الصفقة وحكاية “الضم” و”القنبلة الديموغرافية” و”الوطن البديل”..!
نواف الزرو*
وفق تطورات المشهد الفلسطيني المتسارعة في الايام الاخيرة، فان الاحتلال سوف يقدم على ضم الاغوار في مطلع تموز القادم، وذلك تحت ذريعة صفقة القرن التي منحت الاحتلال حق السيادة على القدس والضفة الغربية، ولذلك نربط ربطا استراتيجيا ما بين الصفقة والضم والديموغرافيا و”الوطن البديل”، فحينما يعلن فريدمان “انه في حرب 1967 استعادت اسرائيل الضفة الغربية من الأردن-وكالات 2020-1-9-” مضيفا:” أن حق اليهود بالبقاء في الضفة واضح”، فذلك ترخيص أمريكي صريح ل”اسرائيل” كي تصول وتجول في الضفة كما تشاء.
وهذا الموقف الامريكي على كل حال ليس جديدا، فهناك تراث هائل من الادبيات الامريكية السياسية والايديولوجية التي تطوب فلسطين للمشروع الصهيوني، وتمنح الاحتلال حق الترحيل للسكان الفلسطينيين اصحاب الارض والتاريخ، والترحيل هنا في ادبياتهم هو باتجاه شرقي الأردن.
ف”الاسرائيليون -جيلا وراء جيل- يلقنون اطفالهم ان الاردن هو دولة الفلسطينيين”- وهذه حقيقة قديمة جديدة متجددة أكدها لنا “سعد مرتضى” أول سفير مصري في تل أبيب، في كتاب أصدره بعنوان:«مهمتي في إسرائيل… مذكرات أول سفير مصري في تل أبيب» الصادر عن «دار الشروق» في القاهرة، ويقول “إن إسرائيل تستغل المخاوف الأمنية، فيبالغ حكامها وخاصة إذا كانوا من الصقور مثل الليكود، في تصوير الأخطار التي يتعرض لها “شعب إسرائيل” ويستخدمونها أحيانا لستر الأطماع التوسعية… ويعلمون الجيل الجديد في “إسرائيل” أن الضفة الغربية وقطاع غزة هما ضمن حدود إسرائيل التاريخية، أما دولة الفلسطينيين فهي الأردن بحسب ادعاءاتهم- وكالات-19/05/2008″. ويضيف السفير المصري شهادة بالغة الاهمية الى جملة الشهادات والوثائق المتراكمة التي تكشف الاجندة الصهيونية الحقيقية التي تقف وراء استراتيجية ضم الضفة الغربية الى السيادة الاسرائيلية باعتبارها “جزء من ارض اسرائيل” من جهة، واستراتيجية “إلغاء الشعب الفلسطيني واعتبار الأردن هو الوطن البديل له”من جهة اخرى…!
وتفتح لنا هذه الشهادة الهامة هذا الملف المتفجر الخبيث لنعود ثانية وثالثة لنذكر باجندتهم وسياستهم ومواقفهم الحقيقية من هذه المسألة، وكذلك لنذكر بأدبياتهم المبيتة تجاه الاردن ايضا…!.
فقد كان بلدوزرهم –شارون –أوضح من عبر عن هذه الأدبيات عندما صرح في أعقاب فوزه في انتخابات/2001 في لقاء مع الصحيفة الالمانية “فوكس ” قائلا : ” ايضا شرقي الاردن جزء من أرض اسرائيل ” ، ثم ليلحق به الجنرال باراك رئيس الوزراء سابقا قائلا:” من المفضل للمدى البعيد التوصل الى اتفاقية حول دولتين في شرق الاردن اذ ان هذه الاتفاقية هي الضمان للاستقرار في المنطقة – عن الاذاعة الاسرائيلية 2001/8/21 ” .
ومن جهته كان الكاتب الاسرائيلي اليميني”ارييه الداد ” أكد في يديعوت احرونوت العبرية “ان الاردن هو فلسطين الآن ، حيث هناك ثلاثة من كل اربعة من السكان هم فلسطينيون، وهناك يجب توطين الفلسطينيين ..وينبغي لنا ان نضيف الفهم بان ليس لهؤلاء الفلسطينيين أي حل آخر غربي النهر –أي الترحيل نحو الشرق –” ، وبينما اعلن “بني ايلون ” زعيم كتلة “هئيحود هليؤومي-الاتحاد الوطني-“: ” أنه لا يمكن اقامة دولتين غربي الاردن وان الدولة الفلسطينية يجب أن تكون شرقا وان الأردن هي فلسطين” توجه في ذلك الوقت الى واشنطن حيث عرض خطته المتطرفة التي تدعو الى “تهجير الفلسطينيين الى الاردن لاقامة دولتهم هناك” ، ثم انبرى وزير الحرب الاسرائيلي الاسبق البروفسور “موشيه آرنس ” ليدعو ايضا الى ” تكريس فكرة : فلسطين هي الاردن ” .
وفي السياق الامريكي فقد كشفت مصادر صحفية أمريكية أن الكونجرس الأمريكي، كان استضاف مؤتمراً لبرلمانيين دوليين لمناقشة ضم الضفة المحتلة لـ”إسرائيل” بصورة رسمية. وعقد المؤتمر وفقاً للمصادر ذاتها بمبادرة من تجمعين في كل من الكنيست والمجلس التشريعي الأمريكي لمناقشة المبادرة الإسرائيلية التي وضعها حزب الاتحاد الإسرائيلي المتطرف الذي يتزعمه بيني أيلون، وشارك في وقائعه مشرعون من 13 دولة من بينهم أعضاء في البرلمان الأوروبي ومن برلمانات سويسرا واليابان وجنوب أفريقيا والفلبين والبرازيل وكندا وأروجواي.
وتمحور موضوع النقاش على”رفض حل الدولتين واعتبار الضفة المحتلة أرضاً إسرائيلية واعتبار سكانها مواطنين أردنيين يسمح ببقائهم ببطاقات إقامة ذات مدة محددة قابلة للتجديد أو الإلغاء/ المصادر العبرية-23/05/2008″.
تربط المؤسسة الاسرائيلية ما بين الديموغرافيا والخطر الديموغرافي العربي الفلسطيني وما بين قصة “الوطن البديل للفلسطينيين”، إذ وفق المؤشرات الاسرائيلية فإنه ما من موضوع راهن في سياق السجال /الجدل الاستراتيجي الاسرائيلي يحتشد حوله “إجماع قومي اسرائيلي” اكثر من موضوع “الأرض” و”الديموغرافيا”، و”الدولة اليهودية النقية”، وكذلك “الترانسفير “، اذ يطلقون عليها تارة “المسألة الديموغرافية”، وتارة اخرى “الخطر الديموغرافي” وتارة ثالثة “القنبلة الديموغرافية المتكتكة”..
ويجمعون هناك في “اسرائيل” على انها “تشكل تهديدا استراتيجيا داهما ودائما لوجود اسرائيل اليهودية”، ما يستدعي من وجهة نظرهم ومخططاتهم الاستراتيجية العمل دائما على مصادرة وتهويد أوسع مساحات ممكنة من الأرض العربية ما بين البحر والنهر، واستقدام وتوطين أكبر عدد ممكن من اليهود فيها، وتهجير أكبر عدد ممكن من السكان العرب الفلسطينيين باتجاه الشرق وبشتى الطرق الممكنة السرية المقنعة او العلنية ، ويقع في هذا السياق ذلك الجدل الاسرائيلي الاستراتيجي حول الاردن بوصفه “الوطن البديل ” و”الدولة الفلسطينية البديلة” .
والأدبيات الصهيونية /الاسرائيلية التي تتحدث عن ذلك واسعة لا حصر لها، غير أن البلدوزر شارون كان قد شكل دائما خلاصتها المكثفة، فقد كان أعلن على سبيل المثال مبكرا جدا بتاريخ :1982/8/30 “ان الاردن هو الدولة الفلسطينية حيث هناك %60 من السكان فلسطينيون “، وأضاف في مقالة اخرى له نشرت في يديعوت احرونوت 1988/2/26 اكد فيها موقفه من الدولة الفلسطينية قائلا:” انا شخصيا اؤمن ببرنامج الاوتونوميا كجسر سلام بيننا وبين الدولة الفلسطينية القائمة في الأردن”.
لقد تأجج الجدل الاسرائيلي على مختلف المستويات حول هذه المسألة/ المشكلة الاستراتيجية وقد وصل الى ذروته المحمومة كما هو معروف في “مؤتمر هرتسليا “عبر دوراته التي عقدت على مدى السنوات الماضية وكانت أوراق العمل تنطوي من ضمن ما تنطوي عليه على “التخلص من المشكلة الديموغرافية العربية “، عبر ترحيل أكبر كم من الفلسطينيين شرقا…!
تستحق منا هذه الرباعية المشار اليها اعلاه”الصفقة والضم والديموغرافيا والوطن البديل”، التوقف والتعامل معها بما تنطوي عليه من اجندات وتداعيات استراتيجية خطيرة بمنتهى الجدية والمسؤولية العروبية من مختلف القوى الحية على امتداد المساحة العربية…!