المجلس الوطني الفلسطيني وإلغاء الميثاق بحضور الرئيس الامريكي كلنتون
د.غازي حسين
في ظل الزمن الفلسطيني والعربي الرسمي الرديء. وفي ظل التضليل والخداع والكذب الذي تمارسه فضائيات دول الخليج وأجهزة الإعلام والمخابرات والدبلوماسية في دول من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وفي ظل الدور الذي قامت به جامعة الدول العربية بتلبية المطالب الأمريكية والاسرائيلية وفي ظل عهد محمد بن سلمان جرى ويجري تهويد القدس و فلسطين شقفة شقفة لتمرير المشروع الأمريكي الصهيوني في الوطن العربي بموافقة السعودية على صفقة القرن.
بدأت تنازلات قيادة عرفات عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني في اتفاق الإذعان في أوسلو الذي وقعه عرفات في 9/9/1993 ومحمود عباس في 13/9/1993. وبلغت تنازلات عرفات وعباس ذروتها بإلغاء الميثاق الوطني في نيسان عام 1996 تلبية لمطلب صهيوني قديم تقدم به أبو مفاعل ديمونا الذري وسفاح قانا شمعون بيرس وسفاح مجزرة جامع دهمش في اللد الجنرال اسحق رابين بذريعة إنجاح حزب العمل الاسرائيلي في الانتخابات ولإقامة دويلة فلسطينية .واعتبر بيرس إلغاء الميثاق (التغيير الأيديولوجي الأكثر أهمية في هذا القرن).
توصل عرفات في العام 1998 إلى اتفاق إذعان جديد في واي بلانتيشن لترسيخ وتثبيت الشق الوارد فيه لمصلحة الكيان الصهيوني. ولكن نتنياهو (شايلوك القرن الحادي والعشرين) إمعاناً منه بمزيد من ابتزاز قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وترويضها ربط التزامه باتفاق أوسلو الذي وضعه بيرس وتوقيع اتفاق الإذعان في واي بلانتيشن بإلغاء الميثاق للمرة الثانية وقوفاً وبرفع الأيدي، لمزيد من إذلال قيادة المنظمة وتحقيرها ومن أجل إضفاء المزيد من المشروعية على الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين ونزع عروبتها والحق التاريخي للعرب في فلسطين منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا، ولنزع أي شرعية تاريخية وروحية للعرب والمسلمين فيها والاعتراف بالرواية اليهودية والصهيونية الكاذبة، وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والاستمرار في سياسة الاستعمار الاستيطاني وبناء المستعمرات اليهودية وترحيل الفلسطينيين من وطنهم فلسطين، ولنزع الشرعية عن النضال الوطني للشعب الفلسطيني لاستعادة أرضه وممتلكاته وحقوقه المسلوبة.
رضخ عرفات لشرط نتنياهو وجمع من أسماهم أعضاء المجلس الوطني المنتهية ولايته والذين وصل عددهم إلى أكثر من ألف من الموظفين والمنتفعين من أموال الدول المانحة وصوّتوا وقوفاً وبرفع الأيدي تماماً كما طلب نتنياهو وبحضور وشهادة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بتاريخ 8/11/1998 في مدينة غزة على إلغاء الميثاق. وكان كلينتون هو الذي طلب من عرفات القيام بأخطر مسرحية مضللة ومخادعة في تاريخ الشعب الفلسطيني. لذلك وقف أمام مجلس عرفات في غزة ليقول: (أشكركم لأنكم رفعتم أيديكم لقد قمتم بعمل جيد) هكذا تباع فلسطين إرضاءً للولايات المتحدة واليهودية العالمية وأموال الدول المانحة ومبارد الكنز الاستراتيجي لإسرائيل كما وصفه الفاشي نتنياهو.
علّق نتنياهو على إلغاء و تحقيق المجلس الوطني الفلسطيني للشرط الذي وضعه وقال: (إن هذا اليوم هو يوم مهم بالنسبة إلى دولة “اسرائيل” (الكيان الصهيوني) إذ أنه بعد مرور (50) عاماً على تبني الميثاق الوطني الفلسطيني وخمس سنوات على الوعد بإلغائه أنجز الأمر فعلاً. وأكد أن الإلغاء تحقق بفضل إصرار “اسرائيل” على ذلك، مشدداً على ضرورة إنعكاس هذا القرار على كل أوجه الحياة المتعلقة بالفلسطينيين بدءاً من المدارس وكتب التعليم وحتى تصريحات زعماء السلطة. وحققت السلطة الفلسطينية لنتنياهو تغيير المناهج الدراسية بالشكل الذي أراده العدو الصهيوني، كما واشترط ألا يدلي زعماء السلطة والمنتفعون بها بتصريحات تتبنى الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا الفلسطيني ومنها حق العودة، وأخذت السلطة تتبنى بعض المقولات والأكاذيب والأطماع الصهيونية. فأدلى عباس بتصريح قال فيه إن فلسطين هي أرض الميعاد، كما صرح سلام فياض قائلاً: “إن فلسطين هي أرض التوراة”.
