قمة الرياض العربية والتخلي عن عروبة فلسطين
د. غازي حسين
أدّت هزيمة البلدان العربية في حربي عام 1948 و 1967 العدوانيتين إلى اغتصاب العدو الإسرائيلي لكل فلسطين التاريخية من رأس الناقورة حتى رفح ومن البحر إلى النهر.
فأطلق القائد العربي جمال عبد الناصر مقولة: “ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلّا بالقوة” ، والتزمت جميع الدول العربية في قمة الخرطوم بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني و بعروبة فلسطين واسترداد الأراضي والمياه والحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة.
جاءت قمّة الرياض العربية بعد تفجيرات 11 أيلول وبعد الحرب الأمريكية العدوانية على العراق في آذار2003، وتخلّت عن قرارات قمة الخرطوم إرضاءً للولايات المتحدّة الأمريكية واليهودية العالمية ويهود الإدارات الأمريكية وإسرائيل حفاظاً على كراسيهم وحماية للإمارات والممالك التي أقامتها بريطانيا وتحميها أمريكا.
تخلّت قمة الرياض العربية عن قرارات القمم والمؤتمرات العربية السابقة وتنازلت عن عروبة فلسطين وقدمتها على طبق من ذهب للعدو الإسرائيلي، واستبدلت لاءات الخرطوم الثلاثة التي أجمع عليها الشعب والأمة وجميع الدول العربية واستبدلتها بنعم لبيع فلسطين لليهودية العالمية لقاء حماية العرش السعودي.
لذلك تستحق قمة الرياض تسميتها بقمة الثلاث نعمات: نعم للتفاوض معها ونعم للاعتراف بها والتطبيع الجماعي معها، على الرغم من الحروب العدوانية والمجازر الجماعية والقتل والدمار والخراب الذي مارسته إسرائيل في فلسطين والبلدان العربية واستمرار النكبة والهولوكوست الإسرائيلي ، وتصعيد الاستعمار الاستيطاني، والأبارتايد الإسرائيلي أخطر وأبشع أبارتايد على كوكب الأرض، فما هي الأسباب التي دفعت بآل سعود وثاني ونهيان على تغيير لاءات الخرطوم إلى ثلاث نعمات في قمة الرياض؟؟
يجمع المحللون السياسيون الإسرائيليون ومنهم شلوموغازيت هذه الأسباب إلى ضعف المجموعة العربية، وعدم وجود قواسم مشتركة اليوم توحّد مصالح الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وفقدان أي إجراء سياسي أو عسكري موحّد، ودور (اتفاقات الإذعان) الموقّعة في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربه، والتهديد المستمر للأوضاع الداخلية ( والخارجية) في البلدان العربية.
وأبدى شلومو غازيت رأيه في التسوية في صحيفة معاريف الصادرة في 10 نيسان 2007 قائلاً: “يجب أن نتوقع سلفاً الخطر الذي يغشانا إذا ما انهارت نظم الحكم المعتدلة التي حولنا، لإسرائيل اليوم فرصة سياسية نادرة لا يجوز لنا أن نضيّعها”.
وأعلنت الجامعة العربية بعد قمة الرياض مباشرة التي تسيطر عليها السعودية وقطر والطاغية المخلوع حسني مبارك نيّتها عن إرسال وفد من وزراء الخارجية العرب إلى إسرائيل لعرض المبادرة العربية التي وضع أسسها الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان وقدّمها إلى ولي العهد السعودي الأميرعبد الله وطرحتها السعودية في قمة بيروت العربية عام 2002، ووافقت عليها وأصبحت تُعرف بالمبادرة العربية والتي تخلّت عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتنازلت لإسرائيل عن 78% من مساحة فلسطين، وتضمّنت فيما بعد تبادل الأراضي لضم كل كتل المستعمرات للعدو الإسرائيلي.
اعتبرت افتتاحية هآرتس الصادرة في 16 نيسان 2007 إن زيارة الوفد العربي المكوّن من وزيري خارجية مصر كامب ديفيد أبو الغيط (سيء السيرة والموقف) والأردني المتصهين والمتأمرك ناصر الجودة أنها ” تقدّم انعطافة تاريخية في شبكة العلاقات بين إسرائيل والدول العربية ويمتلك صلاحيات مزدوجة: صلاحيات من الجامعة العربية التي توجّهت لإسرائيل مباشرة في إطار قمة الرياض،وصلاحيات من خلال الرباعية العربية “.
وثمّنت الصحيفة الإسرائيلية خطوة قمة الرياض قائلةً: “ليس من الممكن المبالغة في أهمية المبادرة العربية والتوجّه العربي مباشرة لإسرائيل، وذلك لأنّ هذه المبادرة عبارة عن خطوة تنفيذية ومحاولة للإقناع الفعّال، ولأول مرة تقوم الدول العربية بعرض خدماتها كوسيط، ليس فقط وإنما عبر رؤية أوسع نطاقاً تضع المصلحة الإقليمية أمام ناظريها وتبدي استعدادها لتبنّي إسرائيل كجزء من الحل وليس فقط كجزء من المشكلة”.
