الصيف ضيَّعت اللبن…الهروب من التنمية بالحماية الشعبية (حلقة 1)
الشركات العاملة في المستوطنات
د. عادل سمارة
كانت النتيجة الحقيقية بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 هي تحويل كامل فلسطين إلى دولة واحدة لكل مستوطنيها، الأمر الذي استوجب نضالا فلسطينيا في مختلف المستويات، نضال فرض عينِ لا فرض كفاية الأمر الذي جعل كل حديث عن دولة و دولتين مشاغلة لوقت الناس خدمة لتصفية الوطن.
أصدر مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقريرا عن شركات لها علاقات تجارية مع مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية وحصره في 112 شركة فقط.
والشركات معظمها “إسرائيلية” وبينها شركات امريكية وبريطانية وفرنسية وهولندية ومن لكسمبورغ.
ولكن قبل نقاش هذا، لا بد من مقدمات ما.
لعل أتعس موقف تتخذه سلطة او حزب او شخص حينما يبدأ شغله من وعلى آخر خبر أو تطور ليكون موقفه بلا تاريخ. ولا نقصد هنا التاريخ البعيد والعميق، ولكن ما هو قبل سنوات أو عقود.
ودون توسيع الأمور، فإن هذه المسألة هي جزء من الإشكالية الاقتصادية في فكر م.ت.ف، أو تحديدا “لا” فكر م.ت.ف الاقتصادي وفلسطينيين آخرين، وطبعا لا اقول الفكر التنموي وإلا لَغَوْت.
فمن جهة م.ت.ف لم تبلور سياسة اقتصادية للأرض المحتلة منذ تكوينها سواء بقيادة الشقيرى او عرفات ولاحقاً سلطة الحكم الذاتي.
أكثر ما صدر عن م.ت.ف تلك القصيدة المتخيلة عن تحويل الضفة والقطاع إلى دولة وعلى نمط تايوان. كيف تخيل هؤلاء هذا؟ لا أدري وخاصة الراحل د. يوسف صايغ. كان يجب ان يفهم الفلسطيني على الأقل بأن الإمبريالية لن تخلق هنا تايوان غير تايوان الصهيونية لأن تايوان صنيعة إمبريالية اصلا ناهيك بأن الإمبريالية خلقت الكيان ليغتصب كامل فلسطين. (ناقشت هذا في أطروحتي للدكتوراة المنشورة 1991) .أما الأموال التي امرت امريكا أنظمة الخليج بإغراق م.ت.ف بها فذهبت في مجالات التضخيم الإعلامي او توظيفات ومنها الصندوق الفلسطيني التي افتقرت إلى الشفافية ولم نلمس لها تاثير هنا. طبعا ناهيك عن شراء ذمم في لبنان وتمويل الانعزاليين.
كان من المفترض أن يكون لهذه الأموال دور في تحويل الانتفاضة الكبرى 1987 إلى انتفاضة تنموية وثقافية وليس فقط خصيها إلى محاولة سياسية لتوليد دولة لم تأتي ولن تأتي. أي نقل التحرير إلى نقيضه الاستدوال. وقد كتبنا عن هذا كثيرا عن وجوب التنمية بالحماية الشعبية، ولكن!
ومن جهة ثانية، ذهب اقتصاديون في الأرض المحتلة منذ 1967 باتجاه رفض طرحنا لفك الارتباط بالاقتصاد الصهيوني ونظَّروا لاندماج اقتصاد المحتل 1967 في الاقتصاد الصهيوني مأخوذين بثقافتهم الأمريكية المتخارجة، بل حتى كانوا ضد الشغل على الضغط باتجاه علاقات بالاقتصادات العربية حتى لو كمطالب.وهؤلاء يمكن تسميتهم بالاتجاه الصهيوني بين الاقتصاديين المحليين. ومن الطريف ان هؤلاء حتى حينما اشتعلت انتفاضة 1987 وقامت الطبقات الشعبية بمقاطعة منتجات العدو أصروا على البقاء “تلامذة” عند الاقتصاديين الصهاينة الذين كتبوا عن الأرض المحتلة وخاصة سيمحا باهيري وركزوا على بقاء وتوسيع علاقات التعاقد من الباطن.
ومن جهة ثالثة، هناك من ابتهجوا أكثر بسلام راس المال/أوسلو وأخذوا يطرحون سيناريوهات الاندماج والتطبيع. مثلا رجا الخالدي الذي دعى لرباعية موحدة: “اقتصاد الكيان، والضفة وغزة وفلسطينيي 1948” ولاحقا تحول إلى ناقد للسياسات النيولبرالية!!!
أما سلطة الحكم الذاتي فكانت ثالثة الأثافي. لقد بلورت سياسات أمنية ، شُرطية، مخابراتية، تطبيعية، إنفاقية، شراء ذمم، بينما لم تضع سياسة اقتصادية ذات توجه إنتاجي، كي لا نقول تنموياً. وفي موقفها من العلاقة باقتصاد الاحتلال، كانت كلما سخنت الأجواء تتحفنا بشعار “مقاطعة منتجات المستوطنات”. فيتم الصراخ والشعارات والمسيرات لأيام ثم تعود الأمور إلى ما هو أسوأ.
متعلقات
الصيف ضيَّعت اللبن…الهروب من التنمية بالحماية الشعبية (حلقة 2)
الصيف ضيَّعت اللبن…الهروب من التنمية بالحماية الشعبية (حلقة 3-الأخيرة)