تحاليل و تقارير ساخنه

«واشنطن بوست»: الخطاب العسكري يهدد جهود مكافحة كورونا

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرًا يحلل عسكرة خطاب الاستجابة لفيروس كورونا، وما يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة للديمقراطية الأمريكية من سلبيات إلى جانب آثاره السلبية على أجهزة أخرى مثل الخدمات الطبية في البلاد. كتب التقرير كل من جيسيكا بلانكشين، أستاذ مساعد شؤون الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأمريكية، ودانييل لوبتون، أستاذ مساعد العلوم السياسية في جامعة كولجيت.

لفت التقرير في بدايته لتصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في أواخر مارس (آذار)، إذ قال تيدروس أدهانوم جيبريسوس: «نحن في حالة حرب مع فيروس يهدد بتمزيقنا». وبالمثل، خلال مؤتمر صحافي حول استجابة الولايات المتحدة لفيروس كورونا، قال دونالد ترامب إنه يعتبر نفسه «رئيسًا في زمن الحرب».

ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها إدارة أمريكية الحرب على شيء ما، ناهيكَ عن إعلان الحرب على بلد أخرى. ففي عام 1964 أعلن الرئيس ليندون جونسون الحرب على الفقر، ثم دشن ريتشارد نيكسون الحرب على المخدرات، كما تابع جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب، كذلك شنت أمريكا حربًا على السرطان وفيروس إيبولا.

تقول الكاتبتان إنه قد يكون من المغري للقادة أن يستخدموا مثل هذا الخطاب، سواء لتعزيز شعبيتهم أو لتحفيز الاستجابة العامة. وتظهر الأبحاث أن التذرع بمثل هذا الخطاب عن الحرب يمكن أن يولد حالة من «الالتفاف حول العلَم الوطني»؛ مما يعزز دعم الرئيس في الداخل. ويمكن لهذا النوع من التصريحات أن يؤكد أيضًا على خطورة الوضع ويخلق قياسًا يضع الأزمة في منظورها الصحيح.

لكن استخدام خطاب الحرب يمكن أن يكون له جانب سلبي. وهذا هو ما تخبرنا به الأبحاث حول السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات المدنية العسكرية بشأن العواقب المحتملة لعسكرة الخطاب الخاص بجائحة (كوفيد-19).

الحرب تغير القواعد للأفضل أو للأسوأ

يقول التقرير: إن توصيف شيء ما بأنه «حرب» يوفر لمن هم في السلطة هامشًا كبيرًا من الحرية في إجراءاتهم السياسية. وكما توضح روزا بروكس، تتغير القواعد عندما تكون الإدارة في حالة حرب؛ لأن الأشياء التي كانت غير مطروحة تصبح الآن مباحة.

ويمكن للرؤساء التذرع بقانون الإنتاج الدفاعي وتعبئة الحرس الوطني، وهي إجراءات قد يرى المواطنون في أوضاع مغايرة أنها تجاوز من الحكومة. إن وصف هذه التدابير بأنها إجراءات طارئة لزمن الحرب، بدلًا من كونها خطوات معالجة أزمة صحة عامة، يجعلها تبدو أكثر استساغة.

قد يكون خطاب الحرب مفيدًا في تعبئة الموارد الضرورية، ولكن هذه اللغة يمكن أن تصبح إشكالية، خاصة عندما لا يكون هناك نهاية واضحة للوضع تلوح في الأفق. مثال على ذلك: حين دعت أجهزة المخابرات إلى زيادة المراقبة على المواطنين الأمريكيين لرصد حالات (كوفيد-19)، بما في ذلك تتبع مواقع حاملي الفيروس المشتبه بهم عبر الهاتف المحمول.

ترى الكاتبتان أن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تؤدي إلى سوابق سياسية يصعب تغييرها لاحقًا.

كان قانون الفتنة لعام 1918، الذي لم يعمر طويلًا، يجرَّم توجيه انتقادات معينة للحكومة خلال زمن الحرب.

علاوة على ذلك، استخدم الرؤساء غطاء الحرب للالتفاف على إشراف الكونجرس والرقابة الشعبية، ومنعوا النقاش حول السياسات.

خلال الحرب العالمية الأولى، كان قانون الفتنة لعام 1918، الذي لم يعمر طويلًا، يجرَّم توجيه انتقادات معينة للحكومة خلال زمن الحرب. وتعود محاولات تقييد النقاش تحت غطاء «الأمن القومي» حتى إلى رئاسة جون آدامز، بحسب التقرير.

في الآونة الأخيرة استخدم الرئيس ترامب الجائحة في محاولة لتشويه سمعة المنافذ الإخبارية التي تنتقد استجابته لتفشي الفيروس. وزعم أيضًا أن سلطاته كرئيس توفر له «الصلاحيات الكاملة» فيما يتعلق باستجابة أمريكا للأزمة. لكن خبراء قانونيين قالوا إن هذا ببساطة غير صحيح. وقد يؤدي هذا الاستدعاء الموسع إلى تقويض المعايير الديمقراطية حتى لو لم يحاول ترامب في نهاية المطاف ممارسة هذه «الصلاحيات».

الجيش ليس دائمًا الحل المناسب

الاستنتاج عن طريق القياس محفوف بالمخاطر، والحرب غالبًا ما تكون قياسا ضعيفًا لمشاكل السياسة الأخرى.