وتتضمن تصريحاتهما وتصريحات ياسر عبد ربه وعريقات التنازل عن حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين في القدس وبقية فلسطين.
وردت فصائل المقاومة الفلسطينية العشرة على إلغاء الميثاق بناء على طلب الكيان الصهيوني بالدعوة إلى انتخاب لجنة تنفيذية ومجلس مركزي جديد لمنظمة التحرير للحيلولة دون احتكار عرفات للقرار الفلسطيني رافضة بصورة قاطعة اتفاق الإذعان في واي بلانتيشن ولكن عرفات تجاهل طلبهم.
ولم يحدث حتى الآن انتخاب مجلس وطني ومركزي جديد ولجنة تنفيذية جديدة بالمعايير الدستورية والديمقراطية، مما يفقد منظمة التحرير وأطرها القيادية الشرعية الدستورية والنضالية.
صادق أعضاء مجلس عرفات في غزة ثانيةً في 14/12/1998 على إلغاء مواد الميثاق الوطني التي تتمسك بالحق التاريخي للعرب في فلسطين وعدم قانونية وعد بلفور وعدم شرعية نظام الانتداب وقرار التقسيم وتأسيس الكيان الصهيوني وتدعو إلى القضاء على كيان الاستعمار الاستيطاني العنصري في فلسطين العربية. والمواد الملغاة هي: 6 و7 و8 و9 و10 و15 و19 و20 و21 و22 و23 و30 ، أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي 1 و2 و3 و4 و5 و11 و12 و13 و14 و16 و17 و18 و25 و26 و27 و29 ، فماذا تبقى إذاً من الميثاق الذي يعتبر دستور و قرآن وإنجيل الشعب الفلسطيني؟ وماذا جنى الشعب العربي الفلسطيني من إلغاء الميثاق؟ وهل يحق لياسر عرفات ومجلسه في غزة أن يتنازل عن ذرة واحدة من تراب فلسطين؟ فلسطين ليست للبيع وليست ملكاً لقيادة فتح والفصائل التي تتمول منها أي الفصائل التي تسمي نفسها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
شكّل إلغاء الميثاق أبرز التنازلات الخطيرة التي قام بها ياسر عرفات ومجلسه الوطني مرتين في غزة عام 1996 و عام 1998 وبحضور الرئيس الأميركي المتصهين تنفيذاً لاتفاقيتي الإذعان في أوسلو و واي بلانتيشن ووقوفاً وبرفع الأيدي كما أصر الإرهابي نتنياهو.
وظهر بجلاء مدى الانحدار السياسي والأخلاقي الذي وصلت إليه قيادة عرفات والقيادات الفلسطينية الأخرى التي تتمول منها والذين باعوا فلسطين مقابل مناصب السلطة وامتيازاتها وأموالها وانحرافهم الوطني والأخلاقي والفساد الذي تغلغل داخلهم حتى النخاع. وتحولوا إلى أدوات من خلال أموال الدول المانحة لتلبية المطالب والإملاءات الإسرائيلية والمطالب الأمريكية إلى أن وصلت قضية فلسطين الى اردأ وأخطر مراحلها.
جاء إلغاء عرفات للميثاق ليس لخدمة الشعب الفلسطيني وإنما ضده وتكريس بداية التنازل عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا وتلبية للمطالب المتكررة للجنرال رابين وبيرس و نتنياهو واعتبره بيرس بأنه التغيير الأيديولوجي الأكثر أهمية في هذا القرن، لأنه يقود إلى تصفية الحقوق والقضية وعروبة فلسطين وتخليد وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، والهيمنة عليه وإقامة اسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد والسوق الشرق أوسطية وتطبيع العلاقات والقضاء على المقاطعة العربية والتعاون الإقليمي المشترك وإقامة مؤسسات على أساس شرق أوسطي وليس على أساس عربي وهيمنة اسرائيل عليها.
جاء إلغاء الميثاق بالتزامن مع احتفالات العدو الصهيوني بالذكرى السنوية لاغتصاب فلسطين أي في ذكرى النكبة من دون أن تحصل قيادة منظمة التحرير على الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبدون أية ضمانات أخرى وإنما بموافقة المجلس الوطني واللجنة التنفيذية على تخفيض سقف الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني والاعتراف الفلسطيني بالرواية الصهيونية الكاذبة.
واعتبر ياسر عرفات “أن التعديل (الإلغاء) انتصار لديمقراطيتنا وانتصار للمسيرة الكبرى التي بدأت في أوسلو وتواصلت في القاهرة ثم في واشنطن، وقالت حنان شعراوي عضو المجلس الوطني أن قرار التعديل (الإلغاء) يثبت أن (اسرائيل) بوسعها أن تملي ما تريد”.
