المقاومة هي الحل لإنهاء الاحتلال الصهيوني
عميرة أيسر*
بعد قرار دونالد ترامب الذي قضى باعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وبعد إرهاصات تنفيذ صفقة القرن الكبرى، واقتراح نتنياهو على الجانب الفلسطيني أن تكون مدينة أبو ديس والذي تقع على أطراف مدينة القدس، أو حتى مدينة رام الله والتي هي حالياً عاصمة السّلطة الوطنية الفلسطينية، العاصمة المستقبلية لدَّولة الفلسطينية، عوضاً عن مدينة القدس، و الحديث في الغرف المغلقة عن مساعي عربية حثيثة لإقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة القبول بهذه الشروط السِّياسية الصهيوأمريكية، والعودة إلى طاولة المفاوضات الإسرائيلية، وبعد أن فشل مسار أوسلو منذ 1994م، في تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967م، كما تشير إلى ذلك قرارات الأمم المتحدة، والجامعة العربية، وبعد أن استولت سلطات الاحتلال الصهيوني على حوالي 85 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية، والتي هي في حدود 27 ألف كلم، فالاستيطان الصهيوني والذي بدأ منذ سنة 1859م للأراضي العربية الفلسطينية، وذلك عندما قام اللورد مورس مونتفيوري بشراء قطعة أرض خارج أسوار مدينة القدس، وذلك من أجل إنشاء حي يهودي فوقها، حمل اسمه فيما بعد، ثمَّ تمكن فيما بعد من بناء 7 أحياء استيطانية أخرى سنة 1892م، ثم تواصلت سياسة الاستيطان الممنهج والتي ابتلعت أراضي فلسطين التاريخية، ليبلغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية حوالي 800 ألف مستوطن سنة 2016م ، بعدما كان عددهم لا يزيد عن 240 ألف مستوطن سنة 1990م. ويتوزع هؤلاء على حوالي 196 مستوطنة، في الضفة الغربية، 232 بؤرة استيطانية فيها
الاحتلال الصهيوني، والذي ارتكب ولا يزال جرائم نكراء، ضدَّ الأبرياء العزل، في الضفة الغربية تحديداً و في مدينة القدس، بعدما قام قبل ذلك بإحراق المدنيين الأبرياء وهم أحياء، في حروبه المتواصلة على قطاع عزة المحاصر، واستخدم الأسلحة المحرمة دولياً، ومنها قنابل الفسفور الأبيض، والقنابل العنقودية، ما جعل الكثير من المنظمات الحقوقية العالمية، تشجب وتدين بشدة، هذه الممارسات العنصرية الاستعمارية الوحشية، وتطالب المجتمع الدولي بالتدخل لحماية الأبرياء هناك.
فالمفاوضات العبثية مع احتلال سرطاني استيطاني، لا يؤمن إلاَّ بكيان صهيوني حدوده من النيل إلى الفرات لن تجدي نفعاً، مادام أنَّ هذا الكيان الغاصب يرفض ترسيم حدود جغرافية دائمة له، في الوقت الراهن، لأنه يرى بأن الأراضي التي استولى عليها منذ سنة 1948م، ليست إلاَّ جزء صغيراً فقط من الأراضي العربية التي يعتقد الصهاينة دينياً، بأنها حقٌّ شرعي مكتسب لهم منذ القدم، وبالتالي فإنَّ العقيدة الأيديولوجية والفكرية والسِّياسية، الإلغائية و الإقصائية التي قام على أساسها هذا الكيان الأرعن، لا يمكن بأيِّ حال من الأحوال أن تؤمن بأنه هناك حقوقاً عربية فلسطينية مغتصبة، يجب إرجاعها، أو بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على أراضيها، بل تل أبيب تماطل فقط من أجل كسب المزيد من الوقت، ورسم المزيد من الخطط العسكرية والأمنية لخنق سكان الضفة الغربية وقطاع عزة، وإجبارهم على التخلي عن أراضيهم، الباقية لديهم، والتي رفضوا بيعها أو التنازل عنها، للمستوطنين الصهاينة، رغم القتل والقمع المستمر، ورغم استعمال الصهاينة لسياسة الترغيب والتهريب بهدف تجريدهم منها.
فالكيان الصهيوني العنصري، والذي لا يؤمن إلاَّ بسياسة القوة، يعرف بأن سلاح المقاومة هو السبيل الوحيد لتحرير كامل الأراضي التي استولى عليها بالقوة، وبأن المقاومة هي أخطر الأسلحة التي عرفتها البشرية يوماً، لاستعادة الحقوق وإنهاء وجود الاستعمار الأجنبي الظالم، فتل أبيب وكما هو معروف تحاول قدر الإمكان تجنب وقوع خسائر فادحة في الأرواح، أو أن يتكبد اقتصادها ضربات موجعة من طرف حركات المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية، ويعرف قادة الكيان الصهيوني مسبقاً بأن تلك الخسائر يمكن أن تؤدي إلى إسقاط حكومات بأكملها، كما فعلت نتائج حرب الصهاينة ضدَّ لبنان سنة 2006م، إذ دفع إيهود أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني السَّابق وحكومته الثمن في انتخابات 2009م، حيث انهزم فيها وأدت إلى إسقاطه من الحكم، ودخوله السجن بتهم فساد مالي وأخلاقي، قضت على مستقبله السِّياسي إلى الأبد ، و هي الانتخابات التي جاءت بحزب الليكود إلى سدَّة الحكم برئاسة المجرم بن يامين نتنياهو، كما أن الحرب الصهيونية على قطاع عزة سنة 2014م، واستبسال عناصر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس المقاومة، وكذلك سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكري لجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وغيرها وصمودها الأسطوري في وجه آلة القتل الصهيونية، أدت إلى خسارة إسرائيل للمئات من خيرة الجنود والضباط المنضوين تحت لواء، سلاح المشاة والعاملين ضمن صفوف مختلف ألولية النخبة فيه، كألوية جفعاتي، وغولاني، بالإضافة لتكبدها لخسائر مالية اقتصادية قدرت بأكثر من 6 مليار دولار، في ظرف أيام قلائل، و خسارة وزارة الدفاع الصهيونية، لحوالي 8.6 مليون دولار يومياً، جراء استدعائها لحوالي 60 ألف جندي من قوات الاحتياط.
بالإضافة كذلك إلى الخسائر المهولة التي تكبدها قطاع السِّياحة في إسرائيل، والتي كانت تقدم نفسها بأنها المكان الأنسب والأجمل، والأكثر أمناً في منطقة الشرق الأوسط، والذي يجب على السُّياح الغربيين زيارته من أجل الاستماع بعطلهم السنوية، عوضاً عن اختيارهم لوجهات سياحية أخرى كتركيا، أو الأردن أو حتى مصر، وكذلك أدت تلك الحرب إلى خسارة تل أبيب لتعاطف الدولي، والذي كان أحد أهم أسباب قيامها سنة 1948م، فالمقاومة في جنوب لبنان و التي أجبرت الاحتلال الصهيوني على الانسحاب من جنوبه المُحتل، في سنة 2000م، والتي أدخلت الصهاينة، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إلى الملاجئ وهم كالفئران المذعورة في سنة 2006م، و كذلك فإن المقاومة الفلسطينية بالمثل، عملت على أن يدب الرعب في قلوب الصهاينة نتيجة انتفاضة السَّكاكين المباركة، والتي انطلقت في شهر أكتوبر سنة 2015 م، وجاءت كرد فعل انتقامي على قيام مستوطنين صهاينة، بحرق منزل عائلة الدوابشة بتاريخ 31 يوليو/ جويلية سنة 2015م، و التي شملت الضفة الغربية، وقطاع عزة ومدينة القدس، وباقي المدن المحتلة في فلسطين، وأدت إلى مقتل المئات من الصهاينة بواسطة الطعن بالسَّكاكين، والتي لا تزال مستمرة حتى السَّاعة.
فالمقاومة يجب أن تكون الخط السِّياسي والعسكري الوحيد، الذي يجمع عليه كل الشعب الفلسطيني، بعد أن سقط القناع الأمريكي الصهيوني، وكشر الذئاب عن أنيابهم، تمهيداً لغرزها في جسد القضية الفلسطينية، المنهك بالجراح وإنهائها للأبد ، لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فالمُحتل لا يفهم إلاَّ لغة الرصاص، و التجربة الجزائرية في التحرر من الاستدمار الفرنسي الغاشم خير مثال على ذلك.
*كاتب جزائري