بيان الأمناء العامين طعنة جديدة في ظهر الشعب الفلسطيني
بروفيسور عبد الستار قاسم
صدر بيان الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، ولم يبتعد عما توقعناه من تعبيرات مجترة تقليدية فارغة المحتوى وخاوية المضمون. وكيف يكون الأمر مختلفا عما عهدناه إذا كان اجتماعهم برئاسة من يعترف بالكيان الصهيوني وما زال يصر على الاستمرار في مفاوضات عبثية استنزفت الشعب الفلسطيني وأهانت مكانة القضية الفلسطينية على كافة المستويات.
تحدث عباس وهو الرئيس غير الشرعي للسلطة الفلسطينية، واستمعوا له وهم يعلمون أنه غير شرعي ولا يمثل أحدا، وكالعادة باستماعهم يضفون عليه شرعية مزيفة ومضللة. في كلمته، عباس ما زال يتمسك بدور أمريكي ليس وحيدا في البحث عن حل للقضية الفلسطينية. وما دام يتمسك بالحضور الأمريكي فإن ذلك يعني أنه ما زال يتمسك بالمفاوضات،. جميع الأمناء العامين يدركون تماما الأضرار الجسيمة التي لحقت بالقصية والشعب جراء هذه المفاوضات واتفاقية أوسلو، لكنهم صادقوا على بيان ختامي إنشائي مجتر.
تحث بعض الأمناء العامين وكان في حديثهم ما دعا إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة تقييم مختلف الأمور والبحث عن انطلاقة فلسطينية جديدة تعيد الحياة للشعب الفلسطيني. تحدث هنية والنخالة عن مقاومة فاعلة في مواجهة الاحتلال، لكن أبو أحمد فؤاد كان الأكثر وضوحا في طرح الأزمات الفلسطينية وضرورة وضع حلول لها. بالرغم من اختلاف كلمات بعض الأمناء العامين مع ما قاله عباس، إلا أن رؤية أهل أوسلو سيطرت على جوهر البيان الختامي.
تمسك الأمناء العامون بما عرف وثيقة الوفاق الوطني، وهي وثيقة شكرنا الذين طرحوها على جهودهم، لكنها لا تصلح لجمع الكلمة الفلسطينية بسبب ما تحويه من تناقضات. إنها وثيقة ترضي كل الفصائل لكنها لا تؤدي إلى وحدة موقف، وهي لا تعرف المصطلحات وتبقيها عائمة. وتمسك الأمناء العامون بقرار الجمعية العامة رقم 194، وهو قرار بحاجة إلى تعديل لأنه يضع حق العودة بعهدة الإرادة الصهيونية. الصهاينة هم الذين يقررون، وفق القرار، الوقت المناسب لفتح بابل العودة. والأمناء العامون صمتوا إزاء ما يسمى بالمقاومة الشعبية. حتى الآن لم يعرف أصحاب المقاومة الشعبية معنى هذه المقاومة ومتطلباتها ومستلزماتها والخطوات التي يجب اتباعها. وقد سبق لي أن عرفتها وحددتها في مقال طويل نشرته عدة مرات.
وفد تجاهل الأمناء العامون اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني، وتجاهلوا تطبيع السلطة الفلسطينية والمنظمة مع الصهاينة. فكيف يحلون إشكالية إدانة الإمارات دون أن يدينوا ما مارسته مؤسسات فلسطينية على مدى سنوات طويلة؟ لا تنه عن خلق وتأتي مثله، عار عليك إذا فعلت عظيم.
الشعب ليس بحاجة إلى بيان هزيل تصدره أهل أوسلو. الشعب بحاجة إلى الدخول في مرحلة جديدة، وهي تتطلب بالتأكيد سياسات واستراتيجيات جديدة مختلفة عما مارسناه عبر سبع وعشرين سنة سالفة،. نحن بحاجة أولا إلى كتابة ميثاق وطني جديد يعكس تطلعات الشعب الفلسطيني، وبحاجة بعد ذلك إلى إعادة بناء منظمة التحرير بطريقة متناسبة مع الميثاق الجديد. والخروج من أوسلو يتطلب معايير اجتماعية واقتصادية وثقافية وتربوية وأمنية وعسكرية جديدة. الترتيبات السائدة حاليا تصلح فقط للاستسلام وخراب بيوت الشعب الفلسطيني. وإذا توافقنا على ميثاق فلسطيني وأعدنا بناء منظمة التحرير، ووافقنا على المقاومة النشطة الفاعلة التي يفهمها الاحتلال، فإن علينا نقل منظمة التحرير إلى مكان آمن ما أمكن، وإقامة غرفة عمليات مشتركة في مكان ما قد يكون غزة بسبب ظرفها الخاص أو دولة تستطيع الدفاع عن نفسها وقت الشدة. لا يمكن لقيادة فلسطينية أن تكون فاعلة وهي في قفص الاحتلال كما هو عليه الحال الآن.
تبادل الأمناء العامون القبل وعبارات المجاملة والتبجيل، وعبارات الأخوة، لكن الشعب الفلسطيني ليس مهتما بهذه، وإنما الشعب مهتم بسياسات جديدة تتم ترجمتها ميدانيا، ويتطلع إلى وحدة وطنية حقيقية لا تخضع لمنافسات فئوية تفتت ولا توحد. ويخطرني هنا عبارة إقامة دولة ديمقراطية الواردة في البيان. مشكلتنا نحن أولا هي العودة. التركيز على عودة ملايين الفلسطينيين أولى من البحث عن دولة تائهة لا يمكن أن تقوم وفق إجراءات الصهاينة التي تفرض أمرا واقعا معبرا عن تطلعاتهم. ثم كيف يريد عباس دولة ديمقراطية وهو يغتصب السلطة منذ عام 2009؟. وقطعا هز الأمناء العامون رؤوسهم بالموافقة.
يعني أنكم جزء من المشكلة.