إن القيادة المنحرفة في منظمة التحرير الفلسطينية قامت بإلغاء الميثاق للمرة الثانية التزاماً منها بتنفيذ اتفاقيتي الإذعان في أوسلو و واي بلانتيشن وهيأت للمسرحيتين في احتفالات مضللة و مخادعة ألحقت أفدح الأضرار بقضية فلسطين ووضعتها على سكة التصفية وإنجاح المشروع الصهيوني وإقامة “اسرائيل العظمى” الاقتصادية من خلال إلغاء المقاطعة العربية والتطبيع الجماعي العربي ومشروع الشرق الأوسط الجديد والتحالف بين اسرائيل والسعودية.
إن موافقة المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على إلغاء الميثاق أفقدت القيادة الفلسطينية أي شرعية تمثيلية للشعب الفلسطيني، لأن عملية الإلغاء تتناقض مع الحقوق التاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين ولا تمثل إرادة الشعب الفلسطيني وتطلعاته ونضالاته و انتفاضاته و طعنة قاتلة لجوهر حقوق الشعب والأمة في فلسطين، واستجاب أعضاء المجلس الذين وافقوا على الإلغاء وتنازلوا عن الثوابت الوطنية ً للإملاءات صهيونية وتلبية لطلب الرئيس الأمريكي كلينتون.
إنعقد المجلس الوطني بناء على طلب من اسرائيل وبدعم من إدارة الرئيس كلنتون لتحقيق مطالبها بالتنازل عن عروبة فلسطين والتخلي عن المقاومة المسلحة والاعتراف بإسرائيل والتعايش والتطبيع معها وفي ظل الاحتلال الصهيوني وموافقته على دخول بعض الأعضاء الذين كان العدو الصهيوني يلاحقهم ومنهم أبو داوود وأبو العباس وغيرهم.
أدى إلغاء الميثاق إلى المس بوحدة الشعب الفلسطيني و بحقوقه الأساسية ومنها إسقاط حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وإلغاء عروبة فلسطين وقرارات الأمم المتحدة بخصوصها وقضى على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تحرر وطني. وتحول العمل الفلسطيني إلى عمل لا يستند إلى الميثاق وإنما إلى نتائج خطيرة على مستقبل النضال الفلسطيني. وزاد من آلام وعذابات و ويلات ومصائب وتضحيات وضحايا الشعب الفلسطيني وتهويد فلسطين بما فيها المقدسات العربية ومدينة القدس بشطريها المحتلين.
علق سفاح قانا شمعون بيرس على إلغاء الميثاق وقال: “إن هذا القرار يشكل التغيير الأيديولوجي الأكثر أهمية في هذا القرن، إنه تغيير أساسي في العلاقات الاسرائيلية – الفلسطينية”.
انعقدت ثلاثة مؤتمرات شعبية فلسطينية في غزة ورام الله ودمشق وجاء في البيان الختامي الصادر في دمشق يوم 12/12/1998 “إن شعبنا يقف بحزم ضد إلغاء الميثاق، والذي تعد ثوابته محل إجماع وطني. وإن إلغاء الميثاق هو إلغاء لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وتدمير للوحدة الوطنية وإن الذين أقدموا على الإلغاء فاقدون لشرعيتهم الوطنية والقانونية”. إن الميثاق الوطني هو دستور وقرآن وإنجيل الشعب الفلسطيني وحق لجميع أفراده في داخل فلسطين وخارجها. ولا يجوز لقيادة اتفاق الإذعان في أوسلو كطرف أن تتصرف بمعزل عن الطرف الآخر الوطني، كما أنه ليس من حق عرفات ومجلسه الوطني أن يتنازل عن مبادئ وأهداف النضال الفلسطيني التي استشهد من خلالها مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
إننا نعتبر أن جميع الذين شاركوا في مسرحية إلغاء الميثاق وقوفاً وبرفع الأيدي كما طلب نتنياهو بلا قيم وبلا أخلاق وطنية أو حتى إنسانية، وإنما باعوا فلسطين خدمة لمصالحهم الشخصية والفئوية.
وأدى إلغاء الميثاق إلى اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل ، والقضاء على المقاومة المسلحة وإخراج إسرائيل من عزلتها الإقليمية والدولية وهرولة السعودية وقطر والإمارات إلى تطبيع العلاقات معها، وانفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتهميش القضية، وتبنّي آل سعود وثاني ونهيّان الحل الصهيوني لتصفيتها، وإقامة تحالف عربي – إسرائيلي لمواجهة حركات المقاومة المسلحة وحزب الله وسورية وإيران وإقامة إسرائيل العُظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد للقضاء على دور العرب في العصر الحديث وفرض هيمنة اليهودية على بلدان الشرق الأوسط وعلى العالم بأسره كما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون.