بين المثقف والمثوقف
بروفيسور عبد الستار قاسم
يتداول الناس على مختلف أوساطهم كلمة مثقف ويجتهدون في تفسيرها وفي المسؤوليات المترتبة على حملها. عموما، يرى الناس ان الذين يتصفون بهذه الكلمة يمكن أن يكونوا أعمدة في المجتمع ويقفوا مع الحق وضد الباطل والظلم. الناس يفترضون من دون تحليل أو فلسفة للكلمة أن الذي يتصف بالثقافة يحمل مسؤولية وأمانة كبيرتين، وهو لا بد يدافع عن العدالة ضد القهر والكبت والانحراف الأخلاقي. الخ.
لكن من المفروض أن يكون هناك تعريف للمثقف حتى يكون الناس عموما على بينة مما يتحدثون عنه، ومن المفروض أن تلعب وسائل الإعلام دورا أساسيا في البحث عن تعريف أو تعاريف ذات صبغة علمية وتنقلها للناس. بخاصة في هذه الأيام حين يكثر الحديث حول دور المثقفين في مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وشد أزر القابضين على الجمر الرافضين للاعتراف بالكيان الصهيوني والتطبيع معه وإقامة أي علاقات معه سوى علاقة المقاومة ضده وضد من يدعمونه. هذا المقال القصير يقدم تعريفا، وللناس التفاعل معه.
المثقف هو صاحب علم ومعرفة يوظفهما لإحقاق الحق ومواجهة الظلم والقهر والاستعباد ومعالجة هموم الناس والسهر على راحتهم. وهذا هو الناجي الوحيد من بين أصناف المثقفين العديدة. وقد سبق أن كتبت كتابا بعنوان قبور المثقفين العرب ونشرته دار الفرسان في عمان/ الأردن، وصنفت فيه المسمون بالمثقفين إلى أصناف وفئات عديدة، وكلها وضعتها في خانة مختلفة عن الخانة التي آوت المثقفين الحقيقيين وفق التعريف الذي اقدمه هنا.
صاحب العلم والمعرفة الذي لا يوظف علمه ومعارفه لخدمة الناس ليس مثقفا، إنما هو مثوقف يستعمل ما يحمل من علم ومعرفة من أجل الحصول على مكاسب آنية وشخصية ويكاد لا يلتفت بتاتا إلى مصالح الناس وهمومهم والمظالم التي تقع على رؤوسهم. هو يبحث عن منصب أو مال أو جاه، ولديه الاستعداد لأن ينافق ويكذب ويدجل من أجل مصالحه وفوائده المادية سواء كانت له مباشرة أو لأبنائه وزوجه وبناته. أغلب المثوقفين العرب ينتمون إلى خانة إرضاء المسؤول عساه يعطف عليه بمنصب أو جاه أو مال، أو تجنب العقاب الذي يمكن أن يمارسه المسؤول ضده. المثوقفون يخشون على الوظيفة، ويخشون الاعتقال وعقوبات أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى. وهؤلاء يرون دائما أن الرزق والحياة بيد المسؤول وليس بيد الله سبحانه وتعالى، ولا يؤمنون بفكرة الاعتماد على الذات وتدبير الأمور ذاتيا إذا اصابه وأصاب عائلته سوء أو مكروه.
وسائل الإعلام في أغلبها تتحدث الآن عن دور المثقفين العرب في مواجهة التطبيع. أكيد هناك مثقفون يقفون مع الحق الفلسطيني ومع كل القضايا العربية، لكن المثوقفين يعدون أعدادا مضاعفة. أنظروا إلى دول الخليج والتي تحول العديد من رجال الدين فيها عن دينهم وأنكروا الخليفة عمر بن الخطاب ونقضوا عهده وأنكروا قول الله سبحانه بحق القدس والمسجد الأقصى وفرطوا بالديار المقدسة. لقد ثبت أنهم كانوا يعبدون الله لمصلحة، وبدلوا عندما أمرهم الحاكم الظالم الشهواني بذلك . وأسوق مثلا بعض المثوقفين المصريين الذين يجب أن يكونوا الشعلة في الدفاع عن تاريخ مصر وقضايا الأمة العربية، هم يمتدحون اللحاق بالكيان الصهيوني الآن. وحتى لا يدير مثوقف عربي ظهره أقول إننا في الساحة الفلسطينية خبرنا مواقف المثوقفين الفلسطينيين الذين صفقوا للاعتراف بالكيان الصهيوني والتنسيق الأمني معه وتوقيع اتفاق أوسلو المشؤوم، وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات لتطبيق الاتفاق وإرضاء الكيان الصهيوني والأمريكيين. لي زملاء كثر في مختلف الجامعات الفلسطينية قبلوا على أنفسهم القبول بمناصب تخدم سلطة أوسلو، وتخدم الاحتلال في النهاية. لا تغضبوا أيها العرب فإن مثوقفينا لا يختلفون عن مثوقفيكم. كلانا في الشؤم واحد. لكن أيضا كل مثقفينا الكبار العظام على امتداد الوطن العربي الذين يضحون بمصالحهم يقفون شامخين يدا واحدة في مواجهة الانهيار العربي والفجر آت إن شاء الله.