بعد ترشيحه لبولتون، هل يكون ولفويتز المفاجأة القادمة!!
من هو جون بولتون؟ ومن هو بول ولفويتز؟
محمود كعوش
استُدل مما ظهر في الشهور الأخيرة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد عمل على العودة لإرشيف رؤساء الولايات المتحدة الجمهوريين السابقين، وبالأخص رونالد ريغان وجورج بوش الأب وجورج بوش الابن، من باب الإعجاب بهم وبإداراتهم، لإعادة هيكلة إدارته عن طريق اختيار شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية كان لها باعاً طويلاً في تلك الإدارات، وعرفت بانتمائها لتيار المحافظين الجدد، المعروف بصهينته وتنسيقه الكامل واللامحدود مع “منظمة لجنة الشؤون العامة الأمريكية – “الإسرائيلية – إيباك”، وولائه لهذه اللجنة، وتأييده المطلق “لإسرائيل” وحكامها. وعلى الأرجح أن يكون اختيار جون بولتون كمستشار جديد للأمن القومي الأمريكي قد جاء في هذا الإطار.
كان “الإسرائليون” أول المرحبين بتعيين جون بولتون في هذا المنصب، خلفا لهربرت مكماستر، الذي عزله من إدارته لاعتبارات لم تزل طي الكتمان.
وكان عدد من أركان حكومة الإرهابي بنيامين نتنياهو وزعماء الأحزب الصهيونية قد التقطوا إعلان الرئيس ترمب واستقبلوا تعيين جون بولتون كمستشار جديد للأمن القومي الأمريكي بكيل الثناء والمديح عليه وعلى خطوة الرئيس ترمب، كل على طريقته الخاصة، لكن بذات عين مصلحة الكيان الصهيوني البحتة.
فقد أعربت وزيرة القضاء في الحكومة من حزب البيت اليهودي اليميني أييليت شاكيد، عن رضاها من هذا التعيين، واصفة إياه “بالممتاز”. وكتبت شاكيد في تغريدة أرفقتها بصورة جمعتها مع بولتون، على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، “يواصل الرئيس ترمب تعيين أصدقاء إسرائيل في المناصب الرفيعة، جون بولتون أبرزهم”. وأضافت شاكيد “بولتون هو أحد أصحاب الخبرة الكبيرة والتفكير العميق، أتمنى له نجاحا باهرا في منصبه”.
ووصف رئيس حزبها ووزير التعليم في ذات الحكومة، نفتالي بنيت بولتون “بالخبير الأمني الاستثنائي”، و”دبلوماسي خبير وصديق مخلص لإسرائيل”.
وأولى مندوب الكيان الصهيوني لدى المنظمة الدولية داني دانون، أهمية لهذا التعيين بالنسبة لبلاده. وقال في حديث إذاعي “جون بولتون هو صديق لإسرائيل، وذو معرفة كبيرة في المجالات المتعلقة بإسرائيل”، متطرقا لتأثير هذا التعيين على قرارات الرئيس الأمريكي، بشأن الاتفاق النووي مع إيران بالقول “في النهاية سيضطر ترمب لاتخاذ القرارات لوحده، ولكن إن نظرنا إلى الطاقم الذي سيكون معه في الغرفة، سنجد أن هناك أشخاصاً يمتلكون مواقف واضحة ضد الاتفاق”.
واستعرض الإعلام العبري، مواقف بولتون المؤيدة لإسرائيل، منذ أن أفشل مشروع القرار الأممي الذي ساوى بين الحركة الصهيونية والعنصرية في سبعينيات القرن الماضي، مرورا برفض حل الدولتين، وحتى موقفه بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة في العام 2008.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد أعلن في 22 آذار/مارس 2018، استبدال مستشاره للأمن القومي اتش ار ماكماستر بالسفير الامريكي السابق لدى الامم المتحدة المحافظ المتشدد جون بولتون.
وجاء إعلانه هذا بعد سلسلة من الاقالات والاستقالات عمّت صفوف فريق إدارته خلال الأشهر الماضية، إذ قال “أنا سعيد أن أعلن أنه ابتداء من 9 نيسان/ابريل 2018 سيكون جون بولتون مستشاري الجديد للأمن القومي”.
وحيا ترامب ما أسماه “العمل الاستثنائي” الذي ادّاه مكماستر مؤكدا أنه سيبقى صديقا له على الدوام. وبات مكماستر منذ عدة أسابيع في موقع ضعيف بسبب الغياب الواضح لدعم الرئيس الأمريكي له، والشائعات التي سرت حول إمكان الاستغناء عنه.
وجاء إعلان الرئيس دونالد ترمب حول تعيين جون بولتون في موقعه الجديد بعد عشرة أيام من إقالة وزيرة الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي عين مكانه “الصقر” الجمهوري، مدير جهاز “السي آي ايه” مايك بومبيو.
