مسيرة العودة والوضع القانوني لقطاع غزة واستهداف الاحتلال للمدنيين ..من منظور القانون الدولي الإنساني
أدهم أبو سلمية
كثر اللغط حول الوضع القانوني لقطاع غزة، ووضع الشهداء الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي على الحدود يوم الجمعة 30 مارس 2018م، وزاد الحديث عن الشهداء الخمسة الذين تبنتهم كتائب القسام وما هو وضعهم من منظور القانون الدولي الإنساني في لحظة استشهادهم وهم بالزي المدني.
وحتى لا نقع ضحية للدعاية الصهيونية الكاذبة والمضللة وجدت من الأهمية أن أتحدث في نقاط سريعة عن واقع قطاع غزة والرؤية القانونية للقطاع ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية:
1- قطاع غزة ما زال تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي رغم ادعاء الاحتلال الانسحاب منه عام 2005م، لكنه ما زال يسيطر على كل منافذه البرية والبحرية والجوية وعلى حركة السلع والبضائع والأفراد وهو ما يؤكد أن القطاع واقع تحت قوة احتلال ووفقاً للقانون الدولي الإنساني هناك التزامات قانونية وعرفية تقع على عاتق قوة الاحتلال، تنظمها بشكل أساسي ثلاثة مواثيق دولية هي: قواعد لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة والتي تركز على السكان الواقعين تحت وطأة الحرب، والبرتوكول الإضافي الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977.
2- وفقاً للقانون الدولي الإنساني، فإن السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال هم ( محميين) لا يجوز التعرض لهم أو ممارسة العقاب الجماعي عليهم (الحصار) أو تعريض حياتهم للاستهداف والخطر، أو استخدام القوة المفرطة بحقهم كما حدث يوم الجمعة، وأن هذه الافعال هي جرائم ترقى لأن تكون جريمة حرب من قبل الاحتلال.
3- يمنح القانون الدولي الإنساني حماية خاصة للمدنيين كأشخاص محميين زمن الاحتلال حددتها لهم اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية. وفي الحالات التي لا تندرج تحت تعريف المنازعات المسلحة الدولية، يتمتع السكان المدنيون بالحماية بموجب المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة. وتقوم هذه الحماية على واحد من أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني وهو مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين في العمليات العسكرية. ويتمتع السكان المدنيين بمكانة “أشخاص محميين” يحظر المس بهم وبممتلكاتهم.
( ومن هنا فإن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تضليل المجتمع الدولي، عندما ينشر مقطع فيديو قصير لشخصين يزعم أنهم يحملون السلاح، من اجل تبرير جريمة قتل 16 مدني وإصابة أكثر من 1100 أخرين )
4- إن استهداف المدنيين يوم 30 مارس 2018م وعدم التمييز بينهم “كأشخاص محميين” واستخدام القوة المفرطة وغير المشروعة أمام مسيرة سلمية ( معلن عن سلميتها مسبقاً) واستخدام أسلحة محرمة دولياً في مواجهة مواطنين عزل كاستخدامها للرصاص المتفجر، واطلاق النار على الأطراف بقصد (الإعاقة الدائمة) يتنافى مع نصوص المادتين 27 و47 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 46 من قواعد لاهاي والمادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول التي تنص على أن “تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية”. وهذا ما لم تفعله (اسرائيل) مما يعني أن انتهاكها يمثل جريمة ترقى لأن تكون جريمة حرب.
* ومن أجل تفنيد ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي، فإنني قمت بالبحث عن شرعية المقاومة في القانون الدولي الإنساني، سواء المقاومة السلمية أو المسلحة، وهل يحق للشعب الفلسطيني القيام بـ (مسيرة العودة الكبرى) لإيصال رسالة حق العودة للأرض المحتلة، ورفض العقاب الجماعي (الحصار) المفروض على غزة؟؟
وحتى نجيب عن السؤال السابق لا بد من توضيح النقاط التالية:
1- كان للمقاومة أثرا بارزاً وفعالاً في تطوير أحكام قانون الاحتلال في مجالات عديدة كالحفاظ على سيادة الدولة وحق الدفاع المشروع عن النفس.
2- لا توجد قاعدة في القانون الدولي الإنساني تحول دون قيام سكان الأراضي المحتلة بأعمال المقاومة الوطنية المسلحة والغير مسلحة. ولا تشترط المقاومة، من أجل اكتساب الشرعية، قيام الشعب بأكمله بها، فقد تقوم بها فئات معينة منه.
3- في البروتوكول الإضافي الأول، الذي أتى ليسد الفراغ القانوني الذي ظهر في تطبيق اتفاقيات جنيف، ينص صراحةً على حق الشعوب في حمل السلاح لمقاومة الاحتلال والعدوان من حيث المبدأ، وكذلك العديد من المصادر والوثائق القانونية الدولية، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، واتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لعام 1997 واتفاقية حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية التي تحدث آلاما مبرحة في الجسم الإنساني لعام 1980، وغيرها من الاتفاقيات والقرارات الدولية، مما يؤكد بأن القانون الدولي الإنساني يقر بحق كل الشعوب في مقاومة العدوان والاحتلال دفاعا عن حريتها وسيادتها وتقرير مصيرها، هذه الحقوق التي تعتبر من الحقوق الأساسية التي تتمتع بها شعوب العالم أجمع.
ومما سبق تتضح لنا بشكل كبير الصورة القانونية لقطاع غزة في القانون الدولي الإنساني، كما تتضح لنا الصورة القانونية للجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق السكان المدنيين في غزة سواءً عبر الحصار أو الاستهداف وهذا يتطلب منا جهد قانوني أكبر لمواجهة جرائم الاحتلال وإعداد ملفات قانونية متكاملة لطاردة الاحتلال وقادته وجنوده في المحافل الدولية، وتلك خطوات لا تقل أهمية في إطار استمرار مشروع المقاومة الشاملة في مواجهة الاحتلال.