حياة الناس والمجتمعات في ظل وباء كورونا ، والعالم سياسياً بعده
محمد شريف جيوسي
لم تكن جائحة كورونا في بال أو علم أحد في العالم ، على هذا القدر من الانتشار والفتك ، وعدم الإستثناء إثنياً وقومياً وطبقيا وقاريّا ودينيا وطائفيا ومذهبيا و معتنقات .. وغير ذلك إن وجدت تصنيفات أخرى ..
ذلك بغض النظر عن حقيقة منشأ هذا الفيروس “الرهيب” سواء كان بفعل فاعلين (بشر) أرادوا تصديره للبعض فإنقلب الأمر وفقدوا السيطرة عليه، أو لم يفقدوا السيطرة لغايات الإتجار بمنتجات صنّعوها أو سيعملوا على تصنيعها، أو لغايات التخلص من (الحمولات الزائدة ) من البشر، وفق مفاهيم تجارية ربوية راسمالية ، لا تمت للإنسانية .
أقول أن هذه الجائحة لم تكن كذلك في بال أحد مسبقاً ، بما في ذلك إن كانت من منشأ سماوي رباني ، وقد كثر الفساد في البر والبحر و( الجو)، بما صنعت أيدي الناس، وبما توصلوا إليه من ذرى العلم والتقدم؛ ما جعلهم يظنون أنه بات بمقدورهم صنع كل شيء، فإذا هذا الفيروس “متناهي الضعف”؛ يفرض بقدرة الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد؛ إرادته على الأقوياء و فاحشي الثراء والجبروت وصانعي الدمار ومصاصي الدماء، أن يصمتوا و يلتزموا بيوتهم كما الفقراء والضعفاء والمظلومين ، ويرسم معادلات قوة مختلفة باتت مرشحة للصعود والتسيّد .
لقد أجبر كورونا الناس على العودة إلى سلوكيات باتت تعتبر قديمة وربما متخلفة ، كصنع الخبز في البيوت بتدرجاته .. وإن يكن في أفران بيتية وليس في طوابين .. كما تبينت أهمية المساحات الصغيرة المحيطة بالبيوت الأرضية ، وإمكانية زرعها بالخضار اعتماداً على المياه الراجعة ، وما يجمع من مياه الأمطار .
وتبين للناس وبخاصة في المدن الكبيرة؛ ضرورة العودة للمشي وركوب الدراجات الهوائية ، لقضاء الحاجات والرياضة ، فتروضوا وفقدوا بعض سمنتهم ودهونهم الزائدة غير الحميدة ، ووجد البعض على الأقل أن إمتطاء وسائل النقل باستمرار ، ليس إمتيازاً في المسافات القصيرة والمستوية ، فهي مبعثة للكسل ، و إسهاما في تلويث البيئة ، وإسرافا وهدراً المال ، وتكديسه حديداً و أغبرة ملوثة .
ورغم أن الناس توقفت عن الخروج من منازلها ، إلا أنها أصبحت على تواصل اكبر داخل بيوتها، وأصبح مفروضاً عليها غالباً أن تلتقي جميعها على وجبات الطعام وتتحادث؛ وتستعيد ذكريات طالما شغلتها أجهزة التواصل عن التواصل .
وامام الفراغ الطويل، أصبح متاحاً التواصل مع الأقرباء والأصدقاء وإعادة اللحم والأرحام والصداقات المقطوعة .. لأسباب أو لأخرى .
وأعيد الاعتبار للقراءآت الورقية ، والقراءآت المنهجية الإلكترونية ، أو أن الأمر ماض في هذا الاتجاه ، فالوقت طويل ويحتاج الملل للتعبئة .
وتقلصت فترات مشاهدة المسلسلات بإتجاه الأفلام الروائية الطويلة، وتعدد الإستماع لنشرات الأخبار فلم يعد يقتصر على فضائية معتادة واحدة أو فضائيتين معتادتين ، وتراجع بالتالي تحكم الفضائيات الكبرى بالرأي العام .
أما على الصعيد الإقليمي والدولي، ستتغير أمورا كثيرة ، ولن يعود المال والدولار هو القيمة التي تحكم العالم وتسقط وتقيم الدول .. وستظهر دول عظمى جديدة وتغرب الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي وأوروبا الغربية ، وستضمحل مؤسسات رأس المال العالمية الراهنة ، وتتلاشى الكيانات الدائرة في فلك الدول والمؤسسات آيلة السقوط تلك ؛ وتصعد أخرى .. بعامة سيكون العالم أقرب للأمن والإستقرار والهدوء والعدل الأممي مما هو عليه الآن ، وذلك بعد مخاض صعب وقاس ، قد يستغرق من عام إلى 5 أعوام .