ورقة اللاجئين والابتزاز التركي
الدكتور خيام الزعبي
هدد الرئيس أردوغان مراراً وتكراراً أوروبا بفتح الأبواب على مصراعيها أمام اللاجئين للتدفق إليها عبر اليونان في نهاية فبراير 2020، كونها لم تساعده في الحرب التي يخوضها في سورية، مؤكداً أن بلاده ستبقى أبوابها مفتوحة أمام الراغبين بالتوجه إلى أوروبا ، وبرر أردوغان ذلك بالقول إن تركيا غير قادرة على تحمل المزيد من اللاجئين الهاربين من المعارك الدائرة في الشمال السوري.
لكن حدة تصريحاته خفًت تجاه دول أوروبا، وتحولت نبرته من التهديد إلى ما يشبه الاستعطاف وتقديم التنازلات،أثناء حضوره الاجتماع الأوروبي في بروكسل بحضور رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، لمناقشة أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين المحتشدين على الحدود اليونانية.
على خط مواز، إن الهدف الأساسي من الهجوم التركي على دول الاتحاد الأوروبي عن طريق اللاجئين هو أولاً، خلق مشكلة لليونان ومعاقبتها على موقفها الرافض لتقديم المساعدة لأنقرة في أزمتها مع روسيا وسورية وإيران في موضوع إدلب، والأمر الآخر هو ابتزاز أوروبا بالحصول على دعم مالي 8 مليارات دولار بدلاً من ستة مليارات دولار من المعونات لتركيا ، إضافة إلى الدعم السياسي و العسكري في حملتها في الشمال السوري، وبالتالي”جر أوروبا إلى مستنقع الحرب السورية”.
بناءً على ذلك، أن اليونان لن تفتح حدودها أمام اللاجئين القادمين من تركيا، لأن الأوروبيين لديهم تخوفات اقتصادية وأمنية واجتماعية، إضافة إلى مخاوف كبيرة من تفشي فيروس كورونا المميت، فدخول هذا العدد يضاعف الأزمات في دول الاتحاد الأوروبي ولذلك حرص الاتحاد الأوروبي على توجيه رسالة إلى اللاجئين مفادها أن الرئيس التركي، استخدمهم كورقة ضغط ليس أكثر، خاصة أن مئات آلاف اللاجئين الذين أخذتهم السلطات التركية بالحافلات إلى الحدود مع اليونان، غالبيتهم ليسوا من السوريين، بل هم خليط من الأفغان والعراقيين والسوريين و الأويغور والفلسطينيين والأفارقة وغيرهم من الجنسيات الأخرى.
في هذا السياق أن الاتحاد الأوروبي لن يستجيب لضغوط أردوغان، بالتالي فإن تركيا لن تحصل على دعم عسكري من أوروبا، فمن الصعب جداً تخيل أن تكون دول الاتحاد الأوروبي مستعدة للانخراط في عملية عسكرية ذات نتائج مجهولة ضد روسيا وإيران، لذلك بدأ الرئيس التركي في التراجع وأعلن تمسكه باتفاق 2016، مطالبا ببعض التعديلات عليه خاصة فيما يتعلق بالبند المالي، فهو من جهة لا يريد أن يخسر الأوروبيين لأنه يعلم جيدا أن الضغط على الأوروبيين ليس فى صالحه خلال الفترة المقبلة، ومن جهة أخرى هناك اتفاقا وقع في مارس 2016، يلزم أنقرة بعدم إرسال لاجئين إلى أوروبا، مقابل الحصول على دعم سنوي مقداره ستة مليارات دولار، وأمام هذه المعطيات سيستمر التوتر بين تركيا والعواصم الأوروبية ، فضلاً عن تأثيراته على السلم والأمن الدوليين.
مجملاً…تعتبر الأزمة السورية من أشد الأزمات الإنسانية على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث كشفت تقاعس وفشل المجتمع الدولي، فالشعوب العربية والدول التي تتظاهر بالديمقراطية والحرية من دول الغرب لم تستطع إيقاف مأساة السوريين، بل زادوا من مآسيهم عن طريق دعمهم أطراف الصراع بالأسلحة والعمل على إطالة الحرب الداخلية الدائرة في سورية لإنهاكها وتدمير مقدراتها وزعزعة استقرارها وإشعال حرب طاحنة بين أبناء الشعب الواحد التي لن يكون فيها منتصر سوى أعداء الوطن الذين يطمحون في إيصالها إلى الدمار والخراب.
وأنهي مقالتي بالقول: إن مسألة اللاجئين السوريين كرامة وطنية وإنسانية وحقوق يجب صيانتها وأدائها، وإن عدم حل مشكلتهم قد يقود إلى كارثة إنسانية ومشاكل إقليمية ودولية معقدة، لذا أصبح من الضروري السعي الجاد لخلق التغيير المنشود لتحقيق كافة التطلعات والآمال الوطنية العريضة التي يتطلع إليها الشعب بكل فئاته، للوصول إلى غد مشرق وواقع حياة مزدهرة أكثر ألقاً، والى ظروف وطنية أكثر أمناً وأقل عنفاً وفساداً
khaym1979@yahoo.com