من حرب الكامب إلى حرب ترامب (حلقة 9)
بين احتلال المصطلح وهندسة الذات والمصطلح
د. عادل سمارة
دافعان لكتابة هذه الحلقة:
الأول: احتلال الإمبريالية للمصطلح الاشتراكي
والثاني: تكيُّف يسار “عربي” تبعياً مع هذا الاحتلال
الأول: نشر مؤخرا الصديق نعمان عبد الواحد Nu’man Abd Al-Wahid مقالاً كتبه د. جوزيف مسعد بالإنجليزية، تحت عنوان
MIDDLEEASTEYE.NET:How the US empire stole the left’s ideas. Middle East Eye/ Joseph Massad
وترجمته بتصرف ونشرته “عرب 48” تحت عنوان “كيف سرقت الإمبراطورية الأميركية أفكار اليسار؟”
ذكَّرني مقال جوزيف بما كتبته قبل خمس عشرة سنة عن الموضوع نفسه، ولكن ضمن إطار أوسع هو قيام اليمين باغتصاب أو سرقة مضطلحات اليسار:
“…في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي وتدهور الثورة العالمية في الربع الرابع من القرن العشرين ، شهد العالم ، بلا شك ، حملة رأسمالية لإنهاء التراث الاشتراكي بجميع جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. أسفرت هذه الحرب الرأسمالية ضد التنمية عن انتصار ب “شقين”: أحدهما بالتحديد حول العمل والآخر على البشرية. سيطر هذا “الانتصار” على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وامتدت هذه الحرب إلى استخدام المصطلحات الاشتراكية واللغة المتعلقة بالتنمية. يستخدم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الوقت الحاضر العديد من المصطلحات الاشتراكية مثل التنمية بدلاً من التحديث. حتى وقت قريب ، كانت التنمية غريبة على الخطاب الرأسمالي حيث اعتبرتها مضادة لتطلعاته. يعد اختطاف المصطلحات واللغة أحد أخطر الأفعال بما هي اداة لسيطرة النظام الرأسمالي على العمل يتمدد إلى أبعد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية ويزحف إلى خطاب العمل. ونظرًا الى أن اللغة عنصر مهم في المقاومة ، فإن هذا الفعل يهدف إلى اقتلاع الشكل المحدود للمقاومة التي تحاولها الطبقات الشعبية اقتلاعا مرة والى الأبد، يسد بدوره الطرق أمام الثوري.” ( انظر كتابي:
BEYOND DE-LINKING :DEVELOPMENT BY POPULAR PROTECTION vs. DEVELOPMENT BY STATE 2005.P.3
)
وقد عدت لأكتب عن نفس الموضوع عام 2012:
18- احتلال المصطلح
يعود نحت هذا المصطلح إلى التطورات السياسية العالمية التي تضمنت تفكك دول الاشتراكية المحققة وهيمنة المركز الرأسمالي العالمي أي حقبة العولمة، حيث بدأ الزعم بنهاية التاريخ وخلود الرأسمالية. في هذه المرحلة جرى نهب المصطلحات الاشتراكية من قبل الثورة المضادة حيث أخذ المصرف الدولي مثلا يستخدم مصطلحات مثل التنمية والتنمية المستدامة ليعطيها معانيَ لا تمت إلى معناها الأصلي بصلة. هذا الاحتلال هو جزء من الحرب الفكرية بين الاشتراكية والرأسمالية أو من الصراع الإيديولوجي.
تكمن خطورة اغتصاب المصطلح في تأثيرها على الثقافة التقدمية والاشتراكية مما يخلق حالة من ميوعة المصطلحات الإشتراكية و إفراغها من محتواها الطبقي ومن ثم الإنساني، وهذا من العوامل التي تقود إلى دعم أُحادية الثقافة الغربية الرأسمالية على حساب الاشتراكية بل على حساب مختلف الثقافات أو التعدد الثقافي العالمي.
ليس احتلال المصطلح بالأمر الطبيعي والساذج، بل هو موجه ومقصود. فتسمية العالم العربي مقصود بها نفي تسمية وحقيقة وجود وطن عربي، أي أنها تسمية مقصود بها إنكار وجود أمة عربية. وتسمية الضفة والقطاع كأجزاء من فلسطين باسم فلسطين بعد اتفاق أوسلو هو نفي لوجود فلسطين التاريخية وإقرار بأنَّ المحتل 1948 هو إسرائيل. لقد دأب الاستعمار قديمه وحديثه على تسمية خبيثة هي الشرق الأوسط، وهي تسمية عسكرية مقصود بها عدم اعتبار الوطن العربي وحدة جغرافية واحدة، فدأب الاستعمار على توزيعه في تسمية فضفاضة هي “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. (انظر كتابي الصادر عام 2013 (ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة ص 313)
والثاني: محتوى بيان صدر باسم اليسار “بمناسبة أو رداً على صفقة القرن:
أشرنا أعلاه إلى دور الأكاديميا والثقافة البرجوازية في حقبة العولمة. وهذا أمر متوقع في الحرب الإيديولوجية التي ركز عليها إنجلز.
واليوم، في سياق الهزيمة و استدخالها، وتساوقاً مع سطو السياسة والخطاب البرجوازي على المصطلح الماركسي قامت قوى واحزاب يسارية وشيوعية بالتنصل من الخطاب الماركسي من جهة والتخلي عن المصطلحات الجغرافية والقومية متبنية مصطلحات الإمبريالية والصهيونية عن ذاتها هي ، ذواتها هي.
وقد يكون بيان ” بيان ملتقى المنظمات والحركات الشعبية في المنطقة العربية والمغاربية” المنشور على صفحة حزب العمال(تونس) 3 شباط 2020
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2625639004151130&id=426183570763362
، ونشرته على صفحتي يوم 4 شباط وعلى صفحات نبض الوعي العربي يوم 6 شباط الجاري وفي موقع كنعان الإلكتروني يوم 6 شباط تحت عنوان ☹وأخيرا…بيان أيتام اليسار …وأخرجت الأنجزة أثقالها: من حرب الكامب إلى حرب ترامب حلقة 8)
نظراً لتحليلنا لهذا البيان الذي يعتبر نموذجا على هندسة الذات طبقا لشروط استدخال الهزيمة، نكتفي هنا بالتذكير بعنوان هذا البيان وهو ( ملتقى المنظمات والحركات الشعبية في المنطقة العربية والمغاربية”) الذي يحتوي ثلاث نقاط قاتلة:
الأولى: تساوقا، مع خطاب الأنجزة، تم وضع إسم “منظمات والحركات” أي تم التخلي عن تسمية أحزاب مع أن الموقع الذي نشر البيان هو موقع حزب. وهذا مفهوم في دور الأنجزة لتذويب وتمييع الأحزاب ذلك لأن اية ثروة تشترط وجود حزب ثوري لقيادتها وهذا ما تسعى الأنجزة لمسحه من الثقافة الثورية.
والثانية: استخدام تسمية “المنطقة العربية” بدل الوطن العربي لإحلالها محل المشرق والمغرب العربيين، والتي هي تسمية العروبة بمضمونها الثقافي والتاريخي والذي لا يتجاوز على مختلف المكونات و الثقافات والإثنيات الشريكة في الوطن العربي. وقد يكون التشويه أقل حِدَّة إذا كان المقصود ب “المنطقة العربية والمغاربية” كمنطقة واحدة، هذا رغم تجريدها من الوطني العربي والمغاربي”. وهذا يردنا إلى حق مختلف االإثنيات الأخرى في الوطن العربي، فهل ندرجها ليصبح الإسم مقالاً كاملاً؟
والثالثة: أن المؤتمر عُقد بإشراف حزب، وليس منظمة أنجزة! فهل أصبح حزب العمال في تونس جمعية خيرية أو منظمة أنجزة؟
بين احتلال السياسة والفكر الرأسمالي للمصطلح الآشتراكي،وبين تساوق وتبعية قوى “يسار” وتكيفها مع هذا الاحتلال والسطو، تغيِّر خطابها بل وتسطو عليه، لأنه كما يبدو تغير يعكس جوهرها، وقد لا نبالغ إذا قلنا بأن هذا التغيير، في المؤتمر على الأقل، هو بموجب شروط تمويل منظمات الأنجزة ومن ورائها.
متعلقات