“كيف نرى الحياة نحن البشر ؟”
ابراهيم امين مؤمن
أحيانا كثيرة نرى الحياة نحن البشر بالعين التي تعبر عن عقيدة نتبناها ، كذلك قد نراها بعين تعبر عن مقدار ما تحصّلنا عليه من سيادة أو تعثرنا فيها فأوقعتنا في ذل العبودية ، وعلى ذلك فنلبس الحياةَ رداءً غير الذي ترتديه ، ونسميها بأسماء ليست لها.
وسأتكلم الآن في شأن السيادة والعبودية من خلال نزهة أو حادثة وقعت بين سيد اسمه السيد ، وعبدهُ الحكيم واسمه العبد ، وكانت النزهة على ضفاف شاطئ بحر وقت الغروب.
فهيا بنا نذهب معا للنظر كيف ينظرا للحياة من خلال السيادة والعبودية ، ثم لننظر هل نحن نفكر مثلهما !.
الحادثة ..
مضى السيد قاصدا التنزه على شاطئ البحر وقت الغروب ، واصطحب معه بعض جند قصره وعبده الذي يحب أن يسمع منه دائما نظرا لِما يتمتع به من حكمة وفصاحة ، وأحبَّ السيد ذلك رغبة منه أن يسمع حكمته وبرهانه بعد أن أمنه فيدحضهما ويدروشهما ظنا منه أن السيادة ستمنحه الحق والغلبة فضلا عن بلاغة البيان ، بينما العبودية ستضفي على صاحبها كل قبيح وهو كذلك بالفعل.
قال السيد وهو يشير بسبابته للعبد وهو يشمخ بأنفه ..
ألا ترى يا هذا حمرة الشمس عقيقاً أحمر أو مرجان كخاتمي الملكي هذا (يرفع الخاتم بأصبعه في وجه عبده)، أو كلون الدم يسري ويتدفق في عروقي وقلبي هذا (يشير إلى قلبه وعروقه بكلتا يديه)، صمت هنيهة ثم تابع كلامه مستنشقًا ..
أو زينة وطيب من أزهار المرجان استنشق عبيرها فيطيب أنفي وتلذ عيناي.
تهبني كل نعمة يا العبد ، ثم تغرب بعد أن منحتني القوة في ليلٍ أنعم فيه بالنساء والخمر والرقص والغناء.
قال العبد..
أرى في غروب الشمس نوم المعذبين ، أنام في زنزانة مصفّد الأغلال بعد كدّ يوم طويل في نقل أغراضكم وتلبية رغباتكم وأنا اُضرب بالسياط على ظهري يا سيدي.
أما لونها فهدْر دمائي تحت أقدامك.
يأتي الليل يا أيها السيد لأبكي على ضحكاتك ، وتراقصني رغما عني رقصة المذبوح على ألحانك التي تلذك وتلذ نساءك.
قال السيد ..
ألا ترى البحر .
يتمطّى بصلبه فيقترب مني حبّاً وودّاً ، يرميني بشذرات مائه فتتطاير على وجهي أُنساً وطيباً .
ألمْ ترَ تراقص أمواجه ؟ كم ذكّرني برقصتي سامرًا بكأس الخمر في الليل.
ألم ترَ تلاطم أمواجه احتضانا وحُباً ؟ كم ذكّرني بمضاجعة إمائي ليلا.
ألم ترَ يا حقير كم في أعماقه من الكنوز واللآلئ .
كم أعطى الخير لي لأني مختلف عن باقي البشر .
وكم سرتُ بسفينتي في باطنه فسيّرني ودفعني وأخرجني من شطآنه عزيزاً قديراً .
قال العبد…
يتمطى بصلبه ليدفع منه قروش البحر لتأكلني ، وأنت تأكل حتى بعد الشبع يا سيدي ، فكنت أنت الآكل وأنا المأكول.
تتطاير دفقاته شظايا من لهيب تشوه وجهي كلطمك لي في الليل والنهار ، في السر والعلن.
وما في أعماقه إلا ظلام حالك كظلام نفوسكم الذي قبع في كل جوارحكم..
وانتم بالفعل مختلفون عن البشر من خلال طقوسكم التي تؤدونها على وطء رقابنا وثقب آذاننا.
وما تلاطم أمواجه سيدي ؟
إنه الموت يا أيها السيد الخالد أبدا . أتذكر !
يوم أن أوقفتمونا نحن العبيد في صفّين ومعنا الحرابى والسيوف ، ثم أطلقتم صفارتكم الإسرافيلية إيذانا بالالتحام والتقاتل ، فكنا ندفع بعضنا بعضا أملاً في الحياة ، وأنتم تحدقون فينا لتتمتعوا بقتال حقيقي ، هذا هو طلاطم الأمواج سيدي .
ودماؤنا كانتْ زبد بحورِكم ، هذه هي ملحمة الفناء في عيوننا وسمفونية أسطورية تطرب آذانكم .
كنوز ولآلئ … كنوز ولآلئ ..
ألم نحضرها لكم بعد معارك شرسة مع القروش والحيتان !
فكانت لنا مصارعة الموت وكانت لكم جمال الزينة .
قال السيد ..
كم في الثرى من حياة.
وكم في الرياح من نسائم .
قال العبد ..كم في الثرى من قبور .
وكم في الرياح من عواصف تمزق أشرعة سفننا فنموت ونطفو غرقى.
قال السيد ..
لولا أنّي أمّنتكَ لقتلتُك من أول وهلة فكفى ، كنت أظنك ترى ما أرى وما رؤياي إلا سبيل الرشاد.
قال العبد .لما أمنتني حررتني ، ونعمت بحرية الكلمة ، ولأول مرة أشعر أني حر من الأحرار ، وأني أتنعم في الجنة.
وسوف يأتي يوم ونرى فيه الغروب والبحر بالنظرة التي رأيتها أنت ، فالبشر هم البشر لا يتغيرون أبدا ، والأيام دول يوم لك ويوم عليك.