الكورونا: بين الأنسنة والعسكرة…!.
نواف الزرو*
قد لا يخطر بالبال ابدا ان تقوم بعض الدول بعملية العسكرة للكورونا بدل انسنتها، وقد لا يخطر بالبال أن تقوم بعض الدول بالتخطيط والتحضير لشن حروب او غارات او عمليات عسكرية تحت غطاء هذا الوباء الكوروني. فبينما تتوجه انظار أمم وشعوب العالم نحو مزيد من التكافل والتضامن والتعاون الإنساني بين الدول في مواجهة جائحة الكورونا التي تهدد بالمزيد من الفتك والقتل والتدمير الآخذ بالتفشي والانتشار، وبينما نتابع المزيد من الهلع والرعب العالمي من فقدان السيطرة على هذا الفيروس-كما يحصل اليوم في الولايات المتحدة وايطاليا واسبانيا والمانيا وغيرها، تشذ عن هذه التوجهات العالمية/الاممية الولايات المتحدة والمستعمرة الصهيونية-اسرائيل-، حيث تقومان بعسكرة الكورونا واستغلالها باتخاذ قرارات وإجراءات حربية عدوانية في المنطقة.
فعلى المستوى الامريكي وبدل ان تتعظ الادارة الامركية من تداعيات هذا الوباء -الكورونا- وتتخذ اجراءات تخفف العبء عن كاهل الشعب العراقي المنكوب ايضا ليس فقط بالكورونا وانما ايضا بمختلف الاوبئة الفتاكة وفي مقدمتها وباء الاحتلال، يطل علينا وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر ليعلن للصحفيين في البنتاغون الاثنين (السادس من يناير/ كانون الثاني 2020) “إن الولايات المتحدة لا تخطط للانسحاب من العراق”، ليلحق به نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكيّة جون هايتن الجمعة -2020-3-27- معلنا:” استمرار العمليّات العسكريّة الأمريكيّة في الخارج على الرّغم من تفشّي كورونا الذي يُجبر الجنود على اتّخاذ احتياطات غير مسبوقة لحماية أنفسهم من الفيروس المستجد”، وقال هايتن لمجموعة من الصحافيّين “لا يوجد تأثير على العمليّات. المهمّات التي نُجريها حاليًا في كلّ أنحاء العالم لا تزال تُنَفّذ وفقًا للقواعد ذاتها و للنموذج نفسه-والإشارة هنا بالأساس الى العمليات العسكرية التي يجري تحضيرها في العراق”.
فعلى الرغم من “ان العراق يعيش اليوم حالة عدم استقرار سياسي وامني ويضاف له تحدي انتشار وباء كورونا، فقد سيطر على المشهد العراقي في الأيام الماضية التساؤلات حول التحركات الأمريكية الغامضة، حيث تقوم القوات الأمريكية بنقل قوات بين قواعدها المنتشرة في العراق وإخلاء قواعد وتحصين أخرى، مع انسحاب عدد من قوات الدول المشاركة في التحالف الأمريكي لقتال داعش . وتتحرك القوات الأمريكية في المدن العراقية تحت جنح الظلام . حيث تبدأ القوات الأمريكية بالتحرك ليلا فقط منذ الساعة 11 حتى الخامسة صباحا . وهو ما أثار انتباه العراقيين وجرى تداول الكثير من السيناريوهات على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية حول أسباب وأهداف هذه التحركات- ـ “رأي اليوم 2020-3-27” ـ كمال خلف”. يضاف الى ذلك ما جاء في تقرير روسي سوري مشترك السبت-2020-3-28- من “أن الولايات المتحدة ضلعة بتمرير معدات للمسلحين في سوريا تحت ستار المساعدات الإنسانية والطبية لأهالي مخيم الركبان-“.
اما صهيونيا فلا يأبهون هناك ايضا لكل الاعتبارات الانسانية، فهم وإن تظاهروا بالاهتمام وبالهلع والخوف على الصهاينة من تفشي الكورونا، الا انهم يستخون بتداعيات الكورونا على الفلسطينيين، فمع الفلسطينيين يتحولون بالاجماع الى اليمين متشدد والعنصرية والعسكرية المجرمة، فعلى الرغم من كل المناشدات العالمية التي تطالب الحكومة الصهيونية برفع-او تخفيف-الحصار عن قطاع غزة وإتاحة الفرصة لايصال العلاجات والمعدات والمواد اللازمة لمواجهة وباء الكورونا هناك، الا ان قادة الاحتلال على العكس تماما يشددون الحصار على اهلنا في القطاع، بل ويعسكرون المسالة تماما، ففي الوقت الذي “تفتح فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلية ملجأ حربيا في تلال القدس المحتلة يطلق عليه “مركز الإدارة الوطني” الذي بني منذ أكثر من عقد بسبب القلق بشأن برنامج إيران النووي وتبادل الصواريخ مع “حزب الله” اللبناني وحركة “حماس- السبت 28 مارس 2020″، فان الكيان يسعى لابتزاز حماس “علاج كورونا مقابل الجنود الأسرى ويستعِّد لشراء 10 آلاف جهاز تنفسٍّ صناعيٍّ من دولٍ خليجيّةٍ”، وقال الجنرال إلاسرائيلي ميخال ميلشتاين إنّ الجهد الذي تقوم به إسرائيل لمواجهة أزمة كورونا يجب أنْ تحصل مقابِله على ثمن من حماس، وتحقيق مصالح إستراتيجية لها، لاسيما من خلال إنهاء أزمة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الحركة في غزة، وتحقيق مصالحها الأمنية- الجمعة 27 مارس 2020-.
الى كل ذلك فإن قضية الأسرى الفلسطينيين تبرز باهميتها في ظل كورونا، حيث رفضت وترفض حكومة الاحتلال اي تعاون ممكن لتوفير الأجهزة والأدوات اللازمة للاسرى للوقاية من احتمالية انتقال الفيروس الى المعتقلات، رغم ان الاسرى اعربو مرارا عن خوفهم من تفشي هذا الوباء على نحو سريع داخل السجون والمعتقلات بسبب الازدحام الشديد وانعدام توفر أدوات الوقاية.
وصهيونيا ايضا، وتحت ذريعة مواجهة الكورونا اتفق نتنياهو و الجنرال غانتس على تشكيل حكومة طوارئ، وعادة ما تكون حكومة الطوارىء لديهم حكومة حربية على كل المستويات، وكما نتابع في الايام الاخيرة هجمات المستعمرين اليهود ضد الفلسطينيين في أنحاء الضفة الغربية تحت مظلة الكورونا، فإنه لمن المتوقع من هذه الحكومة الجديدة أن تواصل ذات النهج العسكري الأمني العدواني ضد الشعب الفلسطيني، بل من المنتظر ان تصعد هذه الحكومة من قراراتها واجراءاتها الحربية العدوانية ضد اهلنا في غزة، وان تصعد من قراراتها وإجراءاتها العدوانية في الضفة الغربية على صعيد الاقتحامات والمداهمات والاعتقالات والحصارات والمصادرات والتهويد.
فنحن إذن سنكون أمام مشهد حقيقي من العسكرة الامريكية -الصهيونية العدوانية في العراق وفلسطين وسوريا والمنطقة في زمن وباء الكورونا، بذريعتها وتحت غطائها…!.