يشير التقرير إلى أن مخاطر اللغة العسكرية تكمن في أنها توحي بأن الرد المناسب ينبغي أن يكون عسكريًا في المقام الأول. وتظهر لنا الأبحاث حول العلاقات المدنية العسكرية الأمريكية أن الجمهور لديه شعور قوي بالاحترام للقوات المسلحة ويستجيب بإيجابية للاستدعاء حين يكون الخطاب صادرًا عن الجيش.

يبلي الجيش بلاء حسنًا على نحوٍ خاص في اللوجستيات؛ أي نشر الناس والعتاد بسرعة. ويمكن أن يكون في كثير من الأحيان أداة فعالة خارج الحروب التقليدية. لكن العلماء يدفعون أيضًا بأن هناك حدودا لما يمكن أن يفعله الجيش، ويحذرون من خطر اتساع نطاق المهمة. لا يستطيع الجيش حل جميع مشاكلنا.

تتطلب بعض التحديات أدوات وخبرات غير عسكرية. وتتخصص الوكالات الحكومية المدنية بالفعل في الصحة العامة والإغاثة في حالات الكوارث والسياسة الاقتصادية. وفي حين أنهم لا يقومون بالأمور على الوجه الصحيح دائمًا، فإن الجيش أيضًا يشبههم في هذا الجانب، كما تقول الكاتبتان.

اعتاد الجيش على العمل في بيئة تحظى فيها السرية وأمن العمليات بأهمية كبرى، ولكننا لسنا بحاجة لإخفاء خططنا من الفيروس.

في الاستجابة لأي أزمة تتعلق بالصحة العامة، تعد الشفافية والرسائل العامة الواضحة أمرًا بالغ الأهمية. بينما اعتاد الجيش، مثل منظمات الأمن القومي الأخرى، على العمل في بيئة تحظى فيها السرية وأمن العمليات بأهمية كبرى، ولكننا لسنا بحاجة لإخفاء خططنا من الفيروس.

تضيف الكاتبتان أن الاستجابة للجائحة تستلزم أيضًا من صناع السياسات الموازنة بين الخيارات المختلفة، لا سيما فيما يخص كيفية تقييم وموازنة الصحة العامة إزاء المصالح الاقتصادية. هذا أمر لا يمكن القيام به في نهاية المطاف بطريقة شرعية إلا عن طريق القادة المنتخبين، والجيش ليس مسؤولًا مسؤولية مباشرة أمام الجمهور.

هناك أيضًا أدلة على أن الجيش فشل في الاستجابة على نحوٍ مناسب للجائحة داخل صفوفه. وألقت إقالة الكابتن بريت كروزييه والاستقالة اللاحقة لوزير البحرية بالوكالة توماس مودلي بظلال من الشكوك على استعداد الجيش للتعامل مع (كوفيد-19).

تظهر الأبحاث أن الأمريكيين لديهم ثقة في جيشهم أكثر من أي مؤسسة عامة أخرى. وهذا قد يجعل من المغري محاولة تصوير هؤلاء الأشخاص الذين يمثلون مفتاح الاستجابة للجائحة – أي: الممرضات، والأطباء والمسعفون وموظفو متاجر البقالة – على أنهم جنود على الخطوط الأمامية يواجهون عدوًا «في موقع عسكري أمامي».

الخدمة في الجيش ليست الخدمة الوحيدة التي لها قيمة

وفي حين أن الجائحة قد تشهد أخيرًا منح الذين يقدمون هذه الأنواع من الخدمات التقدير الذي يستحقونه، فإن الاحتفال بهؤلاء الأفراد لأنهم مثل الجنود – أي أنهم يضعون أنفسهم في طريق الأذى لمحاربة عدو غير مرئي – يهدد بتعزيز فكرة أن هذا هو النوع الوحيد من الخدمة الذي له قيمة.

يثق الأمريكيون في علماء الطب والممرضات والأطباء، وقد بدأوا في الانضمام إلى دول أخرى للتعبير عن فرحتهم بهم والتصفيق لهم. ولكن توصيفهم بأنهم «عمال على خط الجبهة» و«محاربي» فيروس كورونا يعزز بالفعل المكانة العالية للجيش بدلًا من تضييق أي فجوة محتملة بين المدنيين والعسكريين؛ إذ يحتفى بأفراد الخدمات الطبية فقط لقيامهم بدور يشبه المهمة التي يقوم بها الجيش.

علاوة على ذلك، على الرغم من تصنيف العاملين الطبيين جنودًا على خط الجبهة، فشلت الحكومة في أن توفر بشكل كاف معدات الحماية الشخصية اللازمة لمكافحة الجائحة. وهذا يعزز المكانة الخاصة الراسخة التي يتمتع بها الجيش في المجتمع الأمريكي. إذ تخصص الميزانيات الفيدرالية موارد أكثر بكثير لتمويل الجيش تفوق الأشكال الأخرى من البنية التحتية الحيوية مثل نظام الرعاية الصحية الأمريكي.

وتختتم الكاتبتان تحليلهما بالتأكيد على أهمية الخطاب الذي نستخدمه للتعامل مع هذه الأنواع من الأزمات. وتقولان: «هذه الجائحة يمكن أن تكون أزمة – ويمكن أن يكون لها أبطالها – حتى لو لم تكن حربًا».

 

واشنطن بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *