رغمًا عن الجميع.. الانتفاضة الثالثة وشيكة جدًا!
زهير أندراوس*
“إذا كُنّا مُدافِعين فاشِلين عن القضية فالأجدر بنا أنْ نُغيِّر المُدافعين، لا أنْ نُغيِّر القضيّة” (الشهيد غسّان كنفاني).
في الثالث من تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، عندما كان أرئيل شارون، رئيسًا لوزراء إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة. شيمعون بيرس، حذّر في الجلسة من أنّ عدم موافقة إسرائيل على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبًا على العلاقات الأمريكيّة-الإسرائيليّة. شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، والتي لم ينفِها رئيس الوزراء آنذاك، ردّ على مطلب بيرس بالقول: “لا تقلق بشأن الضغط الأمريكيّ، نحنُ الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك…. أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين. اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونغرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. النفوذ اليهوديّ يُهيمِن تمامًا على الساحة الأمريكيّة، وسفارة تل أبيب في واشنطن هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود الأثرياء جدًا في أمريكا”.
***
ولا غضاضة في هذا السياق من الاستعانة بالكاتب الإسرائيليّ التقدّميّ، غدعون ليفي الذي كتب في صحيفة (هآرتس) العبريّة: “يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلِف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمُرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يُفجّر انتفاضة الـ87، أدخلناهم السجون وقلنا سنُربّيهم في السجون وبعد سنوات، وبعد أنْ ظننا أنّهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضةٍ مُسلحةٍ عام 2000، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونُحاصِرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعيّ (عاموس) ويُدخِلون الرعب إلى كلّ بيتٍ في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ، خلاصة القول، يبدو أننّا نُواجِه أصعب شعبٍ عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال”.
***
إلّا أنّ شهادة الكاتِب الإسرائيليّ أعلاه، تقّل أهميتها وحجمها وتتقزّم عندما نقتبِس أقوالاً من المُحاضرة التي ألقاها الجنرال كيث دايتون، الذي شغل منصب المُنسِّق الأمنيّ الأمريكيّ بين إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة، وذلك يوم 7.05.2009 في معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، حيث قال: “أتولّى رئاسة فريقٍ صغيرٍ من الضباط الأمريكيين والكنديين والبريطانيين والأتراك…. دعوني أٌعلن بشكلٍ واضحٍ وجليٍّ عن قناعتي الراسخة، علمًا أننّي أقول هذا لأصدقائي الإسرائيليين وبشكلٍ مُستمِّرٍ، إنّ الروابط بين أمريكا وإسرائيل غيرُ قابلةٍ للانفصام لا اليوم، ولا غدًا وستبقى إلى الأبد.. في قناعاتي كنت جنديّ مدفعية، وهذا مُهِّمٌ لأنّ رجل المدفعيّة تعلّم كيفية “ضبط النيران” فأنتَ تُطلِق الطلقة الأولى بحيث تكون أكثر قربًا مُمكِنًا من الهدف، مُستخدِمًا كافة المعلومات المتوفرة حولك، ثمّ تُطبِّق تلك المعلومات على الطلقات التالية وتضبط الإحداثيات حتى تصيب الهدف. وهذا ما فعلناه، على وجه التحديد، أنا والفريق بالشرق الأوسط. لقد أصبحنا متعمقين في فهم سياق وديناميكيّة الصراع من وجهة نظر الجانبين، وذلك من خلال التفاعل اليوميّ معهما على أرض الواقع، وتبعًا لذلك ضبطنا تحديد الهدف، وظهر إلى الوجود مكتب التنسيق الأمنيّ الأمريكيّ، في مايو 2005، كمجهودٍ لمساعدة الفلسطينيين على إصلاح أجهزتهم الأمنيّة، إذْ لم تكُن قوات الأمن الفلسطينيّة تحت سلطة عرفات قادرة على إنجاز التماسك الداخليّ، وليس لديهم مُهِّمَة أمنيّة واضحة أوْ فاعِلة”. وكشف دايتون النقاب عن أنّ فريق التنسيق الأمنيّ الأمريكيّ “خلق كيان أوْ جهاز يُهدّئ مخاوف الإسرائيليين حول طبيعة قدرات قوات الأمن الفلسطينيّة”.
***
ولا بُدّ من التشديد على المقطع التالي من أقوال الجنرال الأمريكيّ: “دعوني أقتبس لكم، على سبيل المثال، ملاحظات على التخرج من كلمةٍ لضابطٍ فلسطينيٍّ كبيرٍ من الخريجين وهو يتحدث إليهم في اجتماعٍ لهم في الأردن، حيثُ قال: لم تأتوا إلى هنا لتتعلّموا كيف تُقاتِلون إسرائيل، بلْ جئتم إلى هنا لتتعلّموا كيف تحفظون النظام وتصونون القانون، وتحترمون حقوق جميع مواطنيكم، وتطبقون حكم القانون من أجل أنْ نتمكّن من العيش بأمنٍ وسلامٍ مع إسرائيل”.
***
الجنرال دايتون بدأ عمله في العام 2005، أيْ أنّه منذ 15 عامًا تترّبى الأجيال من عناصر الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة على أنّ الهدف من تدريبهم ليس مُحاربة إسرائيل، بلْ العمل من أجل العيش بأمنٍ وسلامٍ معها، وتهدئة مخاوف الإسرائيليين من طبيعة وقدرات قوات الأمن الفلسطينيّة، أيْ خلق “الفلسطينيّ الجديد”، وبالتالي لا يستغرِبنَّ أحدٌ إذا قامت هذه الأجهزة بقمع أيّ احتجاجٍ أوْ انتفاضةٍ ضدّ الاحتلال، ردًّا على “صفقة القرن”، ذلك أنّ وظيفتها “ليس مُحاربة إسرائيل، بلْ العيش معها بسلامٍ”، وعليه، لا نُريد مُجرَّد التفكير بحربٍ أهليّةٍ، بل نُعوِّل على الحسّ الوطنيّ العربيّ-الفلسطينيّ لأفراد الأجهزة الأمنيّة، والذين حاولت أمريكا والكيان والرجعيّة الفلسطينيّة والعربيّة غسل دماغهم ومُحاولة “رشوتهم” بالرواتب، وبالتالي، رغم الدعم الأمريكيّ للدولة العبريّة، وعدم التكافؤ في القوّة بيننا وبين الكيان، إلّا أننّا على قناعةٍ تامّةٍ بأنّ المارِد الفلسطينيّ سينتفِض، وسيؤكّد لكلّ مَنْ في رأسه عينان أنّ الشعب الفلسطينيّ هو شعب الجبّارين!
*كاتبٌ عربيٌّ من فلسطين
رأي اليوم