آرون ديفيد ميلر الإعلامي والدبلوماسي الأمريكي المخضرم الذي عمل في إدارات ديمقراطية وجمهورية عديدة سابقة، كان من أوائل الأمريكيين الذين رحبوا بخطوة الرئيس الأمريكي الخاصة باختيار جون بولتون في موقعه الجديد. ورأى ديفيد ميلر أنه “مع تعيين جون بولتون، سيكون فريق ترامب للسياسة الخارجية الأكثر تحفظا وايديولوجية، والأقل براغماتية في الذاكرة الحديثة، في وقت تتطلب فيه التحديات على الساحة الدولية الحزم ولكن أيضا مرونة وبراغماتية”.
من هو جون بولتون؟
سبق لجون بولتون أن اختير نائباً لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول لشؤون الرقابة على التسلح النووي والأمن الدولي في الإدارة الأولى للرئيس الأسبق جورج بوش الابن. وتولى منصبه رغم اعتراض باول عليه، لانه كان يتسم بتوجهات أحادية وينفر من مشاركة الآخرين له في اتخاذ القرار. وفور توليه منصبه آنذاك، وصفه باول بـ “المولع بالحرائق الذي يشرف على معمل للمفرقعات”!!
عمل بولتون مستشاراً للرئيس الأمريكي الأسبق الجمهوري الأسبق رونالد ريغان في حقبة ثمانينات القرن الماضي “العشرين”، إلى جانب عمله كمستشار لمؤسسة “هيرتاج”. وكان قد تبنى هو ورفاق له في تيار المحافظين الجدد المتصهين أفكار ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية التي عاصرت نظام رونالد ريغان، “المرأة الحديدية” المحافظة مارغريت ثاتشر، وقاموا بتطوير تلك الأفكار وأخضعوها لمصالحهم ولصالح تيارهم الهدام. ثم تضامنوا مع اللوبي الصهيوني ولوبي صناعة الدواء ولوبي النفط في الولايات المتحدة والغرب.
وعمل مساعداً لديك تشيني، بين عامي 1991 و 1992، عندما كان تشيني وزيراً للدفاع إبان رئاسة جورج بوش الأب، ولعب إلى جانب تشيني دوراً بارزاً في الحرب على العراق خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991.
عرف جون بولتون بمعارضته لبقاء الولايات المتحدة الأمريكية داخل المنظمات الدولية متعددة الأطراف وبالأخص منظمة الأمم المتحدة.
أظهر مواقف متطرفة أثناء التفاوض حول الرقابة على الأسلحة النووية مع الروس. وعمل على بسط نفوذه داخل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، سعياً وراء تغاضي المنظمة عن بعض نتائج التفتيش في الولايات المتحدة وتعيين ممثلين أمريكيين في بعض مراكزها الحساسة لكي تتمتع بلاده بنفوذ أكبر فيها.
كان أحد قادة “الصقور” في إدارة جورج بوش الابن واختير ممثلاً للولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة، قبل أن يتحول إلى معلق سياسي على شبكة “فوكس نيوز”، عرفه المشاهدون بأسلوبه العدواني.
صحيح أنه لم يهندس للحرب على العراق، إنما كان من أبرز مؤيدي تلك الحر العدوانية. ووصف عملية الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين ونظامه في عام 2003، بعملية “محو آثار النازية التي قام بها الحلفاء في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية”!!
أعرب عن مخاوفه أكثر من مرة من امتلاك إيران للأسلحة البيولوجية “وانتهاكها لمعاهدة الأسلحة البيولوجية لعام 1972″، كما ألمح مراراً وتكراراً إلى كل من “ليبيا وسورية”. ورفض بروتوكولاً كان يهدف إلى عملية الكشف عن مدى التزام الدول الموقعة على المعاهدة، بذريعة أنه لن يفعل شيئاً لمنع الدول التي تطور هذه الأسلحة. وبسببه، تعرضت الولايات المتحدة للكثير من الانتقادات في هذا الشأن.
شارك في مفاوضة كورية الشمالية لثنيها عن طموحها النووية، ورفض توقيع معاهدة معها تتعهد الولايات المتحدة بموجبها بعدم غزوها.
أيد على الدوام دعم الولايات المتحدة اللامحدود للكيان الصهيوني، ودعم التعاون الكامل فيما بينهما. كما شجع بلاده على تمويل مشاريع الأبحاث والتطوير في الكيان.
وعرف بولتون بعدائه السافر لكل من سورية وليبيا وكوبا، ودعوته لشن الحرب ضدهم بعد غزو واحتلال العراق.
