كلهم راحلون و تبقى سوريا
بشير شريف البرغوثي
يقال إن الأم الحقيقية هي التي تربي و ليست تلك التي تنجب ..
و نحن العرب الآن أبناء هزيمة واحدة .. أمنا واحدة و إن تعدد آباؤنا
و حين نكون جيلا تربى في حضن الهزيمة فإنه يصعب علينا أن نصدق أننا يمكن أن ننتصر في أي حرب أو مواجهة
من الصعب أن نصدق أن هناك حربا في سوريا تجري تحت علم عربي سوري على أرض عربية سورية بزنود و عقول عربية سورية
هنا تتفتق قرائح أبناء الهزيمة و من درجوا على مدارجها …ليتفق الجميع على أن النصر أو النتيجة – أيا كانت تسميتها كي لا نستثير المصابين بالحساسية المفرطة – ليست عربية سورية
كأني بالجمع و قد اتفق على ان المنتج روسي إيراني و فقط … و على حين يدعي طرف أن ” نظام الأسد لا يملك من أمره شيئاً و أنه باع سوريا لإيران و روسيا ” يطلع طرف آخر لينظر عن انجاز نظام عالمي متعدد الأقطاب و هنا تغدو سوريا أيضا هامشا من الهوامش
أبناء الهزيمة لا يجرؤون على التفكير لحظة أن سوريا قادت معركتها تحت علمها و بزنود جنود جيشها و حفاظا على سيادتها ( أو حتى على نظام حكمها ) فالإرادة واحدة .. و قد أدارت شبكة تحالفاتها بناء على قدرتها على أداء الإستحقاقات المطلوبة منها بكل ندية وفق أجندتها المعلنة سرا و جهارا ليلا و نهارا من أول يوم ” نحن دولة عربية قومية علمانية ” ..
إذن كان على من لا يقرون بذلك أن لا يستهينوا بقوة سوريا العسكرية او الاقتصادية .. و لو أنهم احسنوا التقدير لخدموا اجنداتهم بشكل افضل من الغوغائية التي اتبعوها سواء كانت غوغائية سياسية من نوع غوغائية اوباما او غوغائية إعلامية من قنوات معروفة
حقا إن الجاهل عدو نفسه !
كم أرثي لحال الشتامين الرداحين .. ليس لبذاءة الفاظهم بل لأنهم يعبرون عن تربية الهزيمة و الخور الذي يحيل الحوار خوارا
صحيح أن الحرب تنطوي على مفاجآت غير متوقعة .. و أن النتائج تظل غير محسومة حتى تضع الحرب أوزارها تماما .. و لكن الواقع يقول ان سوريا صمدت و أن جيشها جيش عقائدي و أنها لا يمكن ان تكون طائفية .. نسيجها البشري و التاريخي لا يحتمل الطائفية و أن هذه عوامل لا تسمح للكيان الصهيوني أن يغمض عينيه عن سوريا مهما كانت إمكاناتها متواضعة
و حين أقول سوريا فلا أعني ما تعنيه سوريا بمفهوم أبناء الهزيمة بل بمفهوم جيل عربي آت بالنصر يوما .. هنا تصبح سوريا هي البديل النقيض المباشر لإسرائيل الكبرى
بلاد الشام لا تحتمل الإثنين معا فإما سوريا الكبرى و إما اسرائيل الكبرى .. و هنا ستجري مياه بل دماء كثيرة في مجرى الصراع و قد تتغير التحالفات و قد و قد و لكن يظل هناك يقين لا يطاله الشك : سوريا ستبقى مكانها و لن تغادر و كل الغزاة إلى زوال .. بعضهم سيرحل اليوم و بعضهم سيرحل غدا .. كلهم راحلون و تبقى سوريا.