ووصل أبو الغيط وعبد الإله الخطيب إلى إسرائيل في 25 تموز 2007 تنفيذاً للتوجّه الجديد لقمة الرياض، ووصفت الصحف الإسرائيلية زيارتهما بأنها تاريخية، وذلك لأنّ الوزيرين يأتيان لأول مرة كممثلين رسميين للجامعة العربية، واجتمعا مع رئيس الوزراء أولمرت ومع سفاح قانا شمعون بيريس وزارا الكنيست.
وقال الرئيس الإسرائيلي أبو مفاعل ديمونة الذري شمعون بيريس أنّ زيارتهما تشكّل تشجيعاً للسلام، وأكّد لهما كما ورد في هآرتس الصادرة في 26 تموز2007 قائلاً: ” لديّ احترام حقيقي للقيادة الفلسطينية، أبو مازن وسلام فياض شريكان حقيقيان في السلام (الإسرائيلي)”.
وأوردت صحيفة يديعوت الصادرة بتاريخ 26 تموز 2007 ما قاله الوزير الخطيب عن زيارته لإسرائيل ” كانت هذه زيارة عظيمة وتاريخية، كلنا مقتنعون بأنّ هذا النزاع لا يمكن أن يُحل بالوسائل العسكرية بل فقط بالمفاوضات التي تسمح بالوصول إلى تحقيق الحل الوسط التاريخي”.
فأين العظمة والفرادة التاريخية التي تحدّث عنها الخطيب وأبو الغيط ؟؟
تحلم إسرائيل والأغنياء اليهود في العالم بالتغلغل في الأسواق السعودية وبقية بلدان الخليج النفطية، ويعتقدون أنّ السعودية قادرة على جر البلدان العربية والإسلامية للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها وإنهاء الصراع وتصفية قضية فلسطين.
ولخّص الكاتب الإسرائيلي حقيقة الموقف في هآرتس الصادرة في 29 تموز 2007 من السعودية قائلاً : “السعودية أصبحت الحلم الرطب لمقرري السياسة في إسرائيل بعد أن صار الأردن و مصر في الجيب، فإسرائيل تعيش ذروة موسم مغازلة جديد، إمّا السعودية أو لا شيء، هاتوا السعودية و ستحصلون على مناطق، من يريد لإسرائيل أن تقبل المبادرة السعودية فليعمل على أن يجلب السعودية أولاً”.
وكشف الكاتب الإسرائيلي السبب الحقيقي لإصرار إسرائيل على إحضار السعودية إلى المؤتمر بوش قائلاً : “إذا وافق عبد الله ملك السعودية على لقاء رئيس إسرائيل أو رئيس حكومتها سيُسيّر كل زعماء العرب باتجاه القدس وتصبح إسرائيل عندها حقّاً جزءاً لا يتجزّأ من الشرق الأوسط”.
وسجّل الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل الدور الخاص المميز الذي قامت به المملكة السعودية لإنهاء الصراع وقال: “سجّلت السعودية إنجازاً هامّاً على نحو خاص عندما ودون أن تتشاور مع أي زعيم عربي عرضت مبادرة السلام الخاصة بها (مبادرة اليهودي فريدمان) وجعلتها المبادرة العربية، وهكذا تكون قد أحدثت إجماعاً جديداً في الشرق الأوسط، هذه بنية تحتية جديدة للتفاهمات لإنهاء النزاع الإسرائيلي العربي”.
إنّ تغيير قرارات القمم والمؤتمرات العربية الذي جرى في قمة الرياض وفي مبادرتي الأمير فهد وولي العهد الأمير عبد الله تعود إلى هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على السعودية وعلى بقية الإمارات والممالك العربية في الخليج، وارتهانها عند التأسيس ببيع فلسطين العربية لليهود حمايةً لأنظمتهم المعادية لشعوبها و لأمتها وحفاظاً على مصالحهم الشخصية وكراسيهم، وبسبب التمزّق السياسي الذي مارسته لخدمة الأجندات الغربية المعادية للعروبة والإسلام والوحدة العربية وقضية فلسطين، وتحقيقاً للمخططات والاستراتيجيات الأمريكية والصهيونية.
فالتسوية التي يسعى الرئيس الأمريكي المتصهيّن ترامب والمنحاز أصلاً انحيازاً أعمى للعدو الإسرائيلي هي في صالح ترسيخ وجود “إسرائيل” بالاعتراف الفلسطيني والعربي بها، وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وإقامة التحالف الجديد بين مملكتي آل سعود وإسرائيل بقيادة واشنطن وتوجيهه ضد حركات ومحور المقاومة ومواجهة إيران، فالحل النهائي الذي من المتوقّع أن يفرضه ترامب ودول الخليج على المفاوض الفلسطيني الهزيل والضعيف والمروّض و المتصهين هو الحل الإسرائيلي لقضية فلسطين لتخليد وجود إسرائيل وقيادتها لبلدان الشرق الأوسط، وضد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني والأمة العربية وحقوق العرب من مسلمين ومسيحيين والشعوب الإسلامية وبتوقيع قيادة فتح وحماس، بعد أن غيرّت حماس وثيقتها السياسية ليقبلها ترامب في مبادرته وتحقيقاً للتوصية التي قدمتها أجهزة المخابرات الإسرائيلية بوجوب توقيع فتح وحماس على الحل النهائي لتصفية قضية فلسطين وانهاء الصراع العربي الصهيوني واقامة “اسرائيل” العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.