أقلام مهجرية
حتى لا تختلط أوراق المقاولين مع المقاومين!
لابُدّ من الإنتباه :غزو الجواسيس لا يقل عن غزو “كورونا”
نبيل أبو جعفر
هل سمعتم أن أحداً صاغ ميثاق جبهة التحرير الجزائرية، أو منظمة التحرير الفلسطينية أو غيرهما من غير المناضلين المنضويين تحت لوائهما، أو تحت لواء حركات تحرير أُخرى ؟
ثُمّ ، هل سمعتم عن أي مقاومة مسلحة ضد الاحتلال تتنازل لغيرها عن حقها في رسم مستقبل بلدها وصورة نظامه وآليات عمله….؟
بالقطع يستحيل ذلك، فإذا كان يُقال في الماضي أن أهل مكة أدرى بشعابها وتصريف أمورها ، فإن أهل الجزائر وفلسطين والعراق هم أدرى بظروف بلد كل منهم واحتياجاته، وأكثر تجربة واستيعابا للدروس والمتغيرات من كل المتفرجين ، أو المغتربين في شتى أقاصي الأرض.
أقول ذلك وفي ذاكرتي تجربة َتداعي مجموعة من السياسيين العراقيين في الخارج الى عقد مؤتمر ببيروت في شهر آب 2005 ، رفع شعار مساندة المقاومة العراقية، بمبادرة من مركز دراسات الوحدة العربية، دون القيام بدعوة أو مشاركة قوى المقاومة الأساسية فيه ، بينما تمّ إعلامنا وقتها أنه حرصاً من المركز على مستقبل العراق في ظل انهماك المناضلين بالمواجهات اليومية مع الاحتلال ، فان الواجب يقتضي التحسّب من وقتها لليوم الذي سيأتي فيه التحرير دون الإعداد للمرحلة التي تليه. لذلك ارتأى القيّمون على هذا التحرّك ضرورة التفكير في كيفية مواجهة هذا الوضع، والإجابة على السؤال “المؤرق”: كيف سيكون الحال عندها؟ هل يعود النظام الى ما كان عليه بكل تفاصيله، أي يقوده حزب قائد واحد، أم يقوده ائتلاف حزبي، أم جهة وطنية…الخ. وأي “نوع” من الأنظمة سيكون، وما موقفه من الديمقراطية وحرية التعبير والانتماء السياسي .. الى آخر التفاصيل؟
لا شك أن كل هذه القضايا مهمة، وأن من يحمل السلاح الآن لمقاتلة المحتل وأذنابه يُفكّر أولاً وثانياً وعاشراً في تحقيق هدف التحرير، لكنه لا يُسقِط من ذهنه ولا يُهمل التفكير في سائر الجوانب الأخرى ، ودروس ذلك “التسونامي” الإرهابي الدولي الذي اجتاح العراق وأدّى الى احتلاله بالطغيان وأسلحة الدمار الشامل.
ولا شك أيضا أن الرئيس الشهيد كان يفكّر في كل ذلك ويتمعّن فيه، كما يفكّر فيه عضو الحزب وضابط الجيش وعنصر الحرس، تماماً مثلما يفكر فيه الوطني المستقل والناصري والاشتراكي والإسلامي والماركسي المناهض للاحتلال، وغير المنغمس في اللعب على عدة حِبال سعيا وراء المكاسب الضّيقة.
كل هؤلاء يفكّرون بما دعا الى التفكير به مؤتمر بيروت، والأغلب أن أحداً منهم لا يذهب به الاعتقاد الى الظن أن عراق المستقبل اذا ما أُعيدت اليه شرعيته التي أسقطها الاحتلال بالقوة سيُعامِل الناس حسب انتمائهم الحزبي أو العشائري أو المذهبي، لا حسب انتمائهم النضالي الوطني المقاوم . ذلك لان هذه “المزايا” الشخصية – حتى لو وُجدت فرضاً – فقد سقطت مع وقوع الاحتلال. وأصبح الحزبي الذي لا ينخرط مع المقاومة لا وزن له ولا مكان، وكذلك العسكري، كما الوزير والخبير وزعيم العشيرة، وأصبحت الشرعية – كل الشرعية – لمن يقاوم أيا كان انتماؤه.
هؤلاء هم الذين يحق لهم الحسم في تقرير المصير، والتخطيط للمستقبل، ولهم قبل غيرهم حق المشاركة في الحياة السياسية من موقع الموالاة أو المعارضة كما يشاؤون . حتى قيادة العراق الشرعية لو لم تتصدر الصفوف لمقاومة الإحتلال وعملائه بكل شجاعة جماعية نادرة ترفع الرأس ، لما اكتسبت إعجاب الدنيا ، وكان لها حق الحسم في تقرير المصير.
من هذا المنطلق كان على العرب أن يدركوا دوماً أنه اذا كان يحق للفلسطيني نتيجة وضعه وظروفه في مواجهة الآخر الصهيوني على أرض واحده أن يتعامل معه، يواجهه، ويتفاوض معه، فانه ليس من حق رئيس موريتانيا المخلوع معاوية ولد الطايع نفس الحق، ولا يعطي حكام الخليج والمغرب وتونس والجماهيرية التي كانت “عظمى” نفس الحق أيضا . حتى الفلسطيني المغترب لا تنطبق عليه نفس “مزايا” الفلسطيني المُواجِه على الأرض، ولا يحق له حرية “التصرّف السياسي” مع الآخر مثله.
هذا الكلام لا ينفي أن كل وطني يفكر في مستقبل العراق مشكور، لكن التوجهات الطيبة وحدها لا تكفي، وتنظيم المؤتمرات وحده في غياب المقاومين على الأرض لا يوصل الى الهدف، إن لم يكن أكثر. لذلك لم تُحقق نتيجة مؤتمر بيروت أكثر من إصدار بيان إنشائي مماثل لكل بيانات المنظمات الأخرى أو الصادرة من إحدى العواصم العربية.
ومع ذلك ، إذا كان من حق أي جهة أن تتداعى لعقد اجتماع أو مؤتمر ما ، إلا أنه ليس من حق احد أن يحلّ محل صاحب القضية، الغاطس في نار المواجهة، وأن ينطق باسمه، ويفكّر بدلاً عنه، ويضع له البرامج والمخططات وصيغة السلطة الآتية بعد التحرير!
… ومثلما ينطبق هذا الكلام على العراق فانه ينطبق على فلسطين، وعلى أي رقعة أرض يحمل فيها مقاوم “السلاح” وفي مقابِلِه مُقاوِلٌ أو ِ…. لا فرق!