اختيار الرئيس دونالد ترمب لجون بولتون مستشاراً للأمن القومي الأمريكي كآخر خطوة على هذا طريق فتح إرشيف الرؤساء الأمريكيين الجمهوريين السابقين لإعادة تشكيل إدارته، يجعلني لا أستبعد أن تأتي الخطوة التالية ببول ولفويتز ليكتمل “النقل بالزعرور”، كما يقول المثل الشعبي العربي، خاصة وأن ولفويتز، خاصة وأنه كان صديقاً لجون بولتون، وسبق للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أن اختاره رئيساً للبنك الدولي، في ذات الوقت الذي اختار فيه بولتون ممثلا للولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة. واستباقاً لحدوث مثل هذا الاحتمال وحتى لا نفاجا بما قد يخبئه الرئيس دونالد ترمب في جعبته من مفاجآت، من المفيد أن نتعرف سوية على ولفويتز.
من هو بول ولفويتز؟
كان نائباً لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق الذي خلف جيمس ولفنسون في رئاسة البنك الدولي. هو أكاديمي سابق تدرج في صفوف وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين في عهد الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان حتى صار أبرز مهندسي حرب الخليج الثانية التي حدثت في عام 1991.
عمل سفيراً للولايات المتحدة في أندونيسيا، ثم مستشاراً استراتيجياً في قضايا السياسة الخارجية لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق لدونالد رامسفيلد في عام 1996.
تزعم مجموعة المحافظين الجدد الذين برز نشاطهم في أواخر سبعينات القرن الماضي والذين عُرف عنهم اعتناقهم للعقيدة القتالية القائلة “أن السبيل الأمثل لحماية أمن وسلامة الولايات المتحدة يتأتى عن طريق بناء درع الدفاع الصاروخي وبزيادة الإنفاق العسكري”، وصياغتهم لاستراتيجية الحروب الاستباقية القائمة على اعتبار أن “الهجوم خير وسيلة للدفاع”!!
أحد مؤسسي مشروع أمريكي قام على التفوق العسكري وإدارة المواجهة من جانب واحد “حتى لو اقتضى الأمر مواجهة أي قوة إقليمية أو عالمية”.
أحد مهندسي غزو واحتلال العراق خدمة “لإسرائيل”، وأحد الداعين لاستغلال شيعة العراق من أجل تحقيق الغاية الأمريكية – “الإسرائيلية” المشتركة. وكان من أبرز مؤيدي حرب فيتنام.
أحد الموقعين على رسالة حضت الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في تسعينات القرن الماضي على التخلص من الرئيس العراق الراحل صدام حسين ونظامه. وهو صاحب الرسالة الشهيرة التي دعت الرئيس جورج بوش الابن إلى “سحق الإرهاب”، وصاحب مقولة “أزيلو صدام حسين حتى لو لم تتوفر أدلة تربط العراق مباشرة بأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وبأسامة بن دلان”.
في عام 1999 تقاسم ولفويتز الشراكة مع كونداليزا رايس في مسؤولية فريق السياسة الخارجية والأمن القومي لحملة بوش الابن الانتخابية، وهو الفريق الذي أطلقت عليه رايس تسمية “الفولكان” أي “إله الحديد والنار عند الرومان”!!
حاول مراراً وتكراراً إقناع تركيا بمساندة الولايات المتحدة في حربها على العراق من خلال وعدها بجني “الإنجازات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي ستقطفها بعد سقوط نظام حزب البعث بقيادة ـ الرئيس الراحل ـ صدام حسين” والعمل على إدخالها الاتحاد الأوروبي وحل القضية القبرصية. لكن جميع محاولاته بهذا الخصوص ذهبت أدراج الرياح.
هو واضع “الرسم الهندسي” للحملة الإعلامية الشعواء والمغرضة التي شنتها الولايات المتحدة ضد نهجي المقاومة والممانعة في كل من سورية ولبنان خدمة للمشروع الاستعماري الأمريكي – “الإسرائيلي” في الوطن العربي.
يوم رشح الرئيس جورج بوش الابن جون بولتون وبول ولفويتز لمنصبيهما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، أثار ترشيحهما جدلاً ولغطاً دوليين حادين، وكثير من دول العالم بمن فيها دول الاتحاد الأوروبي اعترضت عليهما، إلا أن جميع الدول عادت وتراجعت عن اعتراضاتها “بالإقناع أو ربما بالإكراه”!! كما استقبل ترشيحمها بالتردد داخل الكونغرس الأمريكي، إلا أنهما تمكنا أخيراً من الحصول على موافقة أعضائه. وقد ساعدتهما ظروف الحربين الأمريكيتين ضد أفغانستان والعراق على ذلك!!
الدنمارك في 23 آذار/مارس 2018
كاتب وباحث فلسطيني
kawashmahmoud@yahoo.co.uk