الدور الأمريكي في حرب حزيران وتداعياته على قضية فلسطين
د. غازي حسين
اشتركت الولايات المتحدة الأمريكية في جميع الحروب التي أشعلتها “إسرائيل” في فلسطين والبلدان العربية المجاورة لها باستثناء حرب السويس العدوانية، حيث اشتركت فيها فرنسا وبريطانيا مع العدو الإسرائيلي بأساطيلهما الجوية والبحرية.
ودافعت عن جميع الحروب الإسرائيلية داخل مجلس الأمن وخارجه، وعن الاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين والجولان وجنوب لبنان، بأكذوبة حقيرة وهي الدفاع عن النفس وأن السفاح شارون رجل سلام. ووقفت بجانب “إسرائيل” في أبشع الحروب التي أشعلتها على المدنيين من أبناء شعبنا في قطاع غزة، وبشكل خاص في الحربين الخامسة والسادسة على القطاع. وجعلت “إسرائيل” تتفوق عسكرياً على جميع الدول العربية ووقعت تفاهمات مع السعودية وبقية دول الخليج على عدم استخدام السلاح الأمريكي ضد “إسرائيل”. ومكنت العدو من امتلاك أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية وأحدث أنواع التكنولوجيا الحربية، وتحول دون تقديم قادة إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية لمعاقبتهم كمجرمي حرب على النكبة المستمرة والهولوكوست الإسرائيلي وعلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها بحق شعبنا الفلسطيني.
وبمناسبة مرور الذكرى السنوية لحزيران، وعدم انسحاب العدو الإسرائيلي من القدس وبقية الضفة الغربية والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وكفر شوبا في جنوب لبنان لا بدّ من التذكير في الدور الأمريكي في حرب حزيران العدوانية عام 1967، و رفضه و رفض واشنطن تطبيق قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتأييدها لاستمرار الاحتلال وضم القدس والجولان.
اشتركت أمريكا مع العدو الإسرائيلي في حرب حزيران العدوانية. ودافعت ولا تزال تدافع عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية داخل الأمم المتحدة وخارجها ومع أتباعها العرب وجامعة الدول العربية.
و تزوده بأحدث أنواع الأسلحة وبالمساعدات الاقتصادية الضخمة للمحافظة على تفوقه العسكري لتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي وتصفية قضية فلسطين وتهويد القدس مدينة الإسراء والمعراج.
وتعتبر الإدارات الأمريكية أن أمن “إسرائيل” من امن أمريكا ورفعه الرئيس أوباما إلى مستوى القداسة (الدينية والسياسية).
وتثبت الوثائق أن الأمير فهد الذي ترأس الجانب السعودي في اللجنة الأمريكية– السعودية المشتركة التي كانت تدير الحرب في اليمن ضد القوات التي أرسلها القائد العربي جمال عبد الناصر لتدافع عن الجمهورية اليمنية الوليدة قد طلب في اجتماع اللجنة في شهر كانون أول 1966 أن توعز واشنطن لحليفتها “إسرائيل” القيام بهجوم كبير على قطاع غزة أو على سورية فإما أن يتصدى الرئيس عبد الناصر للهجوم وتوجه له “إسرائيل” ضربة قوية وإما أن يلتزم الصمت وبالتالي يخسر الكثير من شعبيته في تحقيق أحد الاحتمالين.
وبالفعل اتفق اشكول رئيس وزراء العدو الإسرائيلي آنذاك مع الرئيس اريك جونسون في أيار 1967 على تحقيق المطلب السعودي خدمة لمصالح “إسرائيل” وأمريكا وأتباعها في الخليج.
وانطلاقا من الوثائق التي نشرها حسنين هيكل أطلق جونسون واشكول على العملية أي على حرب حزيران عملية اصطياد “الديك الرومي”.
وهكذا ساهم النظام السعودي الحليف الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة ببيع فلسطين والقدس لليهود، واحتلال الجولان وتدمير النظام العربي في العصر الحديث، لمصلحة الاستراتيجية الأمريكية – الإسرائيلية في الوطن العربي.
ساهمت السعودية وجامعة الدول العربية ومحور المعتدلين العرب وعلى راسهم الطاغية المخلوع حسني مبارك بمبادرة الأمير فهد في مؤتمر القمة العربية في فاس عام 1982 وفي مشروع المبادرة العربية التي طرحها الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان وأعطاها لسمو الأمير عبد الله وأدخل عليها بعض التعديلات وطرحها الأمير السعودي في مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2002 بعد تفجيرات 11 أيلول في أمريكا. وأصبحت تعرف بالمبادرة العربية للسلام لبيع فلسطين والقدس لليهود وثروات النفط والغاز لليهودية الامريكية و “إسرائيل” أعداء الله والأنبياء والوطن والمواطن والعروبة والإسلام والقانون الدولي والإنسانية جمعاء.
احتلت “إسرائيل” بالإضافة إلى قطاع غزة وسيناء والجولان وأجزاء أخرى من جنوب لبنان ووادي عربة مدينة القدس الشرقية. وضمتها في نهاية حزيران مباشرة إلى القدس المحتلة عام 1948.
وأعلنت القدس العربية بشطريها المحتلين عاصمة “إسرائيل” الأبدية. واعترف الكونغرس الأمريكي والرئيس ترمب بضم القدس واعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني مما جسد أخطر الانتهاكات لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤتمرات القمة العربية ومؤتمرات منظمة الدول الإسلامية، وتحدياً عدوانياً وحقيراً لمشاعر العرب (مسلمين ومسيحيين) والمسلمين في جميع أنحاء العالم.
ووصلت وقاحة دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي حدا طالب فيه الرئيس الإسرائيلي الاسبق أبو مفاعل ديمونا الذري وسفاح قانا بيريس بجعل القدس العربية بشطريها المحتلين عاصمة للعالم.
ورأى السفاحون بيغن وشارون ونتنياهو أن حرب حزيران العدوانية قد حققت لليهود الاستعمار الاستيطاني الذي رسخه كتبة التوراة والتلمود عن “أرض الآباء والأجداد” أرض الميعاد المزعومة. واعتبروا أن سيناء جزء من هذه الأرض التي عادت إليهم، وان يهودا والسامرة أراضي محررة وليست محتلة، وذلك خلافا للحقائق والوقائع التاريخية والقانونية وخلافا لقرارات مجلس الأمن الدولي ومبادئ القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي.
ولكن في حقيقة الأمر جلب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة كارثة عظمى لإسرائيل والصهيونية العالمية لأنها أقنعت الشعوب العربية والاسلامية استحالة التعايش مع الكيان الصهيوني وان مصيره ككيان استعمار استيطاني و عنصري وإرهابي إلى الزوال.
وبالتالي حملت الحرب العدوانية التي أشعلها العدو في طياتها بذور زوال “إسرائيل” في المستقبل القريب أو البعيد، إن عاجلاً أو آجلاً واستحالة التطبيع والتعايش معها أو القبول بوجودها في فلسطين قلب الوطن العربي.
واخذ العدو الصهيوني يتمسك باحتلاله للأراضي العربية لكسر الإرادات العربية والفلسطينية الرسمية وتحقيق الأكاذيب والأطماع التي رسخها كتبة التوراة والتلمود و المؤسسون الصهاينة ويقول إن الحرب أحدثت تغيرات جوهرية لقضايا بقيت مفتوحة بعد حرب عام 1948 التي أشعلتها أيضاً العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة وهي: الصلح والاعتراف والأمن والحدود والقدس والتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والاعتراف بيهودية الدولة. واعتقد العدو انه اضاف ايضا املاكا يستطيع ان يستبدل بها اتفاقات (اذعان) على غرار اتفاقيتي كامب ديفيد و هذا ما حصل بالفعل بتوقيع اتفاق الاذعان في أوسلو بتاريخ 19/9/1993.
ويقول الإسرائيليون ان حرب 1948 منحت “إسرائيل” شرعية دولية و ازالت حدود التقسيم أي قضت على اقامة الدولة الفلسطينية بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 المعروف بقرار التقسيم.
واقتسمت “إسرائيل” عمليا أراضي الدولة الفلسطينية مع الملك عبد الله الذي اعترف بقرار التقسيم واجبر الجيوش العربية على الالتزام به، بصفته القائد الأعلى للقوات التي دخلت فلسطين لحماية الفلسطينيين من المذابح اليهودية. واكتفى بضم 22% من فلسطين اي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وتقول “إسرائيل” إن العالم اعترف باحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1948 ويرفض الاعتراف باحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، أي برأيها اعتراف العالم بحدود 1949 مقابل اعادة الاراضي المحتلة عام 1967. وهي خططت وتريد تكرار تجربتها في حرب 1948 أي ابتلاع الأراضي المحتلة عام 1967 عن طريق الاستعمار الاستيطاني المستمر حتى اليوم ويدهم من أنباعها في الخليج.
وتعتقد “إسرائيل” ايضا ان الدول العربية غيرت مصالحها ومواقفها في الصراع معها، حيث كانت مصالحها تنحصر في اعادة اراضيها التي احتلها “إسرائيل”. وادى هذا التغير في مواقفها الى توقيع اتفاقيتي الإذعان في كامب ديفيد وتوقيع الاردن لاتفاق الإذعان في وادي عربة.
وبالفعل قايض انور السادات عودة سيناء المنقوصة السيادة على حساب القدس وفلسطين والجولان وجنوب لبنان. ويعتقد قادة الكيان الصهيوني ان نتائج حرب حزيران العدوانية غيرت المواجهة العسكرية والسياسية، فلم تعد المواجه بين “إسرائيل” والدول العربية بل بينها وبين الفلسطينيين. وتخلت قيادة منظمة التحرير عن المقاومة المسلحة واستبدلتها بالنضال السياسي من أجل جزء من فلسطين. وبالتالي نشأ حسب قولهم احتمال إنشاء دولة فلسطينية (كمصلحة إسرائيلية وأمريكية) في إطار رؤية الدولتين، أي أنها ستقوم على حوالي اقل من 9% مقابل الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها أي في حوالي 90% من مساحة فلسطين العربية.
واستبدل المجتمع اليهودي في “إسرائيل” ممثلا بحزب العمل وتكتل الليكود وحزب كاديما “إسرائيل الكبرى” الجغرافية “بإسرائيل العظمى” الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي طرحه بيرس و تبنته ادارة بوش.
وترى “إسرائيل” من جراء ذلك ليس فقط الهيمنة على منطقة الشرق الاوسط وانما ايضا حمل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية بقيادة محور المعتدلين العرب الاعتراف بيهودية الدولة أي بدولة يهودية عنصرية نقية، لترحيل عرب الأراضي المحتلة عام 1948 الى دولتهم الفلسطينية والتشطيب على حق عودة اللاجئين الى ديارهم.
ويزعم الصهاينة ايضا ان حرب حزيران العدوانية حققت التصور الذي وضعه الزعيم الصهيوني جابوتنسكي في مقالته “سور الحديد” أو السور الفولاذي عام 1923 حيث طالب بإقامة جدار حديدي لإدخال اليأس في نفوس الجماعات المتطرفة العربية وينتقل التأثير والفعل الى المجموعات المعتدلة. وياتي هؤلاء المعتدلون بحسب راي الارهابي جابوتنسكي ومعهم اقتراحات لتنازلات متبادلة، تماما كما فعلت قيادة منظمة التحرير في مفاوضاتها العبثية. وبرأيه بعد ان يتنازل الفلسطينيون عن اكثرية فلسطين التاريخية يستطيع الشعبان ان يتعايشا جنبا إلى جنب بسلام.
وتعتقد اليوم أوساط واسعة في الكيان الصهيوني بعد مرور 73 عاما على النكبة وتأسيس الكيان الصهيوني و مرور 54 عاما على حرب حزيران العدوانية بأن تأجيل حكومات نتنياهو اتخاذ القرار الحاسم المطلوب بإعادة المناطق المحتلة عام 1967 مقابل اتفاق دائم يعرض للخطر الانجازات السياسية المهمة التي حققتها “إسرائيل” في اتفاقياتها مع مصر والاردن و الحلف الاستراتيجي مع تركيا.
وكان من أهم الانجازات التي حققها العدو الإسرائيلي جراء حرب حزيران العدوانية بالإضافة الى اتفاقات الاذعان في كمب ديفيد واوسلو ووادي عربة تهويد القدس الشرقية بما فيها البلدة القديمة وقلبها حي الشيخ جراح، وتهويد المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم ومقام الشيخ يوسف في نابلس وانتقال محور المعتدلين العرب بقيادة نظام كامب ديفيد في القاهرة والامارات وقطر والسعودية والبحرين من الخندق العربي الى الخندق الأمريكي -الإسرائيلي وتبنيهم المشروع الأمريكي والتسوية السياسية من خلال رؤية الدولتين التي أخذها بوش الابن من مشروع شارون للتسوية و بالتنسيق والتفاهم معه لان اليهودية الامريكية تتحكّم بصنع القرارات الأمريكية حول فلسطين والشرق الاوسط.
وهكذا ادى اشتراك أمريكا مع العدو الإسرائيلي في حرب حزيران العدوانية عام 1967 ودفاعها عن الاحتلال الإسرائيلي للقدس والجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة داخل الأمم المتحدة وخارجها، وتزويدها للعدو بأحدث الطائرات والصواريخ والمعدات العسكرية الأمريكية لكسر معظم الإرادات الرسمية العربية والفلسطينية وتوطيد التحالف الامبريالي والصهيوني والرجعي لتصفية قضية فلسطين وحركات التحرر الوطني والمقاومة العربية و إنجاح المشروع الصهيوني.
أثبت التاريخ البشري ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وان العدو الصهيوني لايفهم الا لغة القوة، ويعمل لاقامة “إسرائيل” العظمى الاقتصادية من النيل الى الفرات للهيمنة على النفط والغاز وقيادة المنطقة كمقدمة للسيطرة على العالم.لذلك ارى من الواجبات الوطنية والقومية والدينية والقانونية والانسانية التمسك بخيار المقاومة المسلحة لاجتثاث الاستعمار الاستيطاني اليهودي والعنصري كما تم القضاء على النازية في ألمانيا، والاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر والعنصرية في روديسيا والبرتغال، ونظام الأبارتايد في جنوب افريقيا.