً ممكن في البداية وفقط.
الكيان لن يحل السلطة، وستواصل عملها الإداري والمدني، وقد تلغي التنسيق الأمني العلني ولكن دون المساس بجهازه العملي.
معترضة: العدو لا يحتاج إلى جهاز تنسيق أمني علني ورسمي، له عملاء من مختلف الطبقات، كما للشعب فدائيين من معظم الطبقات. بعد اعتقالي وهدم بيتي 17-12-1967 خرجت عام 1972 وسكنت في رام الله وأقمت مزرعة دواجن صغيرة في القرية. جاء جيش الاحتلال ذات ليلة وقلب المزرعة عاليها سافلها، سالتهم أمي “وكانت صلبة جدا”: أخذتوه؟ ضحك الضابط وقال لها:”لئه ، الساعة تمانيي ونص بتكون هون زي كل يوم”.فبالتأكيد لم يكن هناك جهاز تنسيق أمني!
من جانبه لم يتغير العدو بل استمر في الحفاظ على الصراع تناحريا إلى درجة أنه يقرأ علينا مزاميره يومياً بأنه يأخذ كل شيء، ومعظم الحكام العرب يكررون هذه المزامير بلكنة عبرية ، ولكن هناك من يصر على تجاهل هذا الوضوح رغم ما به من الوقاحة والإذلال لنا وللعرب .
وهذا ما يجب أن يُبنى عليه:
بقاء السلطة كسلطة حكم إداري ذاتي أي بالدور الذي مُنح لها من أوسلو أي بدور إداري مدني داخلي دون إعاقة ولا إعلان تنسيق أمني تام ومكتمل لأن هذا شرط بقائها.
أي فصيل مقاوِم عليه الخروج إلى محور المقاومة إما حاملاً معه م.ت.ف لتعود ممثلة لشرف وحق شعبنا في وطنه عبر مسيرة التحرير والعودة، أو تشكيل م.ت.ف جديدة على هذا الأرضية حتى لو حصل تنازع تمثيل بين الداخل والخارج.
وبهذا نتخلص من كوننا حضانة التطبيع، كي نستعيد الشارع العربي.
قد يسأل البعض، هل سيتم رأب الانقسام؟ أقول، “ويأتيك بالأخبار من لم تزود” فالمسافة بين السؤال والجواب قصيرة.
مجدداً، صار لا بد من الانقسام بشكل آخر: قسم مع محور المفاوضات والتسوية وقسم مع محور المقاومة لأن هذه الحقيقة القائمة. ولكن هل يصبح تقسيم عمل وتنسيق دون اشتباك؟ لا ندري.
أخيراً، حبذا لو يتوقف محترفو النُواح ضد العرب، فرغم كل وهن الواقع العربي بقي هو أساس بقائنا وإلا لكان المصير كمصير السكان الأصليين في جميع المستوطنات الرأسمالية البيضاء.
لكن اليوم، إختلف الأمر:
لم يعد الواقع العربي مجرد أدوات وتوابع ومحايدين وفقط:
هناك محور التوابع بغض النظر عن اطروحاته
وهناك محور المقاومة بموقفه الصلب رغم الحروب عليه.
وهذا المحور هو المتغير الإيجابي التاريخي الذي نبني عليه وننخرط فيه.