الاستعمار الاستيطاني في الضفة الغربية عملية كولونيالية اعمق واخطر من الاحتلال
نواف الزرو*
تبقى الأرض في الحسابات الفلسطينية العربية عنوان القضية والصراع والمستقبل، هكذا كانت منذ البدايات الأولى للصراع العربي –الصهيوني، وهكذا استمرت وبقيت العنوان العريض والكبير والاستراتيجي لكل ما يجري هناك من صراعات وصدامات ومواجهات وانتفاضات، فالحرب على الأرض حملت معها دائماً كل العناوين الأخرى، وكل العناصر والأبعاد الأخرى المتعلقة بالعقيدة والهوية والانتماء والتاريخ والحضارة والجغرافيا والمستقبل..مستقبل الشعب العربي الفلسطيني المكافح الصامد المنتفض على مدار الساعة، ومستقبل الأمة العربية في العمق والأفق الاستراتيجي، ذلك أن دولة الاحتلال الإسرائيلي شكلت وتشكل وستبقى كياناً غريباً دخيلاً غاشماً وخنجراً في خاصرة الأمة إلى حين.
ومن هنا، لم يتوقف الصراع على الأرض الفلسطينية المحتلة أبداً، ووفق الزخم الهائل المتراكم من المعطيات والحقائق الملموسة لن يتوقف في المستقبل أيضاً، رغم الاحتلال المفجع في موازين القوى والمواجهة أولاً، ورغم الانقلاب الذي حل باستراتيجية الصراع والمواجهة العربية مع دولة الاحتلال، بتحوله من الخيار العربي التحريري بالقوة، إلى خيار المفاوضات والسلام كخيار وحيد في المواجهة…واي مواجهة…؟!، فالصراع صراع وجود في الرؤية الاستراتيجية وليس صراع حدود، وهو صراع على الأرض كل الأرض هكذا كانت المقدمات .. وهكذا كانت التطورات على مدى ال72عاماً الماضية منذ النكبة ..
وهكذا يستشف من قراءتنا للمعطيات والحقائق الراهنة الماثلة أمامنا بقوة مذهلة …
وعلى ذلك لم تكن عملية تأجيل بحث الملفات والقضايا الجوهرية الكبيرة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية في الأرض والهوية والسيادة والدولة عفوية وعبثية وبلا دراسة إسرائيلية معمقة …!
فإذا اعتبرنا قضية اللاجئين الفلسطينيين الأكثر جوهرية وتفجراً كونها تتعلق بالوطن والأرض والسيادة .. وإذا اعتبرنا قضية القدس ثانية بعد قضية اللاجئين نظراً لمكانتها الحضارية والدينية .. فإن قضية المستوطنات والاستيطان اليهودي في حقيقة الأمر لا تقل أهمية وخطورة وتفجراً عن القضايا الأخرى ..
فالاستيطان عدوان على الأرض وتهويد لها، ويأتي على حساب اهل الأرض والسيادة والمستقبل، وهو بمثابة الخنجر الذي يقطع أوصال الوحدة الجغرافية والسكانية الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى أجزاء وأشلاء وجيوب بانتستونية، والاستيطان يشكل مع ثنائية الأرض والهجرة ثلاثية الاعمدة التي تقوم عليها الاستراتيجية الصهيونية الإسرائيلية … فإن كانت التنظيمات الإرهابية الصهيونية قد ربطت ثلاثية”الأرض والهجرة والاستيطان” ونفذتها في فلسطين بالاستيلاء على أكبر قدر من الأرض، و استقدام أكبر عدد من المهاجرين والمهجرين اليهود، وبناء وزرع المستوطنات فيها، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعد إقامة الدولة الإسرائيلية واصلت ذات السياسة والنهج والبرامج الاستراتيجية الرامية للسيطرة التامة على الأرض وزرعها بالمهاجرين والمستوطنات بكل الوسائل والأساليب المتاحة لها .
وفي الحقيقة لم تنقطع ولم تتوقف هذه الاستمرارية الاستيطانية على مدار السنوات الطويلة السابقة، ولا في أي مرحلة، وحتى في ظل عملية السلام العقيمة منذ مدريد فأوسلو …!
ووفق معطيات المشهد المتحركة في كل ساعة ولحظة، فإن ما يجري على أرض القدس والضفة الغربية هو بالتأكيد سطو صهيوني مسلح على الارض والتاريخ والتراث، وهو انتهاك صارخ متواصل لكافة المواثيق و القرارات الدولية، و استخفاف بالعرب واحتقار سافر لهم ولمبادرتهم العربية..وما يجري تغطيه دولة الاحتلال بالقوة الغاشمة..!، ويمكن ان نقول ان تلك الدولة ترتقي الى مستوى أكبر مافيا لسرقة الأوطان والأراضي والممتلكات على وجه الكرة الأرضية…!
فما يفعله الصهاينة في هذه الأيام على امتداد مساحة الضفة الغربية، انهم يشنون حروبا مفتوحة على الوطن والشعب العربي الفلسطيني، ويشنون حربا من نوع خاص بهم على الارض الفلسطينية تستهدف الاستيلاء الكامل عليها من بحرها الى نهرها على أنقاض شعبها وحقوقه التاريخية فيها..!.
وليس ذلك فحسب، فهم يغطون عمليا السلب والنهب والسطو المسلح والجرائم بالايديولوجيا والأساطير الدينية، فالحاخام ياكوف سافير يعبر عن ذلك قائلا:”ان الانتقادات الدولية للاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية “سخيفة لان الله هو الذي وعد اليهود بهذه الأرض وعلى العرب أن يرحلوا الى مكان آخر”، ويضيف:”أن هذه الأرض هي أرض يهودية-انها ديارنا”؟.
لذلك، وبينما يجمع العالم كله تقريبا اليوم من اوروبا الى الامم المتحدة، ناهيكم عن الإجماع العربي والإسلامي على رفض الاستيطان الصهيوني، الا ان “اسرائيل” تستحضر دائما وتعمل وفقا لتلك المعادلة في العلاقات الدولية التي كان وضعها بن غوريون كما يلي:” ليس المهم ما يقوله الغوييم-أي الآخرون- وإنما المهم ما يفعله اليهود”….!
فدولة الاحتلال الكولونيالي في الضفة الغربية تتعامل مع فلسطين وكأن هذه الأرض جزء لا يتجزأ إذا من”أرض إسرائيل”، وعلى أنها تخضع للسيادة الاسرائيلية، لذلك ترخي العنان لمستعمريها وبلدوزراتها ليعيثون فسادا وتخريبا وهدما وتدميرا واستيطانا في كل بقعة على امتداد مساحة الضفة، فهناك حرب حقيقية تستعر على الأرض في الضفة كان وصفها أوري أفنيري رئيس تحرير مجلة”هعولام هزيه” سابقا رئيس كتلة”السلام الآن”في معاريف قائلاً :” أن الحرب الحقيقية تدور رحاها على الارض في أنحاء الضفة الغربية والقدس، وأسلحتها تتكون من:الخرائط والقرارات، والأوامر العسكرية، وهي حرب مصيرية يتعلق بها مصير ومستقبل ملايين الفلسطينيين، فإما الحياة أو الموت”، وفي مقالة أخرى له نشرتها صحيفة معاريف أكد أفنيري مـرة أخرى:”أن مفاوضات التسوية الدائمة ستار من الدخان يتواصل خلفه النزاع الإسرائيلي _ الفلسطيني بكل عنفوانه، وتشن اسرائيل معركة حثيثة لترسيخ السيطرة الإسرائيلية في كل أرجاء الضفة الغربية، فما يجري على الأرض يفوق بكثير كل ما ينعكس في وسائل الإعلام، اذ تتواصل في كل أرجاء المناطق المحتلة، معركة ترمي إلى تحويل كل قرية أو مدينة فلسطينية إلى جيب منقطع محوط بمناطق سيطرة الإسرائيلية، هذه ليست من عمل متعصبين مجانين، بل معركة مخططة جيداً تتواصل في عهد الليكود والمعراخ على حد سواء، والهدف منع كل امكانية لإقامة دولة فلسطينية حقيقية مستقلة …”
وحسب المشاريع والنوايا المقروءة لدولة الاحتلال وبلدوزرها الاستيطاني، فان هذا الهجوم الصهيوني على الأرض لن يتوقف ابدا، وهذا الاستخلاص ليس اجتهادا سياسيا او فكريا تحت الجدل، وإنما هو حقيقة كبيرة راسخة تتكرس على الأرض مع مرور كل ساعة من ساعات الأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية العقيمة، وهي حقيقة معززة مدعمة بكم هائل من الوثائق والمعطيات والوقائع الموثقة الملموسة..
ليتضح لنا بالمعطيات والأرقام الموثقة أن خرائط الحرب والجدران والاستيطان هي التي تهيمن على الاراضي الفلسطينية، إذ تتواصل في كل ارجاء الضفة معركة تحويل كل مدينة او قرية فلسطينية الى جيب منقطع محوط بمناطق سيطرة اسرائيلية عسكرية واستيطانية على حد سواء، وهي معركة مخططة جيداً من قبل الاحتلال وتهدف الى منع كل امكانية لاقامة دولة فلسطينية حقيقية مستقلة…؟!!.