من حرب الكامب إلى حرب ترامب (حلقة 7 )
كل عدوان وأنتم كما شيء لكم!
د. عادل سمارة
الأكيد بأن صفقة القرن أُعلنت في أفضل لحظة من زمن الثورة المضادة وأدنى لحظة في زمان العروبة، ليس ترامبو غبيا ولا نتنياهو مجرد خائف من السجن.
وضاعةُ زمننا السياسي والثقافي (أقصد الشخوص طبعاً)، وليس الزمن أو الثقافة نفسيهما. وما كان بالوسع ردُّ أو نسبُ هذه الوضاعة إلى الهزائم العسكرية، ولكن إلى استدخال الهزائم والتماهي معها وحتى السعادة بها مما يوجب النقد كيَّاً بالنار.
على كارثية حرب 1967 كهزيمة معممة ليست نتائجها هي الأخطر رغم الخروج التدريجي لهذا النظام أو ذاك من المعركة ورغم تآمر هذا النظام أو ذاك ” كيانات النفوط”، أساسا لإلحاق الهزيمة بمصر وسوريا حينها ، إلا أنها لم تتمكن من إعلان حربها الدين-سياسية حتى مكَّنها النظام المصري بقيادة السادات فاتحا الباب أمام “الرئيس المؤمن-كارتر” وإخراج مصر من العروبة قبل إخراجها من الصراع، وتغذية قوى الدين السياسي في مصر والتي كانت قد عادت من بلاد النفوط بمخزون المال ومجلدات ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وطبعا بطبعات في واشنطن حيث القوميسار السياسي/الفكري! واستكمل المناخ المثير لشبق الطابور الثقافي السادس خروج أحزاب من المضمون العروبي مما ولَّد مناخ الحُلول حيث حلت/شغلت قوى الدين السياسي كتصنيع غربي راسمالي محل قوى حركة التحرر الوطني/القومي العربية.
كان بدء تشريع الكارثة/كسر المحرَّم القومي هو تدمير العراق 1991 سواء بمشاركة الدولة القُطْرية أو الاغتباط بالتدمير وصولا إلى احتلال العراق 2003 . كان الاحتفال بتدمير العراق حفل صيد طراد مقدس وجماعي! اختلط فيه الراقصون من ذكور وإناث ومخاصي ويمين ويسار وماركسيين وقوميين وإقليميين ومؤمنين وملحدين وما بعد حداثيين وأكاديميين ليصب ريْع ذلك كله في جيب الفحل الإمبريالي وبيدقه قوى الدين السياسي في العراق وغيره، إلى أن وصل الحال تسابق بيدَقَيْ الدين السياسي في العراق على تبادل التعري في مخدع الأمريكي في بغداد، إذ انتقل البيدق الشيعي إلى رفض الاحتلال وانتقل البيدق السني إلى استدعائه لمضاجعة رخيصة! وتكررت الحالة ضد ليبيا رغم وضوح كارثة العراق، وها هي تلهث كي تتكرر في سوريا واليمن وعلى نطاق معولم.
منذ ذلك اليوم، كان لا بد من تبلور تيار عروبي يرفض الدولة القطرية بالمطلق، لكن استدخال الهزيمة ولَّد مؤخرا مع حلول “الربيع العرهابي” فتوى “الدولة الوطنية” وهو مصطلح تسطيحي وبلا معنى سوى حماية الفكر والكيان القُطريْ الجمهوري في مواجهة الربيع “العر-هابي”.
قد تقُل لي كان الفتك بالمحرم القومي نتاج خطأ صدام، أقول لك الخطأ في التوقيت وإجراء الحسابات وليس المبدأ، ولكن هذا لا يغفر ابداً لا المفاخرة ولا الاغتباط بالعدوان والدفاع عنه والمشاركة فيه.هذا إذا تجاوزنا، وكنا حمقى، عن حقيقة أن الاستهداف ضد الوطن العربي كان سينتظر أخطاء صدام وما تدمير ليبيا ومن ثم سوريا واليمن سوى شواهد لصالح ما ازعم، وتحديداً الانتقال المعادي من الاستهداف إلى الاستباحة. وبعد او خلال كل هذا، لا قيمة كبيرة لكون الكيان الصهيوني مشاركاً في هذا الدتار الهائل أم لا، فيكفيه بانه ظل الجالس على ماكينة قبض الأرباح، بل الريوع.
