نكبة فلسطين نكبة الأمة
د. غازي حسين
يحيي شعبنا العربي الفلسطيني وأمتنا العربية في الخامس عشر من أيار من كل عام ذكرى نكبة فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني بدعم من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وتمر في هذه الأيام الذكرى السنوية للنكبة والوضع الفلسطيني والعربي في أسوأ أحواله بسبب توقيع اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وبسبب تعرض سورية إلى حرب كونية منذ أكثر من عشر سنوات وهرولة السعودية ودول الخليج للتطبيع مع العدو الاسرائيلي.
تمر هذه الذكرى الأليمة في هذا العام وقضية فلسطين أصبحت نسيْاً منسياً لدى النظام العربي الرسمي والفكر الوهابي وبقية المجموعات التكفيرية، والتي بدأ البعض منها ينسق ويتعاون مع العدو الصهيوني، عدو الله والأنبياء والعروبة والإسلام والمسيحية الشرقية والوطن والمواطن.
وتحولت بعض قوى الأمن العربية إلى شرطة لمحاربة المقاومة الفلسطينية واللبنانية والدفاع عن أمن “إسرائيل” وهرولة السعودية والإمارات للتطبيع والتعاون مع العدو وإقامة مشروع الشرق الاوسط الجديد للهيمنة على الوطن العربي.
وانقسمت الفصائل الفلسطينية إلى اتجاهين: الأول: يتمسك بالمقاومة وهو غير قادر على القيام بها لعدم توفر السلاح والعتاد والأموال، والثاني: تخلى عنها لالتزامه باتفاق الإذعان في أوسلو بالتطبيع .
قلما حدث في التاريخ الإنساني أنْ قامت أقلية أوروبية جاءت من وراء البحار، غريبة عن فلسطين، دخيلة عليها بطرد أصحابها الأصليين وسكانها الشرعيين باستخدام القوة والمجازر الجماعية والحروب العدوانية واقتلاعهم من وطنهم وتدمير مجتمعهم وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاض مدنهم وقراهم.
ولا تزال النكبة مستمرة حتى اليوم بتهجير يهود العالم إلى فلسطين وجعلها مركز اليهودية الامريكية، واقتلاع الفلسطينيين منها تحقيقاً للخرافات والأساطير والأطماع والأكاذيب التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود، وضمنها المؤسسون الصهاينة للصهيونية كأيديولوجية وحركة عالمية منظمة وكيان، لإقامة “إسرائيل” العظمى الاقتصادية جراء تفتيت البلدان العربية وإعادة تركيبها من خلال إقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، بحيث تكون “إسرائيل” بمثابة القلب والمركز والقائد له بالتعاون والتنسيق الكاملين مع بني سعود وثاني ونهيان.
قامت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا وأمريكا الاستعماريتين وألمانيا النازية وبموافقة ودعم أمراء آل سعود والأمير فيصل بتهجير اليهود من أوروبا وأمريكا إلى فلسطين وإقامة «إسرائيل» فيها وترحيل الفلسطينيين منها. ولا تزال هذه العملية الاستعمارية والعنصرية والإرهابية، والهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني مستمراً حتى اليوم.
النكبة وإغتصاب فلسطين وإقامة “اسرائيل” هي نكبة الأمة لأنها كانت حصيلة الاتفاقات والمخططات الأوروبية والصهيونية والرجعية للوطن العربي ومنها تقرير كامبل عام 1907، واتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916، ووعد بلفور الاستعماري عام 1917، ومؤتمر الصلح في فرساي عام 1919، و مؤتمر الحلفاء في سان ريمو 1920، ونظام الانتداب البريطاني عام 1922 وقرار التقسيم غير الشرعي عام 1947، وتأسيس “إسرائيل” في 15 أيار 1948.
وذلك لإبقاء البلدان العربية مجزأة متخلفة، والحيلولة دون تحقيق وحدتها وتطورها، والمحافظة على تبعيتها للإمبريالية والصهيونية العالمية لنهب ثرواتها و أمركتها و صهينتها ومحاربة العروبة والإسلام المقاوم وحركات المقاومة ونشر الفتن والارهاب لتفتيت البلدان العربية وتدميرها، ومحاولة إقامة دولة الخلافة الإسلامية لتبرير يهودية الدولة وتحقيق الحل الصهيوني لقضية فلسطين.
وتعتبر النكبة وإقامة “إسرائيل” أكبر جريمة تطهير عرقي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، وأكبر جريمة جينوسايد (إبادة جماعية) ارتكبت بعد الإبادة الجماعية التي ارتكبتها النازية بحق المعادين لها من جميع الشعوب والأعراق الأوروبية غير الآرية، وهي مخطط صهيوني استعماري عربي رجعي بدأ يتحقق عن طريق ارتكاب العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة 75 مجزرة عام 1948 على غرار مجزرة دير ياسين وترحيل حوالي المليون فلسطيني قسراً ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وتدمير مدنهم وقراهم، وملاحقتهم في مخيماتهم وتدميرها، حيث قامت “إسرائيل” بتدمير أكبر مخيم في الضفة الغربية عام 1967 وهو مخيم عقبة جبر ومخيم عين السلطان في أريحا، وساهمت في تدمير مخيمي جسر الباشا وتل الزعتر وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا في بيروت عن طريق الكتائب. وقامت المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة المرتبطة بالسعودية والولايات المتحدة وأجهزة مخابرات مختلفة باجتياح مخيم اليرموك وخان الشيح و النيرب وحندرات ودرعا وتهجير اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون عودتهم إلى مدنهم وقراهم في فلسطين إلى السويد وألمانيا وبقية دول العالم.
نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مخططات الترحيل والتهويد التي وافقت عليها المؤتمرات الصهيونية ولجان الترحيل التي شكلتها الوكالة اليهودية وحكومة “إسرائيل”، وعن قرار التقسيم غير الشرعي، والمجازر والحروب التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة و جريمة التطهير العرقي التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، واستغلال المحرقة واللا سامية وتآمر الأمراء والملوك الذين نصبتهم بريطانيا الاستعمارية، وتحمي عروشهم حالياً الولايات المتحدة الأمريكية.
زعمت «إسرائيل» كعادة اليهود في الكذب ورسخّتْ المناهج الدراسية فيها
إن القادة العرب هم الذين طلبوا من الفلسطينيين مغادرة ديارهم، وجاء المؤرخون الجدد في “إسرائيل” وأعلنوا «أن ترحيلاً جماعياً وقسرياً قد ارتكبته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عام 1948م، وذلك بعد أن درسوا الوثائق الصهيونية في الأرشيف الصهيوني».
إن النكبة لا تزال مستمرة ويحييها الشعب والامة في ظروف ومرحلة أكثر خطورةً مما كان عليه الوضع في السنوات الماضية بسبب تبعية أنظمة الخليج والإذعان لأمريكا، لذلك يجب التوقف عن المراهنة على التسوية والعودة إلى خيار المقاومة والانتفاضة والميثاق الوطني والمصالحة والوحدة الوطنية. وجسَّد وتضمن الميثاق الاستراتيجية والإجماع الوطني والقومي على عروبة فلسطين وتحريرها بالمقاومة وحرب التحرير الشعبية من رأس الناقورة حتى رفح ومن النهر حتى البحر.
لقد استغلت اليهودية الامريكية معزوفتي الهولوكوست (المحرقة) النازي واللا سامية لإقامة “إسرائيل” وتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. فاستمرار النكبة والمحرقة زاد من المصائب و الويلات والعذابات والقتل والتدمير والعنصرية والتمييز العنصري الذي يعانيه الشعب الفلسطيني داخل وخارج وطنه فلسطين حتى اليوم.
وجاء دخول المجموعات التكفيرية المسلحة إلى مخيم اليرموك وبقية المخيمات الفلسطينية في سورية ليزيد من المآسي والعذابات التي يعيشها أبناء شعبنا العربي الفلسطيني من الإرهاب التكفيري، مما يضع اللاجئ الفلسطيني أمام خيار أساسي لا بديل عنه «وهو حق وواجب عودة اللاجئين إلى ديارهم».
إن حق العودة هو جوهر قضية فلسطين، وهو الذي أدى إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، وإلى اندلاع المقاومة الفلسطينية المعاصرة في بداية عام 1965، ولا يمكن التوصل إلى حل عادل وسلام دائم إلاَّ بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولا تزال قضية حق العودة حية وحيوية، وتترسخ يوماً بعد يوم، وهي الأمل والحلم والهدف للشعب والأمة.
إن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم حق أساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان، وهو حق لا يزول بزوال الدول أو يسقط بالتقادم، وغير قابل للتصرف، ولا تجوز فيه الإنابة أو التمثيل، وهو ملك للاجئ نفسه وليس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أو مؤتمرات القمم العربية، وهو حق عادل ومقدس، فردي انطلاقاً من القانون الدولي الإنساني وجماعي انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير.
وتؤكد آراء فقهاء القانون الدولي، والعهود والمواثيق الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 على حق العودة الطبيعي للإنسان إلى منزله كأحد قواعد القانون الدولي الأساسية.
لقد أدت وثيقة سلطان بن عبد العزيز لبريطانيا التي تعهد فيها بإعطاء فلسطين للمساكين اليهود، ومشروع الأمير فهد الذي وافقت عليه قمة فاس الثانية عام 1982 وأصبح يعرف بمشروع السلام العربي، ومشروع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، الذي وافقت عليه قمة بيروت العربية عام 2002، وأصبح يُعرف بمبادرة السلام العربية (وتضمن شطب عودة اللاجئين إلى ديارهم) وتعديل أمير قطر للمبادرة العربية بحيث تتضمن تبادل الأراضي لضم 85% من المستعمرات اليهودية التي أقيمت في القدس وبقية الضفة الغربية لإسرائيل أدت إلى إلحاق أفدح الأضرار بقضية فلسطين العادلة و تهويد وضم الضفة الغربية بما فيها القدس والجولان والوصول الى صفقة القرن.
إن شعبنا العربي الفلسطيني يؤكد بهذه المناسبة أن العودة حق وواجب، وأن الصهاينة عابرون ونحن عائدون، وهم ذاهبون ونحن مغروسون في أعماق الذاكرة والأرض والإنسان. ويؤكد على التمسك بحقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وعلى خيار المقاومة حتى تحرير ثالث الحرمين الشريفين ومدينة الإسراء والمعراج والجولان.
أن مصير إسرائيل ككيان استعمار استيطاني ونظام عنصري و إرهابي في قلب الوطن العربي إلى الزوال، كما زالت النازية من ألمانيا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر، والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الأبارتايد من جنوب إفريقيا.