و علينا أن نواصل التظاهر بالخرس
بشير شريف البرغوثي
ما الذي يدعو الإنسان إلى التفكير بالنظام العقلي العام بدل التركيز على النظام السياسي؟
لأن النظام السياسي هو الجزء فقط من منظومة و آليات تفكير و عمل متكاملة ..
في عالم الصناعة .. كان فورد صانع السيارات الأمريكي يخير الزبائن بين الوان متعددة .. “يمكنك شراء هذه السيارة السوداء أو تلك السيارة السوداء أو السيارة السوداء هناك… ” يحتج الزبون ” و لكنها كلها سوداء ” فيرد فورد .. كلا عليك أن تقتنع بالفوارق بينها و إلا فلن تحصل على سيارة طول عمرك…
و ظلت السيارات السوداء رمزا للوجاهة و الإعتبار .. العبث هنا لا يتعلق بطلاء السيارات بل بالنظام العقلي الذي يقرر الشراء من عدمه في ظل وجود لون واحد فقط !
مع تعافي اليابان و المانيا و دول أوروبا و ظهور قوة روسيا و الصين بعد الحرب الثانية .. فكر الأمريكيون طويلا في سبل السيطرة و الحفاظ على التفوق التنافسي ..
استمرت الأبحاث من الستينيات و حتى أواسط الثمانينيات .. و النتيجة : قامت النهضة الأوروبية على المنطق و الجدل .. يجب تغيير هذا النظام الفكري باستغلال قدرة الدماغ البشري ليس على الخضوع إلى المعتقدات المستقرة في قحف الجمجمة بل بالإعتماد أيضا على خاصية القدرة على إطلاق نماذج جديدة تزاحم القواعد المستقرة في الدماغ و تحولها إلى قوالب نمطية يثور عليها العقل المتطور تدريجيا
ثلاث نماذج تفكيرية عصية : روسيا و الصين و بريطانيا و ” المسلمين” – لا بد من تغييرها
بخطوات “ثورية” …
هنا لا بد من إيجاد طرق تفكير جديدة … هذا اوتستراد مزدحم و السير عليه بطيء .. لا بد من اعتماد مسارات جانبية شريطة ان نكون على علم و يقين بأن المسار الجانبي سيؤدي إلى الوصول إلى الهدف
انطلقت مدرسة التفكير الجانبي من مختبرات علم النفس إلى ميادين الإنتاج الإإقتصادي والعمل السياسي
نجحت اول تجربة في بريطانيا و صار حزب العمال أقرب حتى من حزب المحافظين إلى تبني السياسة الأمريكية .. بدأت التجربة تنجح في الصين و لكنها اصطدمت بقوة و إستدامة العلاقات العائلية الممتدة و لكن المدرسة نجحت في روسيا نجاحا باهرا .. و رفعت أمريكا قبعتها لغورباتشيف
في مؤتمر مدريد “للسلام” حصلت اختناقات مرورية معقدة … ارتبكت الخارجية الأمريكية و أرسل وارن كريستوفر أنه لم يعد قادرا على تمييز المفاوضين الإسرائيليين من العرب ..
إتباع المسار الجانبي هو الحل العملي الوحيد ..
كنا نسمع مصطلح الجبهات .. الجبهة الشمالية و الجبهة الشرقية و الغربية .. و فجأة طغى مصطلح جديد ” المسارات”
و كانت أوسلو هي المسار الجانبي الأسهل … و صار اسم الخط هو المسار الفلسطيني !
كان ذلك معروفا على نطاق واسع و منذ التسعينيات ..
صعب الآن .. صعب جدا .. أن أصدق أن أمريكا لم تكن تعلم بأوسلو
كان حلم أو أمل أو وهم إقامة الدولة الفلسطينية طاغيا على الفلسطينيين و على العرب و لكل أسبابه
لكن الجميع “تناسوا” حقيقة أن امريكا التي كانت تهد الدول الدينية و القومية و الوطنية على قدم و ساق لن تكون في وارد خلق دولة جديدة !!!
الآن أصبح الأمر أكثر وضوحا : لن تكون أمريكا و لا روسيا و لا الصين و لا دول أوروبا و لا كثير من العرب مهتمين بخلق دولة فلسطينية ..
و لكن .. لا بد من الإستمرار في التزيين !
و تظل المشكلة : ليست المشكلة في النظام السياسي بل في النظام العقلي المتقولب حول فكرة دولة من دون مقومات !
مواضيع متعلقة
و للخرس بقية و بقايا .. فانخرسنا مرة أخرى