دعني أنقلك إلى الحُمولة الهائلة للكارثة ، اي تقويض العمق العروبي وبإهانات واضحة ومقصودة نفسياً:
احتلال العراق، وإعدام صدام يوم العيد، ثم احتلال ليبيا وإعدام القذافي بأبشع وأحط وأدنى اسلوب لا يعجب سوى الغرب المريض، فحينما علمت هيلاري رودني كلينتون قفزت من مقعدها في حالة شبقٍ لم نعرفه، ثم محاولة احتلال سوريا وإعدام كامل الشعب العربي السوري، والآن محاولات مستميتة لاحتلال اليمن وسخرية ترامبو من حكام الخليج خاصة كمن يتحدث عن صبي بال في ثيابه، كل هذه من موجبات ومغريات توقيت الإعلان عن صفقة القرن.
هذه تمت جميعها على أرضيتين:
الأولى: فهم الأمريكي ما قاله تشرشل عام 1945 حيث صناعة “جامعة الدول العربية” إفعل ما اقول ولن يعترض اي كلب عربي بمعنى أن الأنظمة مرتبطة والشعب بين مُضَّيعٍ ومقموع.
والثاني: أن الأنظمة في معظمها تقاتل الأمة نيابة عن العدو الغربي والصهيوني.
والهدف المقصود إنجازه وحصل هو : إنتهاك المحرَّم القومي.
هذا الترابط الواضح وضوح الشمس في حرب العدو على كامل الوطن العربي يخدمه تفكك الوضع العربي والاحتراب البَيْني. فجيوش الإرهابيين الذين تمولهم أنظمة الخليج تبادليا، قطر فالسعودية فالإمارات فالكويت فالبحرين فعمان ، وتشاركهم معظم الأنظمة والقوى التابعة الأخرى ولو فقيرة، هم الذين يقاتلون الشعب العربي من المحيط إلى الخليج.
وجيوش المرتزقة السعودية والإماراتية تدير حرب مذبحة مهزومة ضد اليمن.
جميل!
إذا كان كل هذا لم يُقنع بعد من يثرثرون بأن صفقة القرن هي ضد فلسطين وحدها، وصدَّها يجب ان يكون فلسطينياً، فنحن في متاهة ربما الخيانة افضل منها.
لا يقلقني أحدهم من الخليج حين يقول هذا القول بمأمور من سيده من جهة وسيده مأمور من الخارج من جهة ثانية، وعاجز عن تشغيل عقله من جهة ثالثة، بل يقلقني الطابور السادس الثقافي بأجنحته اللبرالية والدينية والماركسية والقومية والمِثْلية،(لا تؤاخذونا، الم يتطوع المثليون من اوروبا للقتال-متعدد الوجوه- في سوريا) الذي يحصر الصراع بين الفلسطيني والكيان، اي بين الفلسطيني والثورة المضادة (الثلاثي الإمبريالي-امريكا اوروبا واليابان، والكيان الصهيوني، أنظمة العرب التابعة)، ومع ذلك يتوخى هذا الطابور ان تقبل الثورة المضادة بدولة واحدة مع الكيان الاستيطاني، أو دولتين ! ولكن، ليس للفلسطيني اي كيان في حساب الثورة المضادة/طبعة صفقة القرن بل الاحتفاظ بالنفط الرسمي العربي والنفط الشعبي العربي ، اي السوق.
باختصار: في هذا الصراع كتناقض تناحري، هناك مرتكزان لا تصنعهما سوى مقاومة عروبية شاملة:
الأول: لا عودة فلسطينية بغير التحرير
والثاني: لا مستقبل للوطن العربي وتوحيده دون تحريره من الاحتلال الداخلي والخارجي.
من يقف خارج هذين، واسمحوا لي: هو عميل، فلا تتغنّجوا بنعومة اولاد البرجوازية الصغيرة، أو الطبقة الوسطى كي لا يزعل تافهو تصيُّد الكلام.