الجزائر وحدود تقاطع الرسمي بالشعبي – مواجهة الكيان
د. عادل سماره
أثار نشاط الدبلوماسية الجزائرية مؤخراً الكثير من التحليلات وبناء وجهات نظر ومواقف إثر ذلك.
على أن هناك قاعدة ثابتة يجدر التذكير بها وهي أن لكل شعب، في الغالب، مرتكز أو مآل ثقافي يفرض نفسه قد نسميه روح أو ضمير الشعب. فعلى سبيل المثال يتجذر في ثقافة الشعب الصيني الحذر من الرأسمالية باساسها الغربي الأمر الذي قاد، حتى حينه على الأقل، إلى القبول الشعبي بقيادة الحزب الشيوعي حتى ولو بوجود توجهات راسمالية إلى جانب الاشتراكية.
إن تراث الصراع بل النضال الشعبي الجزائري ضد الاستعمار عامة والاستعمار الاستيطاني خاصة هو تراث متجذر لدى مختلف الطبقات الاجتماعية والانتماءات الفكرية في الجزائر. وهذا ما يحكم موقف الجزائر من الكيان الصهيوني حتى رغم تطبيع فلسطينيين مع الكيان وحتى في فترة تفاقم التطبيع من المشرق (الخليج ،الإمارات والبقية) ووادي النيل (السودان) والمغرب أي نظام المغرب.
وعليه، فإن هذا الموقف الجزائري ضد قبول الكيان عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي رغم الإنهيار الهائل في الموقف الرسمي العربي لابد أن يثير التساؤل. وهو التساؤل الذي يجد إجابته في الشخصية الوطنية الجزائرية باعتبار القضية الفلسطينية كما لو كانت جبال اطلس، وبالتالي لا تأثير للتطبيع عليه.
لذا، ليس صحيحاً اختزال موقف الجزائر على انه نكاية في النظام المغربي العميل كما يزعم الصهاينة العرب واليهود لا سيما أن انكشاف علاقة نظام المغرب بالكيان يعود إلى عقود طويلة ماضية. وليس صحيحاً أن موقف الجزائر هو بسبب قيام النظام الحاكم في المغرب بمحاولة إثارة الفتنة في الجزائر لأن هذا النظام ضد الثورة الجزائرية منذ البداية كما هو دور الإمبريالية الفرنسية، اي ان كل هذه معلومات وأسباب قديمة ومعروفة ولكن ليست كل شيء.
ومن جهة اخرى فالجزائر تعلم موقف ذلك النظام من جمهورية الصحراء وأطماع ذلك النظام فيها وحتى في موريتانيا.وهذا الطمع ليس فقط لأن الملك يحاول توسيع نطاق حكمه ليشمل قمع تلكم البلدان، بل والأهم أن توسيع نطاق حكم نظام تابع هو زيادة في احتجاز تطور اكبر مساحة وجماهير ممكنة في الوطن العربي وحشرها في خدمة النظام الراسمالي العالمي إلى الأبد. فكل خطوة أو قرار من نظام تابع هي في الأساس في خدمة الاحتكارات الإمبريالية .
وتعلم الجزائر كذلك أن هذا النظام ضد أي شكل من وحدة المغرب الكبير لأنه نظام ملكي مطلق، ولا وطني على الإطلاق.
وللتحديد، فإن موقف الجزائر هو في الأساس موقف شعبي ولذا هو مبدئي ولم تزيده الأمور أعلاه سوى صلابة.
لكن هذا الموقف قُصد به أمور أخرى كذلك أو لامس أموراً أخرى:
- تحسين العلاقة مع النظام الحاكم في مصر ،رغم كونه الأقدم تطبيعياً، ربما في سعي جزائري لإعادة درجة من التضامن الرسمي العربي اقتلاعاً لقيادة الخليج المتصهينة.
- دعم مصر في أزمة سد النهضة
- ضرب الدعم الأمريكي للكيان ولنظام المغرب في هذه المسألة.
- ربما محاولة إعادة دور الأنظمة العربية في إفريقيا.
لكن هذا لا ينفي أمورا سلبية أخرى هي في بنية الجزائر نفسها تجعل المهمة صعبة.
ففيما يخص الجزائر هناك مشكلتين داخليتين على الأقل:
الأولى: حدود جذرية النظام، لأن التصدي للثورة المضادة من واشنطن لباريس إلى الكيان وحتى الخليج يشترط نظاما جذرياً يقوم على استراتيجية ذاتية تبدأ بالحماية الشعبية وصولا إلى فك الارتباط بالنظام الراسمالي العالمي .
والثانية: قدرة النظام حتى باستراتيجيته الحالية المتواضعة على اقتلاع اللوبي الكمبرادوري اللاوطني في الجزائر والذي بدأ برحيل بومدين وأوصل البلد إلى حالة من شلل مواقع الإنتاج /الصلع الإنتاجي.
ضمن هذا السياق استمعتُ صدفة إلى فضائية الجزائر في حديث للرئيس الجزائري عن وجود احتكار بيروقراطي يعيق المشاريع التنموية حتى القائمة منها بتبريرات غريبة من طراز، تأخر الإذن ببدء العمل او التوقيف عن العمل…الخ سواء لمشاريع القطاع العام أو حتى الخاص الذي ينافس الشركات الأجنبية. ويبدو أن اقتلاع قلعة الفساد هذه هي معركة صعبة حتى إذا توفر قرار الاقتلاع.
ولكي لا نلعب في جزء من رقعة الشطرنج، فإن مخططات وسياسات الثورة المضادة خطيرة ومتواصلة وذات إمكانيات وهذا يفتح على أمرين:
الأول:. لعل اقل ما يمكن الإشارة إليه هو الضخ المالي والتقني والتسليحي الذي يقدمه الكيان للكثير من الدول الإفريقية سواء بسبب الفقر أو التبعية أو الفساد…الخ. وهذا يشكل تحدياً لمحاولة الجزائر.
والثاني: وهو الاختلاف النقيض بين توظيف المال من قِبَل كيانات الخليج في تمويل مئات آلاف إرهابيي قوى الدين السياسي والموجهة ضد الشعب العربي وبين أموال الكيان الصهيوني الموظف للتوسع الصهيوني في إفريقيا وفي مجالات عديدة في خدمة استراتيجية الكيان الاستيطاني الاقتلاعي وخدمة سيده الإمبريالي.
وهكذا، سواء في ترؤس الجزائر لدورة القمة العربية المؤجلة، أو دورها في منع أو إعاقة دخول الكيان إلى إفريقيا، أو تجميع الفلسطينيين، أو محاولة خلق محور جمهوريات عربية…الخ نلاحظ محاولة رسمية عربية لاقتراب الرسمي من الشعبي.
لكن هذا، رغم اهميته وكونه في الأساس هو المطلب الشعبي أو الحد الأدنى من المطلب الشعبي، فإن تحقيق ما يجمع الشعب من المحيط إلى الخليج هو مهمة حركة ثورية عروبية تحررية ووحدوية واشتراكية.
ورغم انهيار الوضع العربي الرسمي وتغييب الشارع وعدم قدرة قوى التحرر العربية على استعادة الشارع، إلا أن الحراك الشعبي العربي ضد التطبيع، على تواضع هذا الحراك، يشكل مقدمات إيجابية يجدر تطويرها.