أقلام الوطن

نحو خطاب إعلامي جديد يصحح المصطلحات والاولويات ويعيد الاعتبار للصراع الشامل…؟!

نواف الزرو
نواف الزرو

نواف الزرو*

إذا جاز لنا أن نبدأ من الخاتمة فنقول: إن كافة المعادلات والموازين والمعايير والمفاهيم والمصطلحات والأولويات انقلبت رأسا على عقب في السنوات الاخيرة، ومن ضمنها، بل وفي مقدمتها ما يتعلق بالخطاب الاعلامي الفلسطيني العربي في مواجهة الخطاب الاعلامي الصهيوني، فالمصطلحات والأولويات اصبحت تتعامل اعلاميا مع”اسرائيل” كأمر واقع، ومع التطبيع والانفتاح مع”اسرائيل” ايضا كأمر واقع حتى قبل أن تتنازل عن أي حق من الحقوق الفلسطينية، وبالتالي لعل في مقدمة ما تحتاجه فلسطين والقضية الفلسطينية اليوم في ظل الهجوم الكاسح ل”صفقة القرن” وتداعياتها التهويدية على الوجود والحقوق الوطنية الفلسطينية، هو خطاب إعلامي جديد يعيد تصحيح المصطلحات وترتيب الأولويات الوطنية الفلسطينية، لتعود الامور الى المربع الاول في الصراع، والى إعادة الاعتبار للصراع الشامل الوجودي والاستراتيجي مع المشروع الصهيوني والاحتلال.
وفي هذا السياق الاعلامي الحربي وظفت الحركة الصهيونية سابقاً، والدولة الصهيونية لاحقاً تبنت خطابا اعلاميا يستند الى أجندة واضحة لديهم تعتبر الصراع صراعا وجوديا وشاملا على الارض والتاريخ، ووظفت كافة وسائل وأدوات الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة واسعة الانتشار في خدمة برنامجها وأهدافها، وكونت قاموساً خاصاً بها يشتمل على كم لا حصر له من المصطلحات والمفردات الموجهة للرأي العام العربي، وكذلك للرأي العام العالمي.
والحديث المعروف عن هيمنة الحركة الصهيونية على وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ليس مهولاً فيه، فقد ثبت عبر مختلف محطات ومراحل الصراع العربي – الصهيوني أن تلك الوسائل في خدمة الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، لا بل إن تلك الدول الغربية هي الأخرى تبنت الحركة والدولة الصهيونية ووفرت لها المناخات والطاقات والوسائل المختلفة لتوظفها في حربها الاستعمارية في فلسطين.
والذي ميز الإعلام الصهيوني على مدى العقود الماضية أنه كان مبرمجاً ومنهجياً وموجهاً للرأي العام الغربي عامة ولليهود خاصة، والذي ميزه أيضاً أن قاموسه طفح بكم هائل من المصطلحات والمفردات العنصرية التحريضية التشويهية ضد الفلسطينيين والعرب، التي تصور الإنسان العربي على أنه حيوان أو وحش أو دموي أو إرهابي أو متخلف أو بدائي أو عدواني أو أنه لا يصلح إلا للعمل الأسود ولا يصلح إلا أن يبقى حطاباً وسقاءاً.. وأن جنسه دون الجنس اليهودي وأن دمه أرخص من الدم اليهودي وأن اليهودي بألف عربي… الخ.
ومن ضمن الوسائل والمصطلحات التي استخدمها وما يزال الإعلام الصهيوني على سبيل المثال وليس الحصر: الحرب النفسية، الإشاعات، تعظيم قدرات الجيش الإسرائيلي، تهويل الخسائر لدى العدو ، تشويه وتزييف الوقائع والأحداث وغير ذلك.
أما الأهداف الرئيسية من وراء ذلك فهي: تحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق، بمعنى ترويج وتسويق الدولة الصهيونية وروايتها باعتبار أن “الشعب اليهودي” صاحب الحق التاريخي في “الأرض الموعودة” ،وتصوير العرب أصحاب الحق المشروع في فلسطين على أنهم إرهابيون ووحوش يعتزمون افتراس “دولة إسرائيل” والقضاء عليها.
ومن أهدافهم أيضاً تحشيد الرأي العام الأمريكي والغربي إلى جانبهم في مواجهة “العدوانية العربية” وقد حققوا في هذا الصدد نجاحات كبيرة ملموسة في ظل غياب الإعلام العربي الممنهج.
ولا نغفل هنا الحقيقة الساطعة “أن الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل استثمرتا قصة الكارثة أو المحرقة –الهولوكوست-اليهودية استثماراً مذهلاً مستمراً منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما من الزمن، ولا يزال هذا الاستثمار جارياً بقوة هائلة ومردوده على الدولة الإسرائيلية كبير وشامل إعلامي ومعنوي واقتصادي وعسكري… إلخ.
وكانت قصة الهولوكوست من أخطر الوسائل التي استثمرتها الحركة والدولة الإسرائيلية في تجنيد الرأي العام الغربي من جهة، وفي دفعه لاتخاذ مواقف معادية للقضايا العربية من جهة ثانية.
إلى جانب جملة أخرى من المفردات الأقل أهمية، التي يستخدمها الإعلام الصهيوني في تسويق وتكريس أكذوبة المزاعم والمسوغات الصهيونية، غير أن هذا الخطاب سرعان ما انفضح أمره، وانكشفت حقيقته، والأهداف الصهيونية الخبيثة من ورائه، وكان ذلك حينما كشر قادة الاحتلال الإسرائيلي عن أنيابهم وعن لغتهم وعن مصطلحاتهم الحقيقية خلال الحروب والاعتداءات التي شنها الاحتلال على الفلسطينيين والتي ظهر فيها الخطاب الإعلامي السياسي الصهيوني بوجهه البشع بلا رتوش بوصفه خطاب الدم والنار والحرق والدمار بكل ما ينطوي على ذلك من تداعيات كارثية .
وفي ضوء كل هذه المعطيات المتعلقة بالخطاب الإعلامي السياسي الصهيوني التضليلي، وفي مقابل كل هذا الاستثمار الصهيوني لوسائل الإعلام وأدوات الاتصال والتواصل لصالح الرواية والمزاعم الصهيونية، فإننا فلسطينيا وعربيا نفتقد عمليا الى خطة اعلامية استراتيجية منهجية واضحة الأهداف والغايات في مواجهة الإعلام الصهيوني والغربي المتصهين، ونقترح هنا بإلحاح كبير على الاقل ان يتم تشكيل فريق أو أكثر من نخبة من الاعلاميين والكتاب للاتفاق على استراتيجية اعلامية موحدة تعيد الأمور الى بداياتها وتعيد الاعتبار للصراع الشامل، يحملونها و ينفذونها في مواجهة هذا الهجوم الاعلامي التحريضي التشويهي الصهيوني….كما علينا ان نوثق ونثبت أن كل المصطلحات والأولويات الاعلامية يجب اعادة ترتيبها وصياغتها بما يتلاءم تماما مع اعادة الاعتبار للصراع الشامل في مواجهة المشروع الصهيوني…..؟!

 

Nzaro22@hotmail.com

نواف الزرو

-اسير محرر امضى احد عشر عاما في معتقلات الاحتلال الاسرائيلي ، حكم بالمؤبد مدى الحياة عام 1968 وتحرر في اطار صفقة تبادل الاسرى عام 1979 . - بكالوريوس سياسة واقتصاد/جامعة بير زيت-دراسة من المعتقل. - كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي - الصهيوني

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. ان من قلب المفاهيم والمصطلحات الاعلامية وحتى المسميات الحقيقية للاشياء المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني لن يعودوا الى جادة الصواب فيعدلوا ما قلبوه راسا على عقب، وكما أن الخطاب الاعلامي الصهيوني ممنهجا فان اعلام الاعراب ممنهج ايضا لخدمة الحركة الصهيونية وليس الان فقط ، وانما منذ ان ظهرت هذه الدول في اعقاب التامر الدولي على المنطقة في بدايات القرن الماضي.ى

  2. الفكرة رائعة ومستحقة،، تنفيذها يعتمد على المبادرات التطوعية، تبدأ بفرد يرى في نفسه القيم والمهارات والمعرفة،،يختار بداية شخصين او ثلاثة بنفس االمواصفات،، يضعون ميثاقا يحدد المشكلة والأهداف والطرق الخ،ثم ينشئون موقعا اليكترونيا ويجتدبون أفرادا بهذه الاهتمامات ويفسمون العمل بينهم بحيث يتخصص كل واحد بجانب اعلامي، …. وتفاصيل أخرى…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *