أقلام الوطن

دلالات وتداعيات ضم الأغوار في الاستراتيجية الصهيونية…!

نواف الزرو
نواف الزرو

نواف الزرو*

 

يسود المشهد السياسي في الآونة الاخيرة التوجه الواضح وبالاجماع السياسي الصهيوني على ضم منطقة الاغوار للسيادة الصهيونية، والسؤال الذي يثار مؤخرا بقوة:لماذا كل هذا الاصرار الامريكي الصهيوني على ضم منطقة الاغوار للسيادة الصهيونية…؟، وماذا يعني أن تضم “اسرائيل”منطقة الاغوار…؟!.

جاء في احدث فيديوغراف -انتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي- صادر عن المركز الفلسطيني للإعلام- الأربعاء 6/أيار/2020 تحت عنوان: ماذا يعني أن تضم إسرائيل الأغوار…؟، وفي التفاصيل التوضيحية جاء:”على الحدود الشرقية للأراضي الفلسطينية تقع الأغوار وتشكل 29% من مساحة الضفة، ويتراوح امتدادها بين 15 كم-30 كم عن نهر الأردن وتشكل السفوح الشرقية للأغوار. وتمتد الأغوار من بيسان حتى صفد شمالًا، ومن عين جدي حتى النقب جنوبًا؛ ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا. وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار 720 ألف دونم، ويعيش فيها قرابة 70 ألف مواطن بواقع 27 تجمعا”، وجاء ايضا:” منذ احتلال الأغوار عام 1967، أقامت “إسرائيل” 90 موقعًا عسكريًّا فيها، و36 مستوطنة أقيمت على 12 ألف دونم، إضافة إلى 60 ألف دونم ملحق بها، ويسكنها ما يقارب 9500 مستوطن، وهي الآن مهددة بالضم الكامل للكيان الصهيوني. وتضم الأغوار حوض المياه الشرقي، ويشكل حوالي 170 مترا مكعبا من مياه الضفة، وهي السهل الثاني في فلسطين بعد السهل الساحلي”.

اعتقد ان هذا الملخص عن الأطماع الصهيونية الكامنة وراء الإصرار على ضم الأغوار مفيد جدا، ولكن تطورات الرؤية و الاستراتيجية الصهيونية تجاه الاغوار قديمة تعود الى البدايات…الى عهد يغئال الون ولكن وصولا الى نتنياهو…!.

فنتنياهو يتعهد صباح مساء ومنذ سنوات بالسيطرة على الأغوار الفلسطينية ومنطقة شمال البحر الميت الواقعة شرقي الضفة الغربية المحتلة، مما يثير السؤال الكبير: لماذا هذا الإصرار لدى نتنياهو على ضم الاغوار…؟!، بل لماذا الإجماع السياسي الصهيوني-المغلف بنصوص توراتية- على ضم الأغوار باعتبار المنطقة جزء لا يتجزأ من “أرض اسرائيل”….؟!

فبعد أن قام نتنياهو بغزو الخليل والحرم الإبراهيمي بخطاب الانتصار-الانتخابي- الذي أعلنه على أهلها في الذكرى التسعين لما يطلقون عليه”احداث عام 1929-اقتلاع الوجود اليهودي-“، أعرب عن نيته فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة الأغوار وشمال البحر الميت واعتبارها جزءا لا يتجزأ من إسرائيل بعد الانتخابات، ثم ذهب أبعد ليعقد جلسة الحكومة الإسرائيلية في الأغوار، ليقرر تشكيل لجنة تخطيط خاصة بتطبيق السيادة الإسرائيلية على منطقة الاغوار وشمالي البحر الميت”، ثم ليتفق مع “ازرق-ابيض-برئاسة الجنرال المجرم غنتس على الشروع بضم الاغوار اعتبارا من مطلع تموز القادم.

فما الذي جد إذن في المشهد الاستعماري الاستيطاني الصهيوني…؟!

الجديد في هذا المشهد هو: اولا الظروف والأحوال الفلسطينية المفككة والصعبة، والجديد ثانيا في الاحوال العربية الكارثية التي تحولت الدول والانظمة العربية في معظمها الى خيار الانفتاح والتطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب الصمد والحقوق الفلسطينية، والذي جد ثالثا هو صفقة القرن الترامبية التصفوية التي تتبنى الرواية والمزاعم الصهيونية بالكامل، والذي جد رابعا هو الوضع الدول وحالة الأمم المتحدة  التي تهيمن عليها الادارة الامريكية…!

وبالعودة الى خطة ألون:  فالمؤسسة الامنية والسياسية الصهيونية تجمع على مواصلة تنفيذ خطة ألون في الضفة الغربية، والحكومات  الاسرائيلية المتعاقبة تواصل تطبيق الخطة منذ ان اعلنت عام/1967، وفي جوهر وقلب خطة الون تقع منطقة الاغوار، والأدبيات السياسية الاستراتيجية –وفي الخلفية منها ايضا الاقتصادية- المتعلقة بالاهمية الحيوية للاغوار  بالنسبة لوجود “اسرائيل”، لاحصر لها، وفي هذا قالت دراسة اسرائيلية صدرت عن المعهد الاورشليمي للشؤون العامة والدولية(2013-2-12-  ) الذي يترأسه د. دوري غولد”أن الفرضيات القائمة تستبعد الانسحاب من غور الأردن بأي شكل من الأشكال وتصر على ابقاء قوات عسكرية فيه”، ويقول البروفيسور ارنون سوفير، من جامعة حيفا، والذي يعتبر من كبار الاختصاصيين في شؤون الجغرافيا السياسية “أن غور الأردن مهم من الناحية الاستراتيجية: فحدوده مع الأردن تشكل نقاط تواصل هامة للتجارة والسفر مع بقية دول المنطقة، واستمرار السيطرة الإسرائيلية على قطاعات منه ستعني أن الضفة ستبقى مطوقة من قبل الدولة العبرية”، ولفت سوفير، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة إلى انه  منذ احتلال الضفة الغربية في عدوان 1967، اعتبرت جميع الحكومات الاسرائيلية منطقة غور الاردن بمثابة الحدود الشرقية لاسرائيل”، واشارت الدراسة الى انه تحت شعار الأهمية الأمنية لغور الأردن، أخذت الحكومات المتعاقبة تتبنى المقولة التي أطلقها يغال ألون، والتي جاء فيها انه “لكي يتحقق الدمج بين حلم سلامة البلاد من ناحية جيو-استراتيجية مع إبقاء الدولة يهودية من ناحية ديمغرافية، يتطلب هذا فرض نهر الأردن حدودا شرقية للدولة اليهودية.

وكان الجنرال الاحتياط الإسرائيلي، عوزي دايان، النائب الاسبق لقائد هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال قال “ان ضم غور الاردن الى اسرائيل يحقق لها الأمن والاستقرار، وان مناطق الدفاع الحيوية لاسرائيل توجد فقط في غور الأردن، ولابد أن تكون تحت سيادة إسرائيل”، واوضح دايان ان هذه المنطقة تلبى الاحتياجات الامنية الاساسية، وان ضم المنطقة سيعمل كذلك على تواجد اسرائيلي في كل الغلاف الشرقي لمنطقة الضفة الغربية، مما يسمح بتجريد حقيقي للسلطة الفلسطينية”.

هكذا صاغ يغئال الون القائد العسكري الصهيوني المخضرم، رؤيته وخطته لاحتواء الضفة والسيطرة الإستراتيجية عليها  بعد عدوان 1967، ويوضح الون في خطته أن الحدود الأمنية لإسرائيل يجب أن تمتد على طول نهر الأردن ومنتصف البحر الميت وصولاً إلى حدود الانتداب التي تمر في وادي عربة، وتتضمن من ضمن ما تضمن:

“أن تضم إلى اسرائيل المناطق التالية كجزء لا يتجزأ من سيادتها:

-قطاعاً بعرض يتراوح ما بين 10-15 كيلو متراً تقريباً على امتداد غور الأردن من غور بيسان وحتى شمال البحر الميت، مع احتواء الحد الأدنى من السكان الفلسطينيين العرب.

– ضم قطاع بعرض عدة كيلو مترات، من شمال القدس حتى البحر الميت.

– وبالنسبة لجبل الخليل ” وصحراء وادي عربة ” يقول آلون أنه يجب دراسة إمكانيتين :إضافة جبل الخليل مع سكانه، وإضافة ” صحراء وادي عربة “على الأقل من مشارف الخليل الشرقية وحتى البحر والنقب ، والعمل على إقامة مستوطنات سكنية، زراعية، وبلدية في المناطق التي ذكرت أعلاه.

-علاوة على معسكرات ثابتة للجيش الإسرائيلي وفق الاحتياجات الأمنية التي لم يحددها آلون، والعمل على إقامة ضواحي بلدية مأهولة بالمستوطنين اليهود في شرق القدس، علاوة على إعادة تعمير وإسكان سريعين للحي اليهودي بالبلدة القديمة من القدس.

– مؤكدا بشأن حدود إسرائيل بشكل عام وحدودها مع الأردن بشكل خاص، أنه على” إسرائيل ” أن تأخذ في حسابها الاعتبارات التاريخية والاستراتيجية والسكانية والاقتصادية والسياسية كل على انفراد وكلها معاً .

هذه هي خطة ألون التي تحظى بالاجماع السياسي الاسرائيلي اليوم، والتي  يعلن نتنياهو –كلما دق الكوز بالجرة في المناسبات الانتخابية وغيرها –عن نيته ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وهذه هي الاستراتيجية الصهيونية المعتمدة منذ يغئال الون وصولا الى نتنياهو، وهم يجمعون على : ليقول الفلسطينيون والعرب والعالم ما يقولون، وليفعل اليهود ما يشاؤون…؟!

 

Nzaro22@hotmail.com

نواف الزرو

-اسير محرر امضى احد عشر عاما في معتقلات الاحتلال الاسرائيلي ، حكم بالمؤبد مدى الحياة عام 1968 وتحرر في اطار صفقة تبادل الاسرى عام 1979 . - بكالوريوس سياسة واقتصاد/جامعة بير زيت-دراسة من المعتقل. - كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي - الصهيوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *