” الثلاثاء الحمراء”-قصة بدأت ولم تنته…!
نواف الزرو*
بدأت قصة الأبطال الثلاثة عندما اعتقلت القوات البريطانية مجموعة من الشباب الفلسطيني التي هبت لنجدة المسجد الأقصى فكانت شرارة الثورة عندما نظم مجموعة من المستوطنين مظاهرة ضخمة بتاريخ 14 آب 1929 بمناسبة ما يسمونه ” ذكرى تدمير هيكل سليمان ” واتبعوها بمظاهرة أخرى في اليوم الذي يليه يوم 15 آب في شوارع القدس وصولاً إلى حائط البراق ما يسمونه اليهود ” حائط المبكى ” وهناك رفع اليهود العلم الصهيوني وأخذوا ينشدون النشيد القومي الصهيوني وشتموا المسلمين، وكان اليوم الذي يليه يوم 16 آب هو يوم جمعة و صادف ذكرى المولد النبوي الشريف، فهب المسلمون للدفاع عن حائط البراق حتى لا يقوم اليهود بالاستيلاء عليه، فكان الصدام نتيجة حتمية بين المسلمين واليهود في مختلف المناطق الفلسطينية .
لجأت سلطات الاستعمار البريطاني الى استخدام أقسى أنواع القمع والتنكيل ضد الشعب الفلسطيني، وأصدر المندوب الإنجليزي آنذاك “تكانسلور” أوامره باعتقال المئات من الشعب الفلسطيني وأصدر حكمًا بإعدام عشرين فلسطينيًا، وتم تنفيذ الحكم فورًا في ثلاثة منهم، هم فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم، وحاول قادة العرب منع إعدامهم ولكن إنجلترا أصرت على ذلك وتم التنفيذ في 21 محرم سنة 1349هـ-1930م-).
كان ذلك في يوم الثلاثاء السابع عشر من حزيران/1930…!
وفي السابع عشر من حزيران من كل عام تطل علينا ذكرى اعدام أبطال ثورة البراق -عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي- في سجن عكا، ففي ذلك اليوم “قامت سلطات الاستعمار البريطاني بإعدام الأبطال الثلاثة الذين سطروا ملحمة استشهادية تستحضرها الأجيال جيلا بعد جيل.
كتبوا قصيدة عشق الوطن والقضية والحق بالجسد والدم والروح…
تحدوا الموت وتمردوا على السجان وأعواد المشانق…
كانوا ينشدون في غياهب معتقلهم:
يا ظلام السجن خيم..اننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل ..إلا فجر بدر يتسامى
وعندما حكم عليهم بالإعدام..لم يربكهم هذا الخبر..بل قالوا:
إذا كان اعدامنا يهز اليهود والإنجليز فليضيء كل شباب فلسطين في أرواحهم..
سمحوا لهم أن يكتبوا رسالة في اليوم السابق لموعد الأعدام وقد جاء في رسالتهم:
“الآن ونحن على ابواب الابدية، مقدمين ارواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، ألا تنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة وان نتذكر اننا قدمنا عن طيبة خاطر، انفسنا و جماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال أمتنا وحريتها وأن تبقى الامة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الاعداء وان تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأعداء منها شبرا واحدا، والا تهون عزيمتها وان لا يضعفها التهديد والوعيد، وان تكافح حتى تنال الظفر.
ولنا في آخر حياتنا رجاء الى ملوك وأمراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، ألا يثقوا بالأجانب وسياستهم وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: “ويروغ منك كما يروغ الثعلب”. وعلى العرب في كل البلدان العربية والمسلمين أن ينقذوا فلسطين مما هي فيه الآن من الآلام وأن يساعدوها بكل قواهم. واما رجالنا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو أمتنا وبلادهم فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى تنال غايتنا الوطنية الكبرى… وأما عائلاتنا فقد اودعناها الى الله والامة التي نعتقد انها لن تنساها، والآن بعد ان رأينا من امتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فاننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الارجوحة مرجوحة الابطال باعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين، وختاما نرجو أن تكتبوا على قبورنا: “الى الامة العربية الاستقلال التام او الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت”.
وحين حل يوم الاعدام شنقا…
كانوا يتسابقون نحو الشهادة..
محمد جمجوم يزاحم عطا الزير ليسبقه إلى الشهادة غير آبه بالموت ..
وعطا الزير يطالب بأن ينفذ به الحكم دون قيود، ولما رفض الاستعمار البريطاني ذلك حطم قيده وتقدم نحو المشنقة.
عزف ثلاثتهم سيمفونية عشق أبدي لفلسطين، وسطروا ملحمة عز نظيرها..
فكانوا رمزاً وعنواناً للتحدي والفداء و للشجاعة والإقدام.
أطلقوا عليها “الثلاثاء الحمراء”…
سطرها أبطالها الثلاثة بشجاعتهم واستشهاديتهم وروحيتهم الجهادية العظيمة..
كانوا القدوة والبداية في ملحمة فلسطينية مفتوحة في مواجهة الاستعمارين البريطاني والصهيوني…
حفظتها و توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل…
وكأنهم استشهدوا بالأمس القريب فقط…!
فالذي يجري في هذه الأيام تماما كالذي كان يجري في ايامهم، بل على نحو اخطر واخطر…!
وحائطهم-البراق- الذي انتفضوا من أجله واستشهدوا –شنقا- فداء له، يئن في هذه الايام تحت انياب بلدوزر التهويد الصهيوني.
نستحضرهم…
ونستحضر حكايتهم دائما فهم “ابطال الثلاثاء الحمراء” الخالدة….!
وقصتهم بدأت ولما تنته…!