واصل العدو هجومه ، فشل الرفض وعانينا المساكنة إكتمل الاستهداف ، وانتهت المساكنة… من التلطي إلى التخطي حلقة (2)
د. عادل سمارة
يجوز للحكام العرب، أو معظمهم على الأقل، القول بأنهم لم يُنتدبوا لتحرير فلسطين وبأنهم لا يؤمنون بالقومية العربية، وبأن الشعب لم ينتخبهم وبأنهم أُسقطوا على كل عاصمة بطائرات الإستعمار فالإمبريالية ولذا هم يحكمون بالقوة العسكرية وهراوات المخابرات والشرطة. لكن كل هذا لا يسمح لهم بالعدوان على فلسطين.
سياسات وعلاقات هذه الأنظمة تؤكد بأن تصفية القضية هي بأيدي الحكام العرب واسترداد القضية هي بأيدي خصم هذه الأنظمة أي الشعب العربي.
من هنا تقوم الثورة المضادة بشكل متواصل بتقطيع الوطن العربي جغرافيا هرس وإهلاك الحيِّز الجغرافي وإهلاك الحيز النفسي عبر تكريس التبعية وإهلاك الوعي عبر مئات محطات التهام الوقت والحقن ببلاهة القعود أمام الشاشات التي تنثر التفكيك النفسي والعقلي والأخلاقي كالطوفان.
هي حرب أهلية تقوم بها مختلف هذه الأنظمة كل بطريقته واسلوبه وظرفه لكنها محكومة بقيادة موحدة تجمع متخصصين في المخابرات والعسكر والاقتصاد وعلم النفس والجنس والسياسة والأكاديميا ومراكز البحث بالطبع.
إن مراجعة قرن كامل من الضياع العربي دخلنا أو أُدخلنا إلى القرن الحالي :
- بدون اكتمال بنى رأسمالية
- وبدون انتقال إلى بُنى اشتراكية
قرن كان لا بد من تضييعه كي يبقى الاستعمار ويندمج الكيان في الوطن العربي اندماجا مهيمناً، ولاكتمال الدمار يتم تخصيص القرن الحالي للإبادة بايدي ذاتية وعليه كان الربيع العربي سواء الحراك الحقيقي او وهذا الأهم امتطاء الحراك الحقيقي ليصبح اسوأ من الحراك المدبَّر وليكون السيف هو الدين السياسي.
ما يلي مؤشرات تمهيدية تشي بما يجري اليوم
لعل أول مؤشر على المساكنة كان الفشل في استغلال نصف النصر في حرب اكتوبر عام 1973 حيث تخندقت الساحة الفلسطينية بين الرفض والقبول وكان مؤتمر الرباط 1974 الذي كان ظاهره دعم م.ت.ف لتمثيل الشعب الفلسطيني وكان جوهره تخلص البرجوازيات العربية من واجب الصراع.
لكن حل جبهة الرفض التي تشكلت 1974 وقادتها الجبهة الشعبية ذهب بمختلف الفصائل الفلسطينية من موقع الرفض وتشكيل تيار عربي ثوري إلى الدخول في عديد المساكنات التي حملت بذور ما يجري اليوم كما رفعت الحرج عن قيام انظمة جمهورية بمساكنة الغرب الرأسمالي كعدو.
كما أشرنا في غير مكان، فإن بداية التخندق البرجوازي العربي ضد الأمة وفلسطين كانت مع اتفاقات كامب ديفيد حيث تكونت إثر اتفاقات كامب ديفيد ثلاث جبهات في الوطن العربي كما كتبت في كراس بعنوان: “أزمة الثورة العربية وانحطاط كامب ديفيد 1979 منشورات دار العامل وقد نشرته 1979 بعد خروجي من السجن.:
“…الجبهة الأولى: تتكون هذه الجبهة من الولايات المتحدة والنظام الصهيوني الحاكم وسلسلة من الانظمة العربية ، مصر والسعودية والمغرب والاردن ودويلات الخليج والسودان وعمان. هذه الجبهة لم تتخذ شكل التحالف المعلن بعد ولكن احتمال الاعلان الرسمي عنها مسالة واردة (مع انه لا اهمية للاعلان الرسمي ) وان كانت عمليا في طريق التكوين… تعمل هذه الجبهة لتمرير مشروع الحكم الذاتي على جماهير المناطق المحتلة وجرها للموافقة عليه وقبوله وادلجة هذه الجماهير اولا والجماهير العربية ثانيا بالحل الاستسلامي وقبول الكيان الصهيوني”( ص 40)
لو قرأنا هذا الحديث على الناس اليوم لرأينا أنه تحقق وبقدر أوسع مما طُرح في حينه، وهذا يبين أن معسكر الثورة المضادة كان يعمل بنهج لا يتغير، اي كان لا يُساكننا بينما كان الكثيرون منا يُساكنونه!
“…والجبهة الثانية: تتكون من انظمة جبهة الصمود والتصدي سوريا الجزائر ليبيا عدن العراق مع منظمات المقاومة والاتحاد السوفييتي والاحزاب الشيوعية العربية. …تحاول هذه الجبهة بادئا ذي بدء افشال التسوية السلمية الناتجة عن كامب ديفيد. فهي تضم منظمات يسارية الى جانب انظمة حليفة استراتيجيا للراسمالية العالمية – ومناقضة تكتيكيا لها. فالنظام السوري يناقض امريكا بانتظار اخذ الجولان وحسب، أما النظام العراقي فيلعب بورقة المزايدة ليخلق محورا عربيا لبغداد في مواجهة المحاور العربية الاخرى” (.ص 41 ).
بين تلك الفترة واليوم تم تدمير معظم الأنظمة التي انخرطت في هذه الجبهة بل حتى تدمير البلدان نفسها مما يؤكد أن الثورة المضادة هي التي كانت اشد تماسكا وتمسُّكا ببرنامجها في تدمير الوطن العربي لصالحها ولصالح الكيان.
وهنا يلاحظ القارىء بأنني وصفت هدفها بأنه إفشال التسوية لا أكثر. لكنني فشلت في قراءة أدق لواقع المساكنة بين هذه الأنظمة أو بعضها وبين الجبهة المعادية اي الأولى، كما أنني لم اضع في هذا النص ما كتبته في مواضع أخرى في نقد الفصائل الفلسطينية التي بدأت بمساكنة البرجوازيات العربية وأنظمة التبعية وخاصة أنني كنت منذ 1976 قد غادرت صفوف هذه الفصائل ونقدت توجهاتها التسووية وتورطها في شعارات وهمية من طراز: “سلطة وطنية، دولة في المحتل 1967، دولة واحدة…الخ وكنت انا نفسي قد وافقت على بعض هذه الشعارات”
“… والجبهة الثالثة وهي بالتاكيد الجبهة الأضعف بين الجبهات الثلاث على المستوى المرئي اي ان وقتا ليس بالقصير سيمر قبل ان تتخذ موقعها الطبيعي ، فهي جبهة الشعوب العربية ممثلة في بعض التيارات الشيوعية الراديكالية ذات المواقف النقدية وغير التبعية للاتحاد السوفييتي او الصين…الخ علاوة على انها مضادة للحل السلمي ولدولة التسوية وتطرح حلا جذريا للمسالة الفلسطينية والمسالة العربية” (ص 42)
يلاحظ القارىء أن هذه جبهة مفترضة وجودها ضروري ولكن تبلورها ظل من حينه حتى اليوم لا بد منه، وضرورته اليوم أعلى.
الحلقة الأولى
الحلقة الثالثة
الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة
الحلقة السادسة