زوال الصهيونية شرط لإحلال السلام في الشرق الأوسط!!
محمود كعوش*
مثله مثل كثيرين من المثقفين اليهود الواقعيين المنتشرين في أصقاع المعمورة، استبعد كاتب يهودي بريطاني إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، أقله في الوقت الحالي. وفي جرأة غير مسبوقة، أنحى هذا الكاتب أيضاً باللائمة على العقيدة الصهيونية التي اعتبرها خطراً داهماً على مستقبل المنطقة بما فيها الدولة العبرية ذاتها والديانة اليهودية التي يعتنقها أبناؤها.
ورأى الكاتب جون روز في كتابه “أساطير الصهيونية” الذي نشره بالإنكليزية قبل عامين وصدرت نسخته العربية حديثاً أن الصهيونية هي العقبة الرئيسية وأن إزالتها هو شرط أساسي لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، لأن “تهديدها لا يقتصر على الفلسطينيين فحسب وإنما يشمل مستقبل الديانة اليهودية نفسها”.
وأضاف أن عدداً من “الإسرائيليين” الذين سبق لهم أن عملوا في المؤسسة الصهيونية أصبحوا الآن “يخافون حقاً من الوحش فرانكنشتاين الذي أسهموا هم أنفسهم في خلقه”، مشيراً إلى أنهم يحاولون الانفصال عن المشروع الصهيوني الذي تنتمي إليه جذورهم. ورأى أن أبرز إسهامات هؤلاء الذين قال إنهم يمثلون اتجاه ما بعد الصهيونية هي مساعدة مؤرخين ومفكرين يهود في تكثيف حرب الدعاية ضد الصهيونية في أوروبا وأمريكا، وصولاً إلى تحرير فلسطين في المستقبل.
وكان الكتاب قد نُشر لأول مرة في عام 2004 وصدرت ترجمته العربية التي أنجزها أستاذ التاريخ المصري قاسم عبده قاسم بعد عامين عن “مكتبة الشروق الدولية” في القاهرة. وتقع الترجمة في 283 صفحة من الحجم الكبير.
وُلد الكاتب جون روز في بريطانيا عام 1945 من عائلة يهودية متشددة. ومن كتبه الشهيرة التي سبقت كتابه الأخير كتاب “إسرائيل الدولة الخاطفة.. كلب حراسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
ومن خلال متابعته ومراقبته الدقيقتين للممارسات الإسرائيلية بحق العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وجد أن المقارنة بين الدولة العبرية ودولة الفصل العنصري السابقة في جنوب أفريقيا هي مقارنة صادقة، حيث أدرك كبقية خلق الله المتجردين من نزعاتهم وعصبياتهم الدينية حقيقة مهمة جداً في الوقت المناسب وهي أن البنية المستبدة للدولة العنصرية يجب أن تتفكك قبل أن تعصف بها ثورة دموية.
ومن الجدير ذكره أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أصدرت في عام 1975 قراراً اعتبرت فيه الصهيونية حركة عنصرية ما لبثت أن ألغته في عقد التسعينيات بفعل الضغوط الأميركية المكثفة. ثم دعا مؤتمر دربان بجنوب أفريقيا في أيلول 2001 إلى إعادة اعتماد ذلك القرار، إلا أن الضغوط الأميركية على دول العالم حالت دون ذلك.
وقدم الكاتب في كتابه “أساطير الصهيونية” آراء “إسرائيليين” طالبوا بإلغاء ما سُمي “قانون العودة الإسرائيلي” الذي قضى بمنع الفلسطينيين من العودة إلى بلادهم منذ أكثر من نصف قرن في حين قضي زوراً وبهتاناً بأن “من حق أي يهودي في أي دولة في العالم الالتحاق بإسرائيل”، مشيراً إلى أن إلغاء هذا القانون سيقوض دعامة مهمة من دعائم الصهيونية.
ولم يتردد في البوح أن الصهيونية تتجاهل المكون العربي ـ الإسلامي في التاريخ اليهودي ، ولا ترى سوى “المعاناة اليهودية” خلال فترات النفي لا سيما في أوروبا، وأسطورة النفي هذه جلبتها من قصص الكتاب المقدس لفترة ما بين هدم المعبد في القدس على يد القائد الروماني تيتوس عام 70 ميلادية واغتصاب فلسطين عام 1948، إذ أنه وفقاً لما أطلق عليه أسطورة النفي “فإن اليهود الذين كانوا يعيشون خارج فلسطين يعتبرون منفيين طوال تلك القرون”!!
واعترف بأن السياسيين “الإسرائيليين” عادة ما يستشهدون بحكايات الكتاب المقدس عن أرض “إسرائيل القديمة” لتضليل الآخرين. كما اعترف بأن الصهيونية مبنية على سلسلة من الأساطير والمفاهيم الزائفة، واصفاً ما حدث للفلسطينيين في عام 1948 بالتطهير العرقي، ومؤكداً إن حقهم في العودة هو أيضا شرط أساسي لنجاح أي تسوية لمعضلة الشرق الأوسط.
ولم يغب عن بال الكاتب أن يشير إلى أن دافيد بن جوريون أول رئيس حكومة للدولة العبرية وأكثر زعماء الصهيونية تعصباً لقوميته وكرهاً للعرب في القرن العشرين “تباهى مرة بأن الأسطورة يمكن أن تصبح حقيقة إذا ما آمن الناس بها بالقدر الكافي “. وأعاد للذاكرة أن بن جوريون كان قد استخدم بدهاء ومهارة خفة اليد الثقافية فتلاعب بحرفية نادرة بقصص الكتاب المقدس ونجح في جعلها تناسب مع المزاعم السياسية للصهيونية على الأرض الفلسطينية، محملاً إياه مسؤولية تدمير أي احتمال لمصالحة بين البلدان العربية والدولة العبرية.
وكشف جون روز في كتابه عن أن “الرائد الصهيوني” بن جوريون الذي ولد في بولندا عام 1886 اعترف للسلطات البريطانية مع بدء الانتفاضة الفلسطينية ضد الحكم البريطاني والمستوطنات الاستعمارية الصهيونية في عام 1936 أن “الكتاب المقدس هو مصدر الملكية”، وهو ما اعتبره روز “مفهوماً جغرافياً سيئاً للرؤية الصهيونية”.
وأقر بأن الصهيونية التي حملت وعداً بتحرير اليهود كانت حركة في الاتجاه المضاد، مشيراً إلى أنها بعد الحرب العالمية الأولى ساعدت على تقوية الاستعمار البريطاني للعالم العربي. كما أقر بأن الدولة العبرية المصطنعة حديثا لم تكن سوى رصيد استراتيجي لمخططات الولايات المتحدة الإمبريالية الجديدة للمنطقة العربية، وفي كل من الحالين كانت الصهيونية معتمدة على القوى الإمبريالية الغربية بالمطلق.
وفي ما يمكن اعتباره خلاصة درامية منطقية وهادفة، أنهى الكاتب اليهودي البريطاني جون روز كتابه “أساطير الصهيونية” بالقول أن “ظل اللاجئ الفلسطيني سيظل يطارد إسرائيل والإسرائيليين مادياً وسياسياً وأخلاقياً ونفسياً وعسكرياً إلى الأبد”، أي بمعنى أوضح ” أن من أطلقوا عليه في القرن الحادي والعشرين تسمية الانتحاري الذي يفجر نفسه ليس إلا ذلك اللاجئ الذي لم يُسمح له بالعودة إلى وطنه”. وبذلك يكون قد شهد شاهد من أهله جديد. اللهم كَثِرْ من أمثال جون روز بين اليهود، واهدهم للسراط المستقيم.
*كاتب وباحث